امتاز الأدب العربي بمصنفات جمع فيها مؤلفوها مادة أدبية ليست من إنتاجهم، وأشعارًا ليست من نظمهم. وقد تنوعت هذه المصنفات، فمنها ما اختص بالشعر، ومنها ما اختص بجمع طرائف أخبار والنوادر، ومنها ما اختص بجمع أخبار فئة معينة ككتب الجاحظ.
في "ركن الوراقين"، نقدم أسبوعيًا بعضًا من أبرز عناوين هذه المكتبة يجمعها توجّه محدد، في محاولة لاستعادة ألق تلك المكتبة.
1. كتاب الأغاني
يسمي البعض "كتاب الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني بـ"ديوان العرب" لأنه موسوعة أدبية وتاريخية واسعة، تتضمن سير وأخبار الشعراء والمغنين، كما تتضمن الكثير من الأحداث التاريخية التي أثّرت في الأدب العربي.
من أقدم طبعاته الطبعة التي قدمها المستشرق الألماني يوهان كوزجارتن عام ١٨٦٢. أما الطبعة الثانية فصدرت عن مطبعة بولاق عام ١٨٦٨، لكنها كانت طبعة ناقصة لأنها لم تعتمد على مخطوطة تامة. وقد حاول المستشرق الأمريكي بونو سدّ النقص في طبعة بولاق بمقابلتها مع ما اطلع عليه من أصول "الأغاني" المخطوطة. ولم تصدر طبعة كاملة محققة تحقيقًا علميًا إلا في ١٩٢٧ عن طريق "دار الكتب المصرية"، التي ظلت تصدر الأجزاء تباعًا حتى اكتملت عام ١٩٦١.
في موسوعته، يبدو أن المؤلف أبا الفرج الأصفهاني قد نخّل خزانة ضخمة من الأغاني العربية، ولهذا لم يبق أحد من أمراء العصر إلا اقتناه، وتداولته أيدي رجالات الدولة في حلب والأندلس وبغداد وبلاد فارس.
حفظ كتاب "الأغاني" ثروة شعرية واسعة، وقدم تصورًا وافيًا عن الحضارة العربية الإسلامية، وحفظ الأساليب النثرية التي غابت أصولها، ورسم منعطفات الأدب العربي، وقدم العديد من الأحكام النقدية.
2. العقد الفريد
جمع ابن عبد ربه في "العقد الفريد" خلاصة ما جمعه قبله كالجاحظ والمبرد والأصمعي وابن قتيبة.. وغيرهم. ولم يقف في مختاراته عند ما وقف عليه من سبقه، بل نقل مما ترجم إلى العربية من الهندية واليونانية والفارسية.
حظي هذا الكتاب بانتشار واسع وشهرة كبيرة قديمًا وحديثًا، منذ طبعته الأولى في مطبعة "بولاق" في القاهرة سنة ١٨٧٦. كانت غاية التأليف في زمن ابن عبد ربه هي اختصار بديع معاني المتقدمين واختيار جواهر ألفاظ السالفين، كما يرى الباحثون، وهو ما فعله هذا الكتاب باقتدار.
يقول المؤلف: "ألفتُ هذا الكتاب وتخيرت نوادر جواهره من متخير جواهر الآداب ومحصول جوامع البيان وسميته بالعقد لما فيه من مختلف جواهر الكلام مع دقة السلك وحسن النظام وجزأته على خمسة وعشرين كتاباً، كل كتاب منها جزآن، فتلك خمسون جزءًا قد انفرد كل كتاب منها باسم جوهرة من جواهر العقد"
3. يتيمة الدهر
شعر أبو منصور الثعالبي بفراغ في تاريخ الأدب يخصّ شعر ونثر معاصريه، وقد أشار إلى أن المؤلفين السابقين ركزوا على السابقين ولم يلتفت أحد منهم إلى أهل العصر، حيث إنه كان يرى أنّ "المتأخرين أرقّ شعرًا". هذا كان دافعه لتصنيف كتاب "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر"، مع أن هناك كتبًا في ذات الباب سبقت "اليتيمة"، مثل كتاب ابن المعتز "طبقات الشعراء المحدثين" و"الروضة" للمبرّد.
كان الثعالبي مهتمًا بأخذ النصوص من أوثق المصادر، ولهذا كان يحاول أن يشافه الشعراء، ومن لم يشافههم مباشرة ظل يعنى بالنقل عمن سمعوهم مباشرة، ولهذا كان يندر أن يعتمد على ديوان الشاعر فقط. ومن بين ميزات هذا الكتاب هو المنهج البحثي الذي يعتمد على مقابلة النسخ المكتوبة، والاستماع إلى من سمعوا النص من صاحبه مباشرة، دون أن يأخذ ما يلقى على عواهنه.
"اليتيمة" هي أكثر مؤلفاته شهرة وتداولًا يقدم فيها شعراء معاصرين له، أو سابقين بزمن قليل، ويجمعهم حسب البلدان أو الأقاليم أو البلاط الذي جمعهم.
4. المستطرف في كل فن مستظرف
"المستطرف في كل فن مستظرف" من أقرب مصنفات التراث العربي إلى قلوب القراء عبر العصور، ومن أكثرها تداولًا أيضًا.
الكتاب الذي أعده وجمع مادته وألّف بين أخباره ونوادره وحكمه ومواعظه شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأشبيهي؛ هو رحلة شعرية وأدبية ودينية، في الشعر والشعراء وأخبار القبائل وروايات العشاق والمِلح والنوادر. يعتبر مرجعًا في عصره. كتاب متعة لمن يبحث عن الغريب. أشبه إلى جملة كتب في واحد.
أعجب الأبشيهي بالكتب الأدبية التي قرأها، فأراد أن يجمع خلاصاته في كتاب، لأنه رأى أن كلًّا من أعمال السابقين يتفرد بخصائص ليست في غيره، فقرر أن يجمع من مجموعها كتابه. يقول: "رأيت جماعة من ذوي الهمم، جمعوا أشياء كثيرة من الآداب والمواعظ والحكم، وبسطوا مجلدات في التواريخ والنوادر، والأخبار، والحكايات، واللطائف، ورقائق الأشعار، وألفوا في ذلك كتبًا كثيرة، وتفرد كل منها بفرائد فوائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة، فاستخرت الله تعالى وجمعت من جموعها هذا المجموع اللطيف، وجعلته مشتملًا على كل فن ظريف، وسميته المستطرف".
اقرأ/ي أيضًا: