05-نوفمبر-2018

يحظى النظام المصري بشرعية الصمت الدولي (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

ألترا صوت - فريق التحرير

قد يسبق التناقض الواقعي الفج الخيال بخطوة، خاصة حين يقترن اسم النظام المصري بحقوق الإنسان، كما حدث في أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حين تسلمت الحكومة المصرية رئاسة الشبكة العربية لحقوق الإنسان. في سياق هذا النوع من القمع الممنهج، أصدرت التنسيقية المصرية لحقوق الإنسان بيانًا على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أشارت فيه إلى كثيرمن الوقائع الصادمة، منها اعتقال مديرها التنفيذي المحامي عزت غنيم، الذي لم يتم الإبلاغ عن مكانه حتى الآن، كما اعتقلت أيضًا هدى عبد المنعم، التي تمثل حسب تعبير التنسيقية "رمزًا حقوقيًا مستقلًا"، بالإضافة إلى بعض الحقوقيين الآخرين.

 تبين التقارير الحقوقية في الأشهر الأخيرة اعتقال 83 إمرأة ، مع ترجيحات بأن الأرقام أكبر بكثير

أكدت التنسيقية في بيانها على عدة نقاط وضعتها في إطار مسببات تعليق عملها الذي بات يهدد حياة وحرية العاملين على رأسها، منها أن المناخ الحقوقي في مصر غير مواتِ للعمل، بالإضافة إلى استهداف مباشر للتنسيقية مع سبق الإصرار والترصد، وهو ما اعتبرته جريمة ممنهجة ضدها، فضلًا عن مناشدتها لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة للتوجه إلى مصر لتطبيق الاتفاقيات التي وقعت عليها القاهرة في هذا الشأن . وقد أكدت التنسيقية على أن عملها في وسط هذه الظروف أمر مستحيل، في ظل خرق النظام لكل الأعراف والمواثيق.

وأشار البيان إلى أن مصر تعيش "أسوأ الحالات تاريخيًا على مدى الخمس سنوات الماضية"، فيما وضح في أكثر من موضع حملات منظمة تستهدف اقتحام البيوت واعتقال النساء وذويهم على مدى الفترة الماضية.

في هذا الاتجاه عينه، تبين التقارير الحقوقية في الأشهر الأخيرة اعتقال 83 إمرأة ، مع ترجيحات بأن الأرقام أكبر بكثير، وقد كشفت الهيئة المصرية للحقوق والحريات الشهر الماضي عن تعرض العشرات من المعتقلات للإساءات البدنية والجنسية. كما تمت محاكمتهم في المحاكم العسكرية بتهم ملفقة. كما تشير التقارير إلى تعرضهن إلى انتهاكات أدت إلى إحداث تدهور في صحتهن البدنية والعقلية، عن طريق حرمانهن من الوصول إلى أطفالهن وإخضاعهن للتعذيب ووضعهن في السجون في ظروف معيشية صعبة. علاوة على ذلك، فإن السجينات يتعرضن لأنواع مختلفة من الإساءات النفسية واللفظية وحتى الجسدية.

اقرأ/ي أيضًا: النظام المصري.. العيب في كل تجلياته

كانت منظمة العدل الدولية من بين المنظمات التي أشارت في موقعها إلى الحملة الأخيرة لمعتقلي حقوق الإنسان، التي طالت 19 ناشطًا ومحاميًا، حيث تم القبض على ما لا يقل عن ثماني نساء و11 رجلًا يوم الأربعاء الماضي، منهم مختفون قسريًا لا يُعرف عن مصائرهم شيئًا.

ووصفت العفو الدولية تلك الحملة بـ"موجة الاعتقالات التي تقشعر لها الأبدان، التي تستهدف مجتمع حقوق الإنسان"، مضيفة أنها "تمثل نكسة مروعة أخرى لحقوق الإنسان في مصر". ومع هذه الاعتقالات، أظهرت السلطات المصرية مرة أخرى عزمها القاسي على سحق جميع الأنشطة وتفكيك حركة حقوق الإنسان في البلاد. وقالت نجية بونيم مديرة حملات منظمة العفو الدولية: "إن من يتجرأ على التحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر اليوم في خطر"، وأنه "يجب أن يتوقف الاضطهاد المنظم للعاملين في مجال حقوق الإنسان في مصر. ينبغي السماح للمدافعين عن حقوق الإنسان بالقيام بعملهم دون خوف من المضايقة أو الاعتقال أو السجن. يجب الإفراج فورًا عن جميع المعتقلين بسبب عملهم في مجال حقوق الإنسان".

يبقى الصمت الدولي رغم تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، واحدًا من أكثر العوامل التي تعطي النظام ثقة في ممارساته 

ويفيد تقرير العفو الدولية إلى أن المجموعة الناشطة التي توثق حالات الاختفاء القسري والتوسع في استخدام عقوبة الإعدام،  قد تعرضت إلى ضربة قاسية بسبب القمع. ومن بين المعتقلين الآخرين محمد أبو حُرَّة، المحامي والمتحدث السابق باسم المركز، بينما تم اختطاف المدافع عن حقوق الإنسان عزت غنيم، الشريك المؤسس للمركز الأوروبي لحقوق الإنسان، وعزوز محجوب، وهو محام آخر في المنظمة، منذ 14 أيلول/ سبتمبر. وتم القبض على كليهما في آذار/ مارس 2018، لكن المحكمة أمرت  بإطلاق سراحهما في 4 أيلول/ سبتمبر الماضي. ومع ذلك، تجاهلت قوات الأمن أمر المحكمة، وبدلًا من ذلك اختطفتهم قسرًا من السجن.

اقرأ/ي أيضًا:  المجتمع المدني المصري في قبضة أمن الدولة بقانون جديد.. 3 أسئلة تشرح الكارثة

على الجانب الآخر، يبقى الصمت الدولي رغم تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، واحدًا من أكثر العوامل التي تعطي النظام ثقة في ممارساته تجاه حقوق الإنسان، طالما أنه لا زال يتلقى دعمًا يوطد شرعيته، ويسمح له بارتكاب المزيد من الجرائم الحقوقية داخل البلاد دون محاسبة لأي طرف، وهو في هذا الاتجاه يسير في محورين.  الأول قوننة هذه الممارسات لأكثر قدر ممكن، من خلال قوانين سيئة السمعة تسمح له بالتحرك في كل وقت، أما الاتجاه الثاني فهو دعم الأنظمة الأوروبية والعالمية للنظام، وتجنب إدانته بشكل مباشر في كل القضايا الحقوقية التي تثار في الداخل، حيث يظل العالم الخارجي يتحرك ضمن التوازانات والتفاهمات، عاقدًا مزيدًا من الصفقات معه، دون الالتفات إلى الداخل.