24-مايو-2018

تصميم ألترا صوت

ألترا صوت- فريق التحرير

نتوقّف في هذا القسم من مقالنا حول "موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين" للمؤرخ والروائي الفلسطيني – السوري تيسير خلف عند فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وحتى أربعينات القرن الماضي، لنعاين أحوال هذا البلد الذي كانت كل المقدمات تشير إلى الخطر الصهيوني الذي بات واضحًا للعيان، لا سيما في رحلتي اللبناني نجيب نصار.

الرحلات الأولى تستشعر الخطر، لتأتي التي تليها لتعاينه معاينة مباشرة عبر الهجرة وبناء المستوطنات وشراء الأراضي، ثم تبدأ الرحلات بالكشف عن الوعي الوطني الفلسطيني المتصاعد، لا سيما في نص عارف العارف عن غزة. بهذا المعنى، تقدّم النصوص التي بين أيدينا عيّنات من الوعي العربي تجاه قضية فلسطين، وفي الوقت نفسه ترسم لنا صورة شبه مجهولة لها.


وصف فلسطين أواخر أيام العثمانيين

الجزء السادس من الموسوعة بعنوان "وصف فلسطين أواخر أيام العثمانيين 1898- 1918"، وهناك عنوان جانبي هو "رحلات ومذكرات".

تضمّن المجلد ثمانية فصول هي: "الرحلة والإمبراطورية"، وهو نص من رحلة للصحافي إبراهيم أسود، الذي رافق زيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني في زيارته للأراضي المقدّسة. و"صفة فلسطين" للمفكر نجيب عازوري، مأخوذة مأخوذة من كتابه "يقظة الأمة العربية"، الذي تنبأ فيه بخطر المشروع الصهيوني. و"العلامة القاسمي يصف رحلته إلى بيت المقدس" وهو جزء من مذكرات غير مطبوعة نشرتها صحيفة "الدستور" الأردنية عام 1981. ما يميّز رحلة القاسمي أنها الأولى من نوعها من حيث استعمال القطار وسيلة نقل. و"سوريا والعهد العثماني" للقاضي يوسف الحكيم، وهي جزء من مذكراته، وفيها يرصد تزايد الهجرة الصهيونية إلى فلسطين. يأتي بعد ذلك فصل بعنوان "كتاب المنفى"، وهو جزء من مذكرات الشاعر اللبناني رشيد نخلة، الذي نفي إلى القدس سنة 1913. فيما حمل الفصل التالي عنوان "فلسطين، تاريخها وآثارها وسائر أحوالها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية"، وهو رحلة للكاتب والصحافي جورجي زيدان عام 1913 أيضًا. يعلّق خلف: "أهمية رحلة زيدان تكمن في أنها الرحلة الأولى لصحفي عربي موسوعي، يعاين أوضاع البلاد عن كثب، ويضع يده على مواطن الضعف والوهن، وينبّه إلى الخطر الصهيوني الذي كان واضحًا أمامه بجلاء، وهو بذلك يحذو حذو نجيب عازوري".

أما القسم الأخير من هذا المجلّد فحمل عنوان "الرحلة الأنورية إلى الأصقاع الحجازية والشامية" للعلامة محمد كرد علي، الذي رافق وزير الحربية العثماني أنور باشا، وجمال باشا السفاح قائد الجيش الرابع، بهدف حشد الدعم العربي لجيش حكومة الاتحاد والترقي. ويبدو أنّ الأستاذ كرد علي كتب النص بطلب من السفاح.

موسوعة رحلات العرب والمسلمين

فلسطين في عشرينات القرن العشرين

يقوم الجزء السابع على الرحلات الآتية: رحلتا نجيب نصار إلى فلسطين وشرق الأردن، ورحلة خير الدين الزركلي، ورحلة خليل مردم بيك، ورحلة عبد المؤمن الحكيم.

يقول خلف: "قدّمت لنا نصوص الرحلات التي قام بها عرب ومسلمون في فلسطين وإليها، خلال عشرينيات القرن العشرين، تصورًا معقولًا للأوضاع في ذلك الزمن، على جميع الصعد السياسة والاجتماعية والاقتصادية السياسية".

نقلت رحلتا الصحفي نجيب نصار عامي 1922 و1925 الأوضاع التي كانت تعيشها فلسطين آنذاك. هناك تحوّل يظهر على نصار نفسه بين الرحلتين، حيث كان في الأولى يكتب بحسن نيّة تجاه الإنجليز، إذ كان يعتقد أنهم رسل حضارة وتقدّم، ولم يكن مقتنعًا أبدًا بدورهم في المشروع الصهيوني، لكنه في الرحلة الثانية عبّر عن انهيار أوهامه تلك، وبات يصرّح أن الحكم العثماني على كل سيئاته أفضل من سلطات الاحتلال الإنجليزي. رحلة نصار الأولى قدّمت تصورًا شاملًا عن القرى والمدن التي زارها في شمالي فلسطين والضفة الغريبة، وتشكلّ وثيقة حيّة عن الأوضاع في تلك الفترة.

من جانب آخر، يرصد خير الدين الزركلي في رحلته، المأخوذة من كتابه "ما رأيت وما سمعت"، أجواء انهيار الدولة العربية الفيصلية في سوريا وهروب الملك فيصل إلى حيفا، وقد نقل الزركلي خيبة العرب الحالمين بكيان مستقل. يكتب خلف: "يمكن عدّ هذا النص دليل إدانة للملك الذي لم يُحسن الحفاظ على مُلكه، كما اعترف بنفسه، ولا ندري كيف يحتفظ بهذا المُلْك؟ أبالموافقة على وعد بلفور؟".

زار خليل مردم بك فلسطين عام 1923، ضمن رحلة له شملت بلاد الشام، ونشرها على حلقات في الجرائد الدمشقية، ثم جمعت في كتاب بعنوان "دمشق والقدس في العشرينات". تقول الرحلة إن مردم بك كان يعلّق آمالًا كبيرة على الدولة الفيصلية التي مثلت له "نهضة مباركة".

تركز رحلة عبد المؤمن الحكيم، محرر جريدة الأهرام المصرية، إلى بلاد الشام، على مدينة القدس، حيث وصفها بدقة، ورغم غلبة طابع السياحة الدينية على الرحلة إلا أنها تقدّم صورة وافية عن المدينة في تلك الحقبة.

موسوعة رحلات العرب والمسلمين

فلسطين في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين

يضم الجزء الثامن والأخير من الموسوعة ثلاث رحلات لكل من عارف العارف ومحمد ثابت وبشير كعدان.

من بين كتبه الكثيرة، اختار تيسير خلف كتاب "تاريخ غزة"، وهو كتاب نشره في القدس سنة 1943، وفيه يسهب العارف في وصف غزة، ويتحدّث عن العمارة والتاريخ والعادات الاجتماعية والمواسم والأزياء، بالإضافة إلى وصف أحوال المناخ، وقد دعم نصّه بالأرقام والجداول الإحصائية.

من جهته، وصف الرحالة المصري محمد ثابت الحياة في فلسطين، جريًا على عادة الرحلات التقليدية، "دون التمعن في المصير الأسود الوشيك الذي كان ينتظر هذا القطر العربي المنكوب بالمطامع الصهيونية" كما يكتب خلف.

فيما جاءت رحلة الكاتب السوري بشير كعدان، سنة 1945، كآخر رحلة إلى فلسطين قبل احتلالها، وفيها مقاطع من آراء الزعماء الصهاينة، وأوصاف المستوطنات، واللافت أن كعدان، كما بيّن في مقدمته، لم يحط من شأن الصهيونيين، إنما حاول تقديم صورة مقرّبة عنهم، فكتب عن وصف حياة المستوطنات الماجنة، وبالغ في تقريضه بدافع "اعرف عدوك". يقول خلال إقامته في طبريا: "الليدو مرقص صهيوني وحديقة وحمام للسباحة على شاطئ البحيرة. فالقوم هنالك يرقصون دومًا وأبدًا، يرقصون في البارات والصالات، ويسمرون في ظلال الشجر، وتحت أشعة القمر، دون ان يحدّث الواحد منهم قلبه، بدقات طويلة عريضة تنبئه: انتبه، افتح عينيك على مخاصر ابنتك أو أختك أو زوجك". ويقول: "من لم يقصد البحر الميّت فكأنه لم ير شيئًا من النشاط الصهيوني الصناعي. ولئن سمي بالأمس البحر الميت فلك اليوم أن تسميه بحر الحياة والحركة، فعلى ضفافه قام أروع مشروع صهيوني، بعد مشروع كهرباء فلسطين، فأفاد الصهيونيون منه دون العرب فوائد جمة في المال والعمل والنفوذ الاقتصادي".

موسوعة رحلات العرب والمسلمين

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الورّاقين: موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين (1/2)

ركن الورّاقين (9): مدونة القدس