26-أكتوبر-2017

"الإحاطة" ليس تاريخًا لغرناطة بل موسوعة عنها (تصميم ألترا صوت)

يبقى الأندلس تجربة فريدة في التاريخ الإنساني، لما مثّله من التقاء بين الشرق والغرب، ومساحة خصبة للإنتاج الفكري والعلمي وانصهار المعارف الإنسانية المختلفة. ومن الجميل أن حكاية الأندلس التي رويت مرارًا لا تزال قابلة لأن تروى، لما فيها من الثراء الإنساني والحضاري. لأجل هذا نفرد "ركن الوراقين" لبعض ممن انشغلوا بالأندلس وكرسوا أنفسهم لرواية حكايته.


1. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب

يقوم كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" لـ أحمد المقري التلمساني على قسمين، الأول مقدمة تعطي صورة متكاملة لتاريخ الأندلس وجغرافيته وأدبه وأخباره وأعلامه. والثاني ترجمة لحياة وشخصية لسان الدين بن الخطيب.

مقدمة الكتاب هي سر شهرته، لكونها شاملة لكل شيء. قسّمها  التلمساني على ثمانية أبواب. الأول في صفة الأندلس وجغرافيتها، والثاني في فتحه وأمرائه من قبل بني أمية، والثالث في أمراء وخلفاء بني أمية، ومن أعقبهم من ملوك الطوائف. والرابع عن قرطبة. والخامس عن الأندلسيين الذين ارتحلوا إلى المشرق، والسادس عن المشارقة الذين وفدوا إلى الأندلس. والسابع كما يوضحه عنوانه "نبذة مما منّ به الله على أهل الأندلس من توقد الأذهان"، والثامن في "تغلب العدو الكافر الجزيرة".

ولد المقري التلمساني في مدينة تلمسان لأسرة عالمة، تتلمذ فيها ثم غادر إلى فاس، وبعدها تنقل بين بلدان عديدة، فرحل الى مصر ومختلف بلدان المشرق العربي، واستقر في دمشق، حيث كانت فيها جالية مغربية كبيرة، أحسنت استقباله، وقد ذاعت شهرته في دمشق كما لم يحدث لأحد غيره من العلماء الوافدين إليها. ولهذا نجده في "نفح الطيب" يكثر من الثناء عليها وعلى أهلها. لكنه مضى ألى مصر ومات فيها وهو في الحادية والأربعين من العمر.

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب

2. الإحاطة في أخبار غرناطة

"الإحاطة في أخبار غرناطة" أكبر أعمال المؤرّخ والأديب لسان الدین بن الخطيب. یعدُّ جامعًا لِتراجم أعلام الأندلس، من حكام وقضاة وفقھاء وأدباء، وبالأخص من ارتبط منهم بغرناطة بحكم الولادة أو الوفاة فيها.

"الإحاطة" من أضخم وأشهر مؤلفات ابن الخطيب التي زادت على الستين كتابًا، لما فيه من معلومات تاريخية تشمل جميع نواحي الحياة الأندلسية السياسية والإدارية والاقتصادية والعمرانية. الكتاب معجم في التراجم. ترجم 493 شخصية أندلسية. كما يتضمن أوصاف مدينة غرناطة ومحاسنها وسكانها.

"الإحاطة" ليس تاريخًا لغرناطة كما يوحي عنوانه، بل موسوعة لكل ما يتصل بهذه المدينة من الأخبار والأوصاف والسكان والأعلام. هو معجم في التراجم، وكتاب تاريخ في الوقت نفسه. يقوم الكتاب على قسمين، الأول يتناول غرناطة واسمها ومساحتها وجبالها ومروجها... إلخ، والثاني مخصّص لشخصيات أندلسية حكموا غرناطة، أو نزلوا بها، أو وفدوا عليها، في مختلف العصور الأندلسية.

الإحاطة في أخبار غرناطة

3. البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب

كتاب "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" ألفه ابن عذاري المراكشي، الذي عاش بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد، وعاصر انهيار دولة الموحدين وقيام دولة بني مرين.

يحتوي "البيان المغرب" على موارد أخبارية لا يمكن الاستغناء عنها عند دراسة شمال أفريقيا والأندلس، ومما يزيد أهمية هذا الكتاب أنه اعتمد على كتب فقدت ولم يعد بالإمكان الرجوع إليها.

قسم ابن عذاري المراكشي كتابه الى ثلاثة أجزاء. الأول في تاريخ شمال أفريقيا منذ الفتح الإسلامي وحتى ظهور المرابطين والموحدين، والثاني في أخبار الأندلس، بدءًا من عصر الإمارة والخلافة، وصولًا إلى دخول المرابطين بعد دعوة المعتمد بن عباد لهم لمواجهة ممالك الشمال. وفي الجزء الثالث عالج تاريخ الدولة المرابطية اللمتونية منذ نشأتها في المغرب، وحتى توسعها وسيطرتها على الأندلس.

رتب ابن عذاري في أخباره على السنين، مع الإيجاز، لكنه فصّل في مسائل كثيرة رآها تتطلب الخروج إسهابًا. وهو ما فعله بخصوص تاريخ دول الطوائف مثلًا، حيث تحدث عن الأسر الكبيرة مثل بني جهور في قرطبة، والعباديين في إشبيلية، بينما خص الدويلات الصغرى بأخبار موجزة.

البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب

4. المقتبس في تاريخ الأندلس

اختلفت أسماء هذا الكتاب بين طبعاته المتعددة، فمرةً يرد باسم "المقتبس في تاريخ الأندلس"، وأخرى باسم "المقتبس في رجال الأندلس"، وثالثة باسم "المقتبس في علماء الأندلس". وأيًا يكن فمؤلفه ابن حيان القرطبي دوّن فيه تاريخ العرب في الأندلس منذ الفتح عام 711 للميلاد، إلى آخر خلافة الحكم المستنصر بالله.

قال ابن حزم الأندلسي في مديح الكتاب: "... منها كتاب التاريخ الكبير في أخبار أهل الأندلس تأليف أبي مروان بن حيان، نحو عشرة أسفار، من أجلّ ما ألف في هذا المعنى. وهو في الحياة بعد، لم يتجاوز الاكتهال".

وقد كتب ابن حيان لاحقًا كتابًا عرف باسم "المتين"، يذكر فيه أحداث عصره وما شاهده. تربو على الستين مجلدًا، ضاع معظمها، لكن في كتب المؤلفين التالين لعصر ابن حيان نقولًا كثيرة، أهمها وأوفرها ما نجده في كتاب "الذخيرة" لابن بسام. يرى المؤرخون أن "المقتبس جهد باحث في هدوء مكتبته بعيدًا عن ضجيج المدينة، أما "المتين" فهو ثمرة تسجيل هذا الصخب والضجيج، لا في قرطبة وحسب، بل في مختلف أنحاء الأندلس. لأن التاريخ الذي كتبه في "المقتبس" كان قد تم واتضح لبعده نوعًا ما زمنيًّا، أما ما جاء في "المتين" فكان من الأحداث الجارية.

المقتبس في تاريخ الأندلس

 

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الورّاقين (1): أنطولوجيات الأسلاف
ركن الوراقين 2: الجغرافيون الأوائل