19-يوليو-2018

تصميم ألترا صوت

ألترا صوت - فريق التحرير

حين ألّف حنا الفاخوري (1916- 2011) كتابه "الجامع في تاريخ الأدب العربي"، كان هدفه أن يُضيف ما يُساعد ويسهّل عملية دراسة الأدب العربيّ دراسةً تذهب في العمق، وتبتعد قدر الإمكان عن الثرثرة والزخرفة اللغوية والتزييف والحشو. هكذا ولد الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1986، وجاء مكوّنًا من أربعة أجزاء وما يُقارب 27 بابًا و58 فصلًا. ناهيك عن أنّه جاء شاملًا وجامعًا لأكبر قدرٍ ممكن من التراث الفكري الأدبي العربيّ.

ولد الأديب واللغوي حنا الفاخوري في زحلة، وحين وصل إلى المرحلة المتوسطة انتقلت عائلته للسكن في القدس. درس الفلسفة واللاهوت وكرّس نشاطه الفكري للتأليف في اللغة والأدب العربيين، حيث كتب أكثـر من مئـة كـتاب في اللغة والأدب والفلسفـة والدين، واشتـهر بشكل خاص بكتابه "تاريـخ الأدب العربي" الذي ظهرت الطبعة الأولى منه سنـة 1951 وأصبـح مقرونًا باسمه، وترجم إلى الفارسية سنة 1958، وإلى الروسية سنة 1959، وبات يُدرس في جامعة موسكو.

يتفق النقاّد على أن "الجامع في تاريخ الأدب العربي" مزج بين التاريخ والتحليل، يبسط أمام القارئ 1500 سنة من مسار الأدب العربي في مسح شامل. في مقدّمة الكتاب، يقول حنا الفاخوري إنّ عمله على هذا الكتاب جاء من باب تجديد كتابه السابق "تاريخ الأدب العربي" الذي حصد انتشارًا واسعًا منقطع النظير، حتى بات مرجعًا لطلاب المدارس الثانوية. فيصف الكتاب بالقول إنّه يحوي "آفاق جديدة، ونظرات حديثة، وفيه توضيحات أشمل كلامًا وأعمق مرامًا، وفيه المناهل والجداول، والشواهد والمساند؛ وفيه إلى ذلك كلّه امتداد إلى الأدب الحديث والمعاصر وقد ضاق به كتابنا القديم، كما ضاق بالكثير من أدبائنا الأقدمين والمحدثين، فعملنا على رأب الصدع، وسدّ الفراغ، وأقمنا التوازن في الدراسات، والمعادلة في المعالجات، في دقّة ووضوح وصفاء".

اعتمد حنا الفاخوري في تأليفه لكتابه هذا على ثنائية الإبراز والتحليل، إذ أخذ يعرض ما تيسّر من أفكار ذات قيمة معرفية وأهمية علمية وتاريخية، ليبدأ بعد ذلك بتحليلها تحليلًا دقيقًا ظلّ فيه بعيدًا عن الثرثرة. هكذا بدأ يستعرض أصول اللغة العربية ومراحل نشأتها وتطوّرها، والأسباب التي وقفت خلف تكوينها وجعلها لغة أدبية في بداياتها. بالإضافة إلى حديثه عن الكتابة والقراءة في الجاهلية، وحرصه على استعراض أدواتها وتفسير خصائصها آنذاك. وفي هذا السياق، خصص حنا الفاخوري بابًا كاملًا قدّم فيه شرحًا مفصلًا، وتأريخًا يكاد يكون شاملًا للبيئة الأدبية في الجاهلية. ناهيك عن شرحه لبواعث الأدب الجاهلي وتبيين مصدره، وحديثه عن النثر أيضًا الذي يقول إنّ غموضًا واضطرابًا لفّه لمدّة من الزمن.

لم يركن حنا الفاخوري في "الجامع في الأدب العربيّ" إلى زمن أو عصر أو حقبة معينة، إنّما أخذ على عاتقه أن يشمل كتابه كل العصور التي كان لها دور في إبراز الأدب العربيّ، وإضافة ما هو جديد إليه، فخصص بابًا كاملًا للحديث عن الغزل في العصر الأمويّ، مُستعرضًا أبرز ما ميّزه آنذاك، ناهيك عن مسيرته وتطوّره شيئًا فشيئًا بعد أن لاقى رواجًا وإعجابًا واسعين حينها. ووفقًا للفاخوري، فلقد كان للغزل في العصر الأمويّ ثلاث ظاهرات هي، أوَلًا: ظاهرة تقليدية تعبّر عن الشعر العربي العادي منذ ظهوره ونشأته. ثانيًا، ظاهرة إباحية يُقال أنّها عبّرت عن يأس الحجازيين وجاءت انتقامًا صريحًا ومباشرًا من الحياة السياسية التي وجدوها فجأة بعيدة عن متناول أيديهم، بعد أن كانت ملكًا لهم. وثالثة جاءت تعبيرًا عن النزوع العاطفي، وما تسببه العاطفة والحب من وجع وألم تُرجم حينها شعرًا. وهنا حرص حنا الفاخوري على استعراض، بإيجاز شديد، سيرة وحياة أبرز الشعراء المتيمين بمن أحبّوا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الورّاقين: شوقي ضيف ورحلة تأريخ الأدب العربي‎

ركن الورّاقين: عمر فرّوخ ورحلة تأريخ الأدب العربي‎