17-يونيو-2017

في الشارع المغربي سُلطة العرف أقوى من سلطة القانون (فاضل سنا/ أ.ف.ب)

عاد موضوع "قضاء الشارع" في المغرب من جديد، بخاصة بعد الاعتداء على فتاة قاصرة قبل أيام، كانت برفقة والدتها في مرتيل شمالي المغرب. وكان الاعتداء تحت دعوى أن لباس الفتاة "غير محتشم" وأنها "غير صائمة في نهار رمضان".

بعد حادثة الاعتداء على فتاة بدعوى أنها غير صائمة في نهار رمضان، طُرحت تساؤلات عما إذا كانت سلطة العرف أقوى من القانون في المغرب 

أثارت هذه الحادثة كثيرًا من الجدل، خاصة وأنها تذكرنا بحوادث أُخرى مشابهة مسّت المجتمع المغربي في السنوات الماضية، ليتساءل البعض عمّا إذا كانت سلطة العرف أقوى من القانون في المغرب، وإذا ما كانت الحريات الفردية في تراجع أمام ما يُسمى بـ"قضاء الشارع".

اعتداء وتنكيل

اهتزت قبل أيام مدينة مرتيل المغربية الساحلة، على وقع اعتداء مجموعة من الباعة الجائلين وأصحاب العربات في السوق المركزية بالمدينة، بالضرب على فتاة قاصرة تحمل الجنسية الألمانية، كانت برفقة والدتها وأحد أفراد عائلتها.

اقرأ/ي أيضًا: جدل الإفطار العلني في رمضان بالمغرب

فقد فوجئت الشابة بعدد من الأشخاص يُهاجمونها قبيل سويعات من آذان المغرب، بدعوى "تغيير المنكر" بوصفها ترتدي لباسًا "غير محتشم" كما قالوا، ولأنها كانت تشرب العصير قبل الإفطار.

ووفقًا لوالدة الفتاة التي تحدثت عبر مقطع فيديو بثته إحدى المواقع الإلكترونية المحلية، فإن ابنتها المقيمة في ألمانيا، كانت في أولى زياراتها للمغرب، بعد أن أرادت التعرف على العادات والتقاليد الإسلامية في البلد. وأثناء مرورها قرب السوق المركزية لمرتيل، اقترحت على والدتها شراء العصير، وفي طريقهما لشرائه فوجئا بهجوم عليهما، قصد الفتاة، التي استطاعت بصحبة والدتها الفرار رفقة قريبها بالسيارة.

تسبب الاعتداء على الفتاة بإصابتها برضوض في يديها، فضلًا عن تعرضها لصدمة نفسية، كما أصيبت والدتها ببعض الكدمات.

 

ولا تعد هذه الحادثة الأولى من نوعها في المغرب، فهي تعيد ذكرى الاعتداء على فتاتين في مدينة أنزكان بسوق شعبي، بدعوى أنهما كانتا ترتديان لباسًا "غير محتشم" في نظر المعتدين عليهما بالضرب. والسنة الماضية أيضًا تعرضت سيدة في مدينة طنجة هي وابنتها، للتعنيف لنفس السبب، أي اللباس.

لا يُعد هذا السبب الوحيد للاعتداءات في الشارع لأسباب "أخلاقوية"، فهناك أيضًا الاعتداء على شباب بدعوى أنهم مثليون، وبالطبع هناك الدعوى و"الاتهام" الأبرز، وهو "الافطار في نهار رمضان".

ولا يتعاطى المغاربة بسهولة وتسامح مع قضية الإفطار في نهار رمضان، دون حتى تفريق مع من أفطر برخصة شرعية، كما جرى مع مواطن في مدينة فاس رمضان الماضي، حين انهال عليه مواطنون بالضرب إثر إقدامه على شرب الماء، رغم أنه كان له عذره الشرعي لإصابته المتأخرة بمرض السكري.

إذن فظاهرة "قضاء الشارع" هذه ليست وليدة اليوم، لكن الجديد فيها هو تسجيل الحوادث لحظة وقوعها بالهواتف الذكية، وانتشار أخبارها بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

العرف أم القانون؟

يُعاقب القانون المغربي من يُفطر علنًا في نهار رمضان "بدون عذرِ شرعي"، وفقًا للفصل 222 من القانون الجنائي الذي ينص على العقاب لمن "يجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي دون عذر شرعي"، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة تصل إلى 20 دولارًا، وهو فصل قانوني مثير للجدل في المغرب، وتنتقده منظمات حقوقية ونشطاء في المغرب.

رغم ذلك، وما ينص عليه القانون المغربي، إلا أن من الأفراد العاديين من يُنصّب نفسه حارسًا ضد ما يعتبره منافيًا للدين الإسلامي، وغير مقبول في "عرف" المجتمع العربي المحافظ، في رمضان على وجه التحديد!

وبصرف النظر عما إذا كان اللجوء إلى ما يُسمى بـ"شرع اليد" أو "قضاء الشارع"، غرضه "حماية الدين" من باب "النهي عن المنكرات وتغييرها"، إلا أنّ الأوثق هو أنّ هذا السلوك يحكمه شعور بأن مقترف ما يُرى كـ"ذنب" في رمضان، إنما خرج على الجماعة أو المجتمع ووجب تقويمه، أو هكذا يرى "قضاة الشارع".

ومع توالي الظاهرة في الآونة الأخيرة بفعل الكشف عنها سريعًا لتطور وسائل الاتصال، يرى كثيرون من المراقبين أن ذلك يُعيد المجتمع إلى الحالة القبلية التي يحكمها قانون العُرف والتقاليد لا قانون الدولة والنظام.

يرى البعض أن سبب انتشار ظاهرة "قضاء الشارع" هو قصور السلطات المختصة بضبط الأمور، ما قوّى من سلطة العرف على سلطة القانون

ويرى البعض أن سبب ذلك هو قصور السلطات المختصة في ضبط الأمور، ما ترك الحبل على الغارب لقضاء الشارع هؤلاء يُطلقون أحكامهم وينفذونها بالاعتداء الجسدي على الناس، مع إهمال أو تجاهل لدور نظام الدولة!

اقرأ/ي أيضًا: الإفطار في نهار رمضان عربيًا.. قوانين وأعراف مختلفة

وصحيح أنّه ثمّة قوانين في الدولة تجرم بعض الممارسات التي يُعتدى على الناس بسببها، وهو أمر محل خلاف كبير، وتقود مجموعات حقوقية معارك ضد هذه القوانين؛ إلا أنه ثمّة في المجتمع من يُبادر بتوقيع الجزاء على الناس بدعوى خرقهم لـ"عرف ما" قبل أن يكون خرقًا للقانون.

يُؤكد ذلك في مجمله قوة العرف بالأمر الواقع عن قوة القانون، فيما يرى البعض أنّ كون القانون يمس ببعض نصوصه وفصوله "حريات فردية" كهذه، فهو بذلك يُكرّس لسلطة العرف و"قضاء الشارع".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة المجاهرين بالإفطار في مصر بين المفتي والقانون

"الإجهار بالإفطار".. تهمة جديدة في بغداد تؤدي إلى السجن