24-مايو-2017

يتخوف المصريون من مزيد ارتفاع الأسعار في رمضان (كريس بورونكلي/ أ.ف.ب)

يأتي رمضان هذا العام في ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة على كثير من المصريين ستجعلهم يرضخون لمطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي قصرًا بترشيد الاستهلاك الرمضاني، فبعد أن اعتاد المصريون الوفرة والإسراف في شراء المواد الغذائية ومستلزمات رمضان من ياميش ومكسرات، تشهد الأسواق المصرية ارتفاع أسعار الياميش والمكسرات لأكثر من 100% عن العام الماضي، بينما تبدو صناعة الفوانيس في حالة كساد كبير، وذلك بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلك المصري بعد ارتفاع الأسعار وانشغال الأسر في الإعداد لامتحانات العام الدراسي لأبنائها وإعطائهم الأولوية.

يأتي رمضان هذا العام في ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة على كثير من المصريين قد تجعلهم مضطرين لترشيد الاستهلاك الرمضاني

وترتبط تجارة الياميش والمكسرات بالشهر الكريم حيث يحرص الناس على تناول التمور الجافة في الإفطار والسحور كما لا تخلو الموائد من الحلويات، وتشهد هذه التجارة رواجًا كبيرًا في شهر رمضان تحديدًا يصل إلى أن جملة الواردات من المكسرات والياميش تقدر بنحو 100 مليون دولار في شهر رمضان فقط في الأعوام الماضية، حسب رجب العطار، رئيس شعبة العطارة وعضو غرفة تجارة القاهرة.

ومع تراجع قيمة الجنيه وأزمة الدولار الحادة، اضطرت الحكومة المصرية إلى فرض ضريبة إضافية على هذه المنتجات بلغت 30% هذا الموسم علاوة على 150% فروق العملة وارتفاع أسعار هذه المنتجات فى بلد المنشأ بنسبة 20% بسبب قلة الإنتاج، ما أدّى إلى انخفاض الكميات المستوردة إلى أقل من 15 مليون دولار هذا العام لتمثل أدنى معدل استيراد منذ أكثر من 20 عامًا مضت.

في مدينة شبين الكوم، عاصمة محافظة المنوفية، يدخل أحد الزبائن إلى محل شهير لبيع مستلزمات رمضان لتفاجئه الأسعار: "ما بقاش لينا غير البلح والفول السوداني، أما الباقي فممكن ناخد منّه عيّنات. الحياة بقت صعبة قوي"، يقول الزبون لـ"ألترا صوت".

اقرأ/ي أيضًا: توريد القمح المحلي في مصر.. "مشكلة كل عام" تنذر بكارثة

أمين خليل، صاحب محل جملة بمدينة شبين الكوم، أشار في حديثه إلى "ألترا صوت" إلى تراجع حركة البيع ولفت إلى أن أسعار جوز الهند ارتفعت من 24 جنيهًا للكيلو العام الماضي إلى 60 جنيهًا، وتراوح سعر الزبيب المحلي بين 30 و40 جنيهًا بينما وصل سعر الزبيب الإيراني إلى 60 جنيهًا، والتمر الهندي من 10 جنيهات إلى 20 جنيهًا، أما الكاجو والفستق وعين الجمل والبندق فتسببت أسعارها في حالة من التندّر والاستنكار من جانب المصريين في الشارع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ وصل ثمن كيلو الكاجو إلى أكثر من 300 جنيه بزيادة 180 جنيهًا عن العام الماضي، والفستق 250 جنيهًا للكيلو، وعين الجمل والبندق المقشر 200 جنيهًا لكل منهما، أما البلح بأنواعه فتراوح سعره بين 15 إلى 30 جنيهًا للكيلو، بينما الموسم الماضي تراوح بين 8 و17 جنيهًا، فيما وصل سعر كيلو البلح الفاخر إلى 50 جنيهًا.

يمثل توفير الغذاء بأسعار مناسبة في متناول المواطنين قضية حسّاسة في مصر التي يعيش أكثر من رُبع سكانها تحت خط الفقر

وبعيدًا عن أسعار السلع السابقة، من التي يمكن وصفها بالكمالية وغير الضرورية، يمثل توفير الغذاء بأسعار مناسبة في متناول المواطنين قضية حسّاسة في مصر التي يعيش أكثر من رُبع سكانها تحت خط الفقر وشهدت الإطاحة برئيسين خلال ست سنوات لأسباب منها السخط على الأوضاع الاقتصادية.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أعلن في وقت سابق عن ارتفاع معـدل التضخم السنـوي فى أسعار السلع الاستهلاكية خلال شهر نيسان/أبريل 2017، إلى 32.9% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، فيما بلغ الرقم القياسي لأسعار السلع الاستهلاكية لإجمالي الجمهورية (معدل التضخم الشهري) 242.7 نقطة للشهر نفسه، مسجلًا ارتفاعًا عن الشهــر السابق له مباشرة بنسبة 1.8%، والذي بلغت نسبة التغير في الأسعار خلاله 2.1%. 

وأرجع جهاز الإحصاء أسباب ارتفاع معدل التضخم خلال شهر نيسان/أبريل إلى الارتفاع في أسعار مجموعة الخضروات بنسبة 7.2%، ومجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 2.5%، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 7.9%، علاوة على ارتفاع أسعار مجموعة الفاكهة بنسبة 4.6%، والوجبات الجاهزة بنسبة 0.7%.

اقرأ/ي أيضًا: رفع الدعم عن المواد الأساسية.. هل هلع المغاربة مشروع؟

موجات غلاء جديدة

في أواخر شهر نيسان/أبريل الماضي، نفت وزارة التموين المصرية أي زيادة مقررة على السلع في رمضان، وقالت الوزارة إنه تم توفير "كمية كبيرة من السلع الأساسية في المنافذ الحكومية ستُقدم بأسعار مخفّضة وبجودة عالية"، ستطرح في جميع المنافذ التابعة لشركات المجمعات الاستهلاكية والجملة في محافظات الوجه القبلي والبحري، وأكدت أنها ستعمل على إقامة معارض "أهلًا رمضان" في المحافظات، بالإضافة إلى معرض "سوبر ماركت" بالقاهرة قبل بداية شهر رمضان بالتعاون والتنسيق مع الغرف التجارية والشركات لتكثيف طرح السلع وتوفيرها بأسعار مناسبة للمواطن.

هذا البيان، بصياغته وكلماته، يمكن أن تجده في أرشيف المواقع الإخبارية على الإنترنت كخبر يصلح للأعوام السابقة والأعوام المقبلة بالتأكيد، فرغم هذه التأكيدات الرسمية السنوية تفلت الأسعار من يد الدولة في رمضان، وتختفي بعض السلع وترتفع أسعارها بشكل جنوني، والأفضع أن ذلك يحدث في ظل سوق عملات تحت سيطرة البنك المركزي، أما الآن وقد حرّر البنك المركزي سعر صرف العملة فمن المتوقع أن يكون رمضان القادم هو الأصعب الذي يمرّ على مصر وأهلها. والغريب في الأمر أن وزارة التموين نفسها قررت قبل أيام رفع أسعار اللحوم المستوردة والدواجن المجمدة بالمنافذ التابعة للوزارة، رغم التأكيدات السابقة بتثبيت الأسعار خلال شهر رمضان وحتى عيد الفطر.

يعاني الاقتصاد المصري من معدلات تضخم رهيبة، تعد أحد أعلى المعدلات حاليًا بين الأسواق الناشئة، والأعلى محليًا منذ نحو ثلاثين عامًا

ولعل المؤشرات التي رصدتها التقارير الرسمية عن التضخم منذ قرار تعويم الجنيه في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وحتى الآن تؤكد أن هناك بالفعل مأساة في انتظار الجميع، وأن رمضان القادم سيكون اختبارًا حقيقيًا لإيمان الناس وقدرتهم على التحمل، في ظل توقعات بارتفاعات قادمة في أسعار الطاقة والمحروقات، كجزء من خطة "الإصلاح الاقتصادي" التي تنتهجها الدولة من أجل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.

وكانت بعثة الصندوق قد أشارت في بيان لها في ختام زيارتها الثانية لمصر يوم 11 أيار/مايو الجاري إلى ضرورة تعامل الحكومة بجدية أكبر مع مشكلة التضخم واعتماد سياسة نقدية إلى جانب "أدوات مالية أخرى" للسيطرة على معدلات التضخم الرهيبة التي تعد أحد أعلى المعدلات حاليًا بين الأسواق الناشئة، والأعلى محليًا منذ نحو ثلاثين عامًا.

بيان بعثة الصندوق فتح المجال لحديث خبراء الاقتصاد عن قرب صدور قرارات تتعلق برفع أسعار الفائدة البنكية، ما سيزيد أعباء الدين العام الداخلي، كما أيّد البيان خطط رفع سعر ضريبة القيمة المضافة التي ستزيد خلال الشهور القليلة المقبلة من 13 إلى 14%، ومواصلة عملية "إصلاح دعم الطاقة" التي تعني زيادة جديدة منتظرة على الأرجح مع حلول تموز/يوليو المقبل في أسعار البنزين والسولار والغاز، وكذلك في أسعار الكهرباء.

كل تلك الخطوات المنتظر تفعيلها، جميعها أو أغلبها، مطلع العام المالي الجديد 2017/2018، تعني موجات جديدة من معاناة المصريين التي هم مدعوون دائمًا من السلطة لتحمّلها والصبر في مواجهتها،  في ظل تخوفات من أن تكون هذه الموجات القادمة أكبر من أي قدرة للمصريين على مزيد من تحمّل أوضاع وأعباء يومية تعصف بهم وبحاضرهم ودون أي أمل في تحسُّن مستقبلهم في المدى المنظور، بعد أن جرّبوا مرارًا الاستماع لكلام رئيسهم وطلبه المتكرر بالصبر والتحمُّل التي تبدو دائمة إلى ما لا نهاية.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. ماذا يعني رفع سعر الفائدة في البنوك؟

تعرف إلى أهم 7 أسباب لتغيير شكل العملة المصرية