تلعب كتب التراجم دورًا في الكشف عن الأعلام التي يكثر ورودها في النصوص والوثائق، بما يقرّبها من الوضوح والأفهام.
إذا كان الدافع الديني هو الباعث على العناية بهذا النوع، الذي بدأ الاهتمام به مع تدوين تراجم الصحابة وطبقات المحدّثين، فإنّ اتساع آفاق الحركة اللغوية وتشعب فروعها شمل لاحقًا طبقات من الرجال والنساء ممن ليست لتراجمهم صلة بالدين والتشريع.
سارت الكتب المصنفة في التراجم على ثلاثة زمر: تراجم الشعراء، تراجم اللغويين والنحاة، تراجم الأدباء العامة. ولأنّ الحديث يطول عن كل ما تضمنته هذه الزمر نختار عنوانًا يمثّل كلًا منها.
1. الشعر والشعراء
كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة من أقدم الكتب التي نعرفها في تراجم الشعراء. طبع الكتاب عدة طبعات، منها طبعة بتحقيق أحمد محمد شاكر نشرتها "دار إحياء الكتب العربية" في جزئين صدرا في القاهرة عام 1950، وأعيدت طباعته في "دار المعارف" عام 1966.
حدّد المؤلف موضوع كتابه في الأسطر الأولى من مقدمته، حيث قال: "هذا كتاب ألّفته في الشعر، أخبرت فيه عن الشعراء وأزمانهم وأقدارهم وأحوالهم في أشعارهم، وقبائلهم وأسماء آبائهم، ومن كان يعرف باللقب أو الكنية منهم، وعما يستحسن من أخبار الرجل ويستجاد من شعره وما أخذته العلماء عليهم من الغلط والخطاء في ألفاظهم أو معانيهم، وما سبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون. وأخبرت فيه عن أقسام الشعر وطبقاته، وعن الوجوه التي يختار الشعر عليها ويستحسن لها".
اختار ابن قتيبة أشهر الشعراء، خصوصًا من يكثر الاستشهاد بأشعارهم. ولم يقتصر على الشعراء الجاهليين والإسلاميين، كما فعل ابن سلاّم الجمحي في "طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين"، وإنما تناول المحدثين الذين عاصرهم، مخالفًا بذلك مذهب المتعصبين للقديم.
ينظر ابن قتيبة إلى كل شاعر بمفرده، فيذكر أخباره وأشعاره، وآراء العلماء فيه.
احتلّت مقدمة الكتاب مكانة خاصة في النقد العربي، لكون المؤلف فصّل في الشعر وضروبه، وفي المبادئ التي يجب أن يلتزم لخا الناقد حتى يكون عادلًا في حكمه. كما تحدّث عن إطار القصيدة، وتتابع المعاني فيها، وفي عيوب الشعر.
2. نزهة الألباء في طبقات الأدباء
"نزهة الألباء في طبقات الأدباء" كتاب لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنباري، الملقّب بالكمال النحوي.
يقول إبراهيم السامرائي في مقدمته لتحقيق هذا الكتاب: "كانت حياة ابن الأنباري جدًّا محضًا، فقد انقطع للتدريس والتأليف، وقد جاء في مظانه أن له مئة وثلاثين مصنفًا في اللغة والأصول والزهد، وأكثرها في فنون العربية". من أعماله: "الإغراب في جدل الأعراب"، و"أسرار العربية"، و"الإنصاف في مسائل الخلاف"، و"البيان في غريب إعراب القرآن".
ظهر "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" في أواسط القرن الهجري السادس، واحتوى ما يقارب من مئتي عالم من علماء اللغة والنحو، من نشأة علم النحو حتى عصر المؤلف.
رتّب أبو البركات الأنباري تراجم النحاة واللغويين ترتيبًا زمنيًا عامًا، بحسب سني وفاة أصحابها، ولم يصنفهم بحسب أجيالهم.
أخذ أبو البركات الأنباري عن الذين سبقوه كم كتّاب الطبقات والتراجم مثل ابن المرزبان السيرافي صاحب "كتاب أخبار النحويين البصريين" الحافظ ابن ثابت البغدادي صاحب "تاريخ بغداد".
من أفضل طبعات الكتاب طبعتان، طبعة مصرية حقّقها محمد أبو الفضل إبراهيم، صدرت عام 1967، وأخرى عراقية من تحقيق إبراهيم السامرائي صدرت عام 1985.
3. معجم الأدباء
العنوان الأصلي لـ"معجم الأدباء" الذي ألّفه ياقوت الحموي هو "إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب"، لكنه اشتهر بالمعجم اختصارًا، وليكون مناظرًا لكتاب "معجم البلدان" أشهر ما ألف ياقوت.
أشار ياقوت الحموي في مقدمته: "جمعت في هذا الكتاب ما وقع إلي من أخبار اﻟﻨﺤوﻴﻴن واﻟﻟﻐوﻴﻴن واﻟﻨﺴﺎﺒﻴن والقرّاء المشهورين والإخباريين والمؤرخين المعروفين والكتّاب المشهورين وأصحاب الرسائل المدونة وأرباب الخطوط المنسوبة".
رُتب الكتاب على حروف المعجم، وكان دقيقًا أشدّ الدقة في مصادره.
لم يتضمن الكتاب تراجم الشعراء إلا ممن عرف منهم بالتصنيف والتأليف إلى جانب الشعر، كالمعري والبحتري وابن عبد ربه الأندلسي. وياقوت لم يأت على الشعراء الذين اقتصروا على الشعر فقط، لأنه كان قد صنّف كتابًا بعنوان "أخبار الشعراء المتأخرين والقدماء"، أو "معجم الشعراء" في تسمية أخرى، لكنّ الكتاب فقد.
يشير موقع "الورّاق" إلى أن هناك تدخلًا أخرج الكتاب عن منهجه، وكأنّ هناك "يدًا دست فيه صفحات من معجم الشعراء لياقوت نفسه"، كما يشير إلى رأي آخر يقول: "الكتاب الذي بين أيدينا ما هو في الحقيقة إلا إحدى مختصرات معجم الأدباء، وإلا كيف يصح أن يهمل ذكر ابن المقفع والأصمعي وعبد القاهر الجرجاني وأبي البركات الأنباري والزجاجي، وكل هؤلاء ممن أول اسمه حرف العين، فكيف ببقية حروف المعجم".
اقرأ/ي أيضًا: