26-مايو-2019

غلاف الكتاب

ألترا صوت – فريق التحرير

أصدر الكاتب والإعلاميّ والنّاشط الثّقافيّ الجزائري عبد الرّزّاق بوكبّة (1977) كتابًا حمل عنوان "رماد يذروه السّكون: تأمّلات في الحراك الجزائريّ" (دار ضمّة، الجزائر 2019)، الذي يُعدّ أوّل كتاب يرافق الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، الذّي انطلق يوم 22 شباط/فبراير الماضي، من زوايا تأمّلية في الذّهنيات والنّفسيات، التّي ترتّبت عن مسعى الحراك، في الشّارع الجزائريّ.

عبد الرزاق بوكبة: إنّ حراك 22 شباط/ فبراير كان حركة مفاجأة للعديدين من المنظومة في الجزائر

وعن خلفية العنوان يقول بوكبّة لـ"الترا صوت" إنّ حراك 22 شباط/فبراير كان حركة مفاجأة للعديد من المنظومة في الجزائر، فهو ثمرة للسّكون، الذّي طبع المشهد الجزائريّ في سنواته الأخيرة، بما أعطى الجرأة للعصابة الحاكمة على أن ترشّح جثّة للانتخابات الرّئاسية، معتقدة أنّها تستطيع أن تمرّر مشروعها، في ظلّ ذلك السّكون، فإذا بالمارد الشّعبي يعلن عن نفسه، ويسقط حساباتها في الماء.

اقرأ/ي أيضًا: عبد الرزاق بوكبة.. معول الشعر في أرض السرد

يشرح صاحب كتاب "نيوتن يصعد إلى التفّاحة" فكرته بالقول: "ممّا رصدته في الكتاب الجديد تجلّيات تغييب الشّاب الجزائريّ الجديد لنفسه، واقعيًّا وافتراضيًّا، حتّى يتمكّن من تكوين نفسه وإعدادها للمرحلة القادمة، ثمّ أعلن عن نفسه يوم 22 شباط/فبراير، بما سبّب صدمةً ومفاجأةً كبيرتين لكثير من المنظومات الحاكمة والمتحالفة معها، وحتّى لتلك التّي كانت تمارس المعارضة الشّكليّة، إذ كانت تبني أحكامها على هذا الجيل بناءً على سكونه وانسحابه من الحياة العامّة".

"كان الشّاب الجزائريّ، الذّي قام ولا يزال الحراك على أكتافه، في ظلّ تخبّط النّخب المختلفة، في مسعى تغييب الذّات، يميل إلى الأكل خارج البيت، ويرفض الكسكسيّ بصفته طبقًا أبويًّا، ويقاطع وسائل النّقل العامّة باستعمال الدّراجة، ويتفادى الأصوات المحيطة باستعماله للكتمان، ويقصد الشّواطئ الصّخريّة تفاديًا للشّواطئ الرّملية المأهولة، ويحضر فيسبوكيًّا باسم مستعار، ولا يتواصل مع الغير إلا بعد منتصف اللّيل، من خلال الماسنجر وغيره، ويتقبّل أن يُطلق عليه رفاقه اسمًا مستعارًا في الواقع، عادةً ما يكون اسمًا مشوّهًا، ولا يملك من بطاقات إثبات الهوية إلا واحدة، عادةً ما تكون مهترئةً، ويتفادى استعمال اللّغة الرّسمية في دردشاته الافتراضية، باستعمال لغة مختزلة، معناها عربي وأبجديتها غربيّة".

كلّ هذه الإشارات، التّي رصدها الكتاب، أعطت انطباعًا، يقول بوكبّة، بأنّه جيل مستقيل ومنسحب ولا مبالٍ، بينما كان موقفًا سياسيًّا منه بالدّرجة الأولى، جعله يراكم وعيه، الذّي كان خلف شرارة الحراك قبل 14 أسبوعًا، بما جعل الصّراع في حقيقته بين جيلين مختلفين في الرّؤية إلى المستقبل، يعمل كلّ واحد منهما على إلغاء الآخر، لأنّ وجوده أصلا يعرقل وجود الآخر.

فالجيل القديم الحاكم، حسب الكتاب، يرى في وجود الجيل الجديد نسفًا لاستمراره في الحكم، في مقابل اعتبار الجيل الجديد للجيل القديم حجر عثرة في طريقه إلى المستقبل، بما منح مبرّرًا للشّعار الرّاديكالي، الذّي تبنّاه شباب الحراك "يتنحّاو قاع" أي يذهبون جميعًا، بغضّ النّظر عن إمكانية تطبيقه في الميدان.

يتكوّن كتاب "رماد يذروه السّكون: تأمّلات في الحراك الجزائريّ" لعبد الرزاق بوكبة من 50 نصًّا تأمّليًّا. ويميل النّصوص إلى القصر انسجامًا مع نزعة التّكثيف، التّي تمليها اللّحظة، "فالحراك لحظة مكثّفة إلى درجة أنّ الخبر داخلها يفقد صلاحيته بعد ساعات قليلة فقط. وهي الكثافة التّي فرضها الشّباب المدجّجون بالوعي والتّكنولوجيات الحديثة، بما وضع الجماعة الحاكمة أمام اللّجوء إلى خيار القوّة، في ظلّ عجزها عن الفهم والمواكبة، عوضًا عن خيار المرافقة والحوار، فكأنّنا بصدد معركة يديرها طرف بالحمام الزّاجل، في مقابل إدارتها من الطّرف الثاني بالآيفون".

وقال بوكبة لـ"الترا صوت" إن كتابه ليس سياسيًّا أو إعلاميًّا، حتّى يكون مطالبًا بترك مسافة زمنيّة بين الفعل والكتابة عنه، في إشارة إلى أنّ كتابه صدر، قبل اكتمال تجربة الحراك، "بل هو تأمّلات مباشرة في أفعال مباشرة. يحتاجها فعل الحراك لاكتساب وعيه بذاته في مسعى فرض خياراته".

كتاب عبد الرزاق بوكبة عن الحراك الجزائري عبارة عن تأمّلات مباشرة في أفعال مباشرة. يحتاجها فعل الحراك لاكتساب وعيه بذاته في مسعى فرض خياراته

يضيف: "اعتمد فعل الحراك على العاطفة في بداياته، حتّى يستعين بالحماس على كسر حاجز الخوف، فاستطاع أن ينقل الخوف إلى الطّرف الخصم، وهو اليوم مطالب بأن يعتمد على العقل والتّفكير والتّخطيط والمناورة، حتّى يكتسب الحماية من الاختطاف، الذّي تعمل العصابة على ممارسته".

اقرأ/ي أيضًا: عبد الرزاق بوكبة.. أهلًا بكم في بيت الكاتب

يذكر أن عبد الرزاق بوكبة من أنشط الكتّاب الجزائريين، فقد أصدر 12 كتابا في الشعر والسرد والقصة والسيرة وأدب الرحلة والمقال الثقافي وأدب البيت، ويشرف على العديد من المنابر الثقافية، التي عملت على تحريك السؤال الثقافي في الجزائر.


من الكتاب

لم ينتبه قطاع واسع من النّخب السّياسيّة والثقافيّة والجامعيّة والإعلاميّة، إلى الثّورة التّي أحدثها الشّاب، الذي ولد وعاش خلال المرحلة البوتفليقيّة، على مستوى التّشبيهات التّي يستعملها. خاصّة في جهة المشبّه به، بما يدلّ على أنه جيل متفاعل مع لحظته حدّ البصلة السيسائيّة.

في مقابل بقاء تلك المنظومات حبيسة تشبيهاتٍ قديمةٍ وموروثةٍ، بما خلق هوّةً عميقةً بينها وبين هذا الجيل أثمرت إلغاءً متبادلًا، فلم تجدْ تلك النّخب التّقليديّة، أمام خواء خطابها وعجزها الفكري، في مواجهة الجيل الجديد، إلا التّشكيك في وطنيّته وتديّنه من جهة، وتحالفها مع النّظام السياسيّ القائم على تعطيل المواهب من جهةٍ ثانية.

غير أنّ الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، الذي قام على أكتاف وعقول وحناجر وأرواح هذا الجيل نسف كلَّ الادّعاءات المتعلّقة بوطنيّته وتديّنه واستعداده لتسلّم المشعل، ووضع النّظام السّياسيّ على شفير الهاوية، بما أثار مخاوفَ النّخب التّقليدية من أن تخسرَ حليفَها، فراحت تدافع عنه إلى درجة التخبّط.

لم يستطع جدُّك أن يوقفَ النّهرَ الحاملَ بالأمس، حتّى تستطيعَ أنت أن توقفَ جيلَ المحمول اليوم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الرزاق بوكبة.. حشرجات السرد

شجرة الكتابة.. بستان الصداقة