21-يونيو-2018

تصميم ألترا صوت

ألترا صوت - فريق التحرير

شغل محمد نمر الخطيب (1918 - 2010) منصب مفتي حيفا، قبل النكبة. انتمى إلى جماعة الشيخ عز الدين القسام وشارك في فعاليات الخلايا السرية المسلحة ضد الانتداب البريطاني والنشاط الصهيوني، أثناء ثورة 1936 -1939، كذلك شارك في فعاليات عديدة داعمة للثورة وقضى قرابة السنة في سجون الانتداب.

تعرّض الخطيب لمحاولة اغتيال من قبل الهاغاناه في 19 شباط/فبراير 1948، حيث أطلقت النار على سيارة كان يستقلها في طريقه من دمشق إلى حيفا، وقد أصيب بعدة رصاصات جعلته يبقى خارج فلسطين طوال فترة الحرب.

خلال تلقيه للعلاج في دمشق نمت علاقة بينه وبين الرئيس شكري القوتلي (1891- 1967)، وبعد شفائه كتب كتابًا عن النكبة ونشره عام 1951 بعنوان "من أثر النكبة".

يقول الخطيب في مقدمة "من أثر النكبة": "كان أصل هذا الكتاب تقريرًا لا يتجاوز العشرين ورقة، رفعته لصاحب الفخامة السيد شكري بك القوتلي، على أثر تلك الرحلة الرسمية التي رحلتها مع نفر من إخواني وواتانا الحظ فاطلعنا على حقائق ووثائق وأسرار وأخبار ما كانت لتتاح لغيرنا، وكان ذلك التقرير الرسمي أو تقرير من نوعه قدّم إلى المراجع الرسمية وإلى أمانة الجامعة العربية".

إذًا، قام الشيخ الخطيب بالعودة إلى التقرير الرسمي الذي أعده خلال رحلة الوفد، المكون منه ومن السيدين صبحي الخضراء ومؤيد العظم، بهدف إعادة القضية إلى جوهرها الأصليّ، بعد أن رأى أن قضية فلسطين اختصرت من معركة تحرير إلى قضية لاجئين وحسب، لاسيما أن الصحافة العربية في ذلك الوقت ركّزت على اللاجئين من حيث إعادتهم أو توطينهم وإعاشتهم والتعويض عليهم دون الخوض في أسباب ومقدمات هذا اللجوء.

انطلق الوفد صبيحة يوم الأحد 15 آب/أغسطس 1984، إلى شرق الأردن وفلسطين، ليبدأ بوصف حالة اللاجئين الفلسطينيين في عمان، الذين يسكنون تحت الأشجار أو في الكهوف أو المحلات المهجورة أفي خيام الخيش. يقول في وصف حالة الفقر المريعة: "يصيب اللاجئ رغيفٌ واحد في كلّ أربعة وعشرين ساعة، زنته مئتا غرامًا"، و"يكثر بائعو وبائعات الكبريت من الأطفال والبنات الصغيرات، وقد علمت أنهن يتخذن هذا ستارًا للسؤال والاستجداء"، و"اللاجئ يُعرف بسيماه، من ضعفه البادي، ومن وجهه الشاحب واصفراره، وانكسار نفسه، وما يبدو عليه من الذل".

يتخذ الكتاب شكل الرحلة في تتبع أحوال اللاجئين واستقصاء أخبار سقوط المدن والقرى الفلسطينية، ففي أريحا يسجّل ما رآه من حالة دفن الموتى: "دبَّ الموت بين اللاجئين صغارًا وكبارًا فأخذوا يدفنون الميّت بين الخيام على عمق لا يزيد عن شبرين، لعدم تمكنهم من نقل الميّت إلى المقبرة لضعفهم، ولكثرة عدد الموتى كثرةً مخيفة".

أما في القدس، التي كانت لا تزال تحت سيطرة حكومة شرق الأردن آنذاك، يكتب: "قمتُ بزيارة خاطفة في أنحاء القدس القديمة، فإذا الديار خالية من أهلها، والحوانيت مهجورة من أصحابها، والشوارع مقفرة إلى من نفر قليل. أين تلك الجموع الزاخرة؟ أين ذلك البحر من الناس الذي كان يموج موجًا ولا يكاد المارّ يجد سبيله فيه إلا بشق الأنفس؟ أين أين؟".

قام الوفد بتفقّد أرض الحرم القدسي، وسجلوا في دفاترهم آثار الدمار التي تعرّض لها، وعدد الضحايا من المدنيين الذي سقطوا خلال ذلك: "القبة الكبرى قد خرقت، وشبابيك الصخرة قد مزّقت، وانتترت وتعطلت، فهناك عشرون شباكًا وكل شباك مأثرة من ملك أو تخليد لسلطان عظيم، وكلها ويا للأسف قد أصيبت بفعل القنابل والرصاص من الطائرات والمدافع اليهودية".

تستمر الرحلة في استقصاء الحالة الفلسطينية المزرية والضعف العربي الذي يبدو راضيًا بضعفه كقدر، لكن الكاتب، من أجل مزيد من التوثيق، يضع العديد من البيانات السياسية التي صدرت في تلك الفترة، كما يعرض مقالات وردت في العديد من الصحف الفلسطينية، ويضيف إلى ذلك كله صفحات من مذكراته الخاصة عن حيفا.

يسجّل الخطيب العديد من الملاحظات حول فشل الجيوش العربية، منها مثالًا لا حصرًا:

  1. دخلت الجيوش العربية فلسطين يوم 15 أيار/مايو 1948، لكننا نعتقد جازمين أن بعضها دخل بنية سيئة، بل نستطيع أن نقول لحماية اليهود من العرب.
  2. لم تعبئ الحكومات العربية كافة قوى شعوبها، كما انها لم تشعر شعوبها أنها في حالة حرب.
  3. كان من الخطأ الفادح، بل من أكبر الأخطاء على الإطلاق إشراك الجيش العربي الأردني في معركة إنقاذ فلسطين، مع علم الجامعة العربية بأن الجيش المذكور يُنفق عليه من ميزانية بريطانيا، وقد صرّح الإنجليز أنفسهم أن هذا الجيش قطعة من الجيش الإنجليزي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الورّاقين (9): مدونة القدس

5 كتب أساسية عن القضية الفلسطينية