31-يناير-2018

تصميم بنان شكارنة

ولد كارل بروكلمان (1868-1956) في مدينة روستوك في ألمانيا. درس في جامعة ستراسبورغ. تعلّم اللغتين اليونانية واللاتينية قبل دخوله الجامعة، وأثناء دراسته الجامعية درس كارل بروكلمان اللغات الشرقية، واهتم بالعربية والعبرية والسريانية والتركية والفارسية. حصل كارل بروكلمان على دكتوراه من جامعة ستراسبورغ عن أطروحة بعنوان "علاقة كتاب الكامل لابن الأثير بتاريخ الطبري". حقّق ديوان لبيد بن ربيعة وترجم أشعاره ودرسها في العام الأول لحصوله على الدكتوراه. ورحل كارل بروكلمان إلى تركيا للاطلاع على مخطوطات كتاب "طبقات ابن سعد" في مكتبات إسطنبول. 

كما أعد كارل بروكلمان العديد من الفهارس للمخطوطات العربية والفارسية والقبطية والتركية والسريانية والحبشية في جامعتي فروتسواف في بولندا وهامبورغ في المانيا. وهذه النقطة تشير إلى أن البحث والجهد الذي قضاه في هذه المخطوطات سيتحول إلى كتاب "تاريخ الأدب العربي" الذي نعرض له هنا.

يقول جواد علي تعليقًا على هذا الكتاب: "تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان مرجع مهم لكل باحث في تاريخ الحركة الفكرية عند العرب منذ صدر الإسلام إلى أيامنا الحاضرة. ضم وجيزًا مركزًا لسير العلماء والأدباء، وحوى أسماء أكثر المؤلفات المطبوعة والمخطوطة وأسماء مظانها وأماكن وجودها إذا كانت مخطوطة".

 كارل بروكلمان

صحيح أن الكتاب يحمل عنوان التاريخ، لكنه ليس تأريخًا، بل هو فهرس لكلّ الأعلام في مختلف العلوم، مع معلومات دقيقة مختصرة. يشير حسين مؤنس إلى فضل كارل بروكلمان في عمله هذا عبر ملاحظتين، الأولى أن الرجل شرع في عمله عندما كانت غالبية الكتب العظمى لا تزال مخطوطة. والثانية أن كارل بروكلمان يؤرّخ للأدب العربي في وقت لم يوجد فيه أي تاريخ يتناول ذلك الأدب.

قسّم كارل بروكلمان كتابه الى قسمين كبيرين، الأول هو: "أدب الأمة العربية من أوليته إلى سقوط الدولة الأموية"، وشمل مجموعة من الأبواب هي: الأدب العربي الجاهلي، عصر الرسول والخلفاء الراشدين، عصر الأمويين، عصور الأدب الإسلامي العربي. أما القسم الثاني فحمل عنوان "عصور الأدب الإسلامي العربي"، وأبوابه هي الآتية: عصر ازدهار الأدب أيام العباسيين في العراق من 750 الى 1000م، عصر الازدهار الثاني من سنة 1000 حتى سقوط بغداد سنة 1258، ثم الأدب العربي خلال عصور سيادة المغول والترك إلى الفتح العثماني لمصر سنة 1517، والأدب العربي في العصر التركي إلى منتصف القرن التاسع عشر، ثم أدب النهضة والعصر الحديث.

أحيل كارل بروكلمان سنة 1945 على التقاعد من كرسي أستاذية اللغات الشرقية في جامعة فروتسواف، واضطر إلى النزوح عنها بعد أن ضمّت إلى بولندا، بعد دخول الجيش السوفيتتي، وانقطع راتبه التقاعدي. لكنه بعد انتقاله إلى مدينة هاله الألمانية، سعى رئيس جامعتها لكي يتولى مكتبة "الجمعية الألمانية للمستشرقين"، ليحصل بذلك على مورد عيش مؤقت. ويروي كامل عياد في مقال له، نشر في مجلة "المجمع العلمي العربي"، أن كارل بروكلمان حافظ على تراث الشرق من الضياع بعد الاحتلال السوفييتي لمدينة هاله، حيث أشرف على نقل الكتب من مخابئها إلى مقر الجمعية. وظل يعيش حياة الكفاف إلى أن حصل على كرسي أستاذ اللغة التركية، في جامعة مارتن لوثر في هاله.

في مقال نشرته مجلة "فكر وفن"، وهي مجلة ألمانيا محتجبة كانت تصدر باللغة العربية، قال الباحث يوهان فوك: "لم يكن من طبع كارل بروكلمان أن يثير ضجة كبيرة حول نفسه وأعماله. فعندما احتفلت به جامعة خاله علم ١٩٤٨ بعيد ميلاده الثمانين، وذكرت في تهنئتها له جليل أعماله في خدمة الاستشراق، أجاب مذكرًا الحاضرين أن مصير جميع الأبحاث العلمية أن يتفوق عليها تقدم المعرفة العلمية، وقال إن العادة هي أنه بعد خمسين عامًا على وفاة الباحث، يصبح ما كان صحيحًا ثابتًا من أبحاثه تراثًا عامًا للبحث العلمي، بينما تذهب أخطاؤه ضحية النسيان".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الورّاقين: أقوال في الكتب والكتابة

ركن الورّاقين: نظرة على الببليوغرافيا العربية