28-يونيو-2018

تصميم ألترا صوت

ألترا صوت- فريق التحرير

كلما ذُكر ابن وحشيّة جاء ذكر شامبليون، مكتشف اللغة الهيروغليفية، إذ ثمة رأيّ قويّ يقول بأسبقية ابن وحشية على حلّ لغز هذه اللغة، وذلك في كتابه "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام"، الذي حقّقه جوزيف همر وترجمه إلى الإنجليزية والفرنسية. وأصحاب ذلك الرأي يؤكدون استفادة شامبليون من الكتاب لأنّ صدوره تصادف مع فترة دراسته في مدرسة اللغات الشرقية بباريس.

على أنّ الظلم الذي وقع على ابن وحشية لم يقتصر فقط على تجاهل جهده في فكّ رموز الهيروغليفية التي كانت فتحًا عظيمًا لمعرفة الماضي المصريّ، بل إنّ الظلم بحقّه وصل إلى حدّ تجاهله هو وأبحاثه تجاهلًا شبه كامل في الكتابات العربية، إلى درجة أن هناك من يشكّكون بوجوده أصلًا، وظلّ الاهتمام به مقتصرًا على المستشرقين، ولم ترد ترجمته إلا في مراجع قليلة.  

تقول الترجمة: ابن وحشية، أبو بكر بن أحمد بن علي بن قيس بن المختار بن عبد الكريم بن حرثيا بن بدنيا بن بوراطيًا الكرداني، وهو أحد أشهر فصحاء النبط.

ويذكر ابن النديم كتب ابن وحشية، ومنها: كتاب طرد الشياطين ويعرف بالأسرار، كتاب السحر الكبير وكتاب السحر الصغير، كتاب مذاهب الكلدانيين في الأصنام، كتاب أسرار الكواكب.

أما عن "الفِلاحة النبطية"، الكتاب الذي نتوقّف عنه اليوم، فيقال إنّه من تأليف قوثامي، الذي أكمل به كتاب سلفه ينبو شاد، الذي بدوره أتبع ضغريث فأضاف إلى كتابه أشياء مما استنبطه.

"الفلاحة النبطية" هو الكتاب الأكثر شهرة في مجال علوم النبات والزراعة، وهو الكتاب الأوّل الذي عرفه العرب في هذا المجال. نقله ابن وحشية من لسان الكسدانيين (هم النبط الكلدانيون من أهل بابل القدماء. فكسداني كما ذكر ابن النديم هو نبطي) إلى اللغة العربية سنة 291 هجري، ومنذ ذلك الوقت، بات الكتاب الأشهر في مجاله، ومرجعًا رئيسيًا وأساسيًا لكلّ من ألّف كتابًا في مجال الزراعة من بعده.

جاءت ترجمة ابن وحشية للكتاب انطلاقًا من سعيه إلى استعادة عراقة الحضارة الكلدانية، باعتبارها كانت سبّاقة لغيرها من الأمم فيما يخصّ العلوم النافعة. ذلك أنّه قال إنّ قصده من ترجمة الكتاب هو إيصال علوم هؤلاء القوم النبط الكسدانيين ليعرفوا مقدار عقولهم في إدراك العلوم الغامضة واستنباط ما عجز عنه غيرهم من الأمم.

جاء كتاب "الفلاحة النبطية" الذي شرح مختلف العلوم الزراعية والنباتية والتربة وأنواع المحاصيل والطريقة الصحيحة للانتفاع منها وحمايتها من الآفات؛ جاء موزّعًا على ثلاث مجلّدات رئيسية، خُصِّص الأوّل منها للحديث عن أساس نجاح الزراعة، أي عن كيفية استنباط الماء والاستدلال على وجودها في الآبار، وكيفية حفر الأخيرة، وحفر القنوات وجرّ الماء، وأيضًا معرفة الأراضي الصالحة للزراعة من غيرها، ومن ثمّ معرفة الوقت المناسب لغرس الأشجار وزرع الخضار، وما الذي يدفع عنها الآفات والأمراض في حال أصابتها. بينما جاء الثاني للحديث عن بعض المحاصيل، كالأرز والقمح وغيرها. أمّا الثالث والأخير، فتحدّث عن زراعة الكروم وما تتعرض له من آفات وأمراض وكيفية حمايتها منها. ولم يغفل مؤلّف الكتاب الحديث عن مواضيع متعلّقة بالزراعة، إذ أفسح حيّزًا واسعًا للحديث عن الطريقة الصحيحة لتخزين القمح، والطريقة المثلى لاكتشاف الآفات التي تصيب الزرع وتحديد هويتها وكيفية علاجها.

إن مساهمة كتب ابن وحشية في إغناء تراث العرب الإسلامي كبير للغاية، فسوى أن الفِلاحة النبطية هو الأول من نوعه بين المسلمين في ميدان الزراعة، فإن أعماله الأخرى كانت ذات أثر في تذليل الأفكار الصعبة التي كانت تدمغ كتب الكيمياء، كما يشير عمر رضا كحالة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الورّاقين: من أثر النكبة

ركن الوراقين: ابن خلكان وقصص العيد