15-مارس-2025
أعلنت الحكومة المصرية أنها سترفع الدعم نهائيًا عن المواد البترولية بنهاية العام الحالي (رويترز)

أعلنت الحكومة المصرية أنها سترفع الدعم نهائيًا عن المواد البترولية بنهاية العام الحالي (رويترز)

تسود حالة من الترقب في الشارع المصري خلال الساعات الماضية، مع تصاعد القلق من موجة جديدة لارتفاع أسعار الوقود، خاصة بعد أن تم تثبيتها لمدة ستة أشهر منذ آخر زيادة في تشرين الأول/أكتوبر 2024. وتثير هذه الزيادة المحتملة مخاوف واسعة بشأن تداعياتها على معدلات التضخم وقدرة المواطنين الشرائية، إذ من المتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات الأساسية، في ظل ظروف معيشية صعبة بالفعل.

هذه المخاوف تعززت بسبب حدثين بارزين خلال الأيام الماضية، الأول كان في 11 آذار/مارس حين أعلن صندوق النقد الدولي موافقته على صرف الشريحة الرابعة من القرض المصري بقيمة 1.2 مليار دولار، إلى جانب الموافقة على طلب القاهرة تمويلًا إضافيًا بقيمة 1.3 مليار دولار من صندوق المرونة والاستدامة. أما الحدث الثاني، فجاء في اليوم التالي عندما أعلن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة سترفع الدعم نهائيًا عن المواد البترولية بنهاية العام الحالي، مع الإبقاء على بعض أشكال الدعم مثل دعم السولار وغاز المنازل لمراعاة الفئات الأكثر احتياجًا.

تصاعد القلق من موجة جديدة لارتفاع أسعار الوقود، خاصة بعد أن تم تثبيتها لمدة ستة أشهر منذ آخر زيادة في تشرين الأول/أكتوبر 2024

بعد هذه التطورات، برزت تكهنات قوية تشير إلى إمكانية حدوث قفزة جديدة في أسعار المواد البترولية خلال الفترة المقبلة، تزامنًا مع عودة لجنة تسعير المواد البترولية للانعقاد بداية نيسان/أبريل المقبل، في ظل تباين التقديرات حول نسب الزيادة المتوقعة وتأثيرها على محدودي ومتوسطي الدخل. وكانت الحكومة المصرية قد أنشأت هذه اللجنة عام 2016، حيث تضم ممثلين عن وزارتي البترول والمالية، وتُعنى بوضع آلية تسعير تلقائي لأسعار الوقود، استنادًا إلى عدة مؤشرات، من بينها أسعار النفط في الأسواق العالمية وسعر الصرف محليًا وتكاليف النقل والتشغيل. وبموجب قراراتها، يُفترض أن تجتمع اللجنة كل ثلاثة أشهر، غير أنه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي تم تثبيت الأسعار لمدة ستة أشهر، وهي فترة تنتهي مع نهاية الشهر الجاري.

ومع كل حديث عن زيادات مرتقبة في أسعار الوقود، تتزايد مخاوف المواطنين، الذين يرون أن مثل هذه الخطوات ستضيف مزيدًا من الأعباء المعيشية عليهم، خاصة أن ارتفاع أسعار المحروقات يؤدي تقليديًا إلى موجة غلاء تشمل مختلف القطاعات. ورغم التعهدات الحكومية المستمرة بضبط الأسواق ومراقبة الأسعار، فإن التجربة أثبتت أن مثل هذه الوعود غالبًا ما تتلاشى بمجرد دخول الزيادات حيز التنفيذ، مما يجعل الوضع المعيشي أكثر صعوبة، في ظل تآكل القدرة الشرائية لقطاعات واسعة من المواطنين.

عهد مبارك.. زيادة واحدة مع تجنب الاقتراب من وقود الغلابة

على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود، وهي فترة حكم الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، كان الاقتراب من أسعار الوقود خطًا أحمر، إذ كانت الدولة تتحمل تكلفة دعم المنتجات البترولية بنسبة 100% دون تحميل المواطن أي أعباء. وشغل هذا الدعم حيزًا كبيرًا من موازنة الدولة، في ظل استقرار نسبي للمنظومة النقدية، حيث كان سعر صرف الجنيه المصري ثابتًا أمام العملات الأجنبية، إلى جانب استقرار المشهد الاقتصادي العالمي دون مستجدات كبرى تؤدي إلى اضطرابات في سوق الطاقة.

وخلال حكم مبارك، لم تشهد أسعار الوقود أي زيادة تُذكر سوى مرة واحدة فقط، وذلك عام 2008 مع اندلاع الأزمة المالية العالمية. حينها، أعلن رئيس الوزراء أحمد نظيف عن رفع سعر بنزين 95 بمقدار جنيه واحد، ليصبح 275 قرشًا بدلًا من 175 قرشًا، فيما ارتفع سعر بنزين 92 إلى 185 قرشًا بدلًا من 145 قرشًا، بينما زاد سعر بنزين 90 إلى 175 قرشًا بدلًا من 130 قرشًا، علمًا بأن سعر الدولار الأميركي آنذاك كان يعادل 5.5 جنيهات.

ورغم هذه الزيادات غير المسبوقة خلال ما يقرب من ثلاثة عقود، فقد تم استثناء بنزين 80 (أوكتين)، وهو الأكثر استخدامًا في مصر، وذلك في محاولة للتخفيف عن محدودي ومتوسطي الدخل، نظرًا لما قد يترتب على ارتفاع أسعار الوقود من تأثيرات مباشرة على أسعار السلع والخدمات الأساسية.

الثورة وحكم مرسي ومنصور.. لا زيادة في الأسعار

بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011 والإطاحة بنظام مبارك، تعاقبت على حكم مصر، قبل النظام الحالي، ثلاثة أنظمة مختلفة. تولى المجلس العسكري، بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، الحكم من 11 شباط/فبراير 2011 حتى حزيران/يونيو 2012. ثم جاءت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي استمر حكمه عامًا واحدًا فقط، من حزيران/يونيو 2012 حتى 3 تموز/يوليو 2013. أعقب ذلك تولي المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية آنذاك، رئاسة البلاد مؤقتًا عقب تظاهرات 30 حزيران/يونيو 2013، التي أطاحت بمرسي وجمّدت العمل بالدستور ضمن خارطة طريق مؤقتة، وظل في الحكم حتى أيار/مايو 2014، حيث أُجريت الانتخابات الرئاسية التي فاز بها المشير عبد الفتاح السيسي.

ورغم الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها مصر خلال فترات حكم المجلس العسكري ومرسي ومنصور، فإن أسعار الوقود والمنتجات البترولية لم تشهد أي زيادات، وذلك على الرغم من النقص الحاد في البنزين والطوابير الطويلة أمام محطات الوقود في تلك الفترة. غير أن القلق من رد فعل الشارع، الذي كان لا يزال منتشيًا بروح الثورة وجرأتها، حال دون الإقدام على مثل هذه الخطوة.

حكم السيسي.. 13 زيادة في 10 سنوات

يمكن تقسيم خارطة أسعار الوقود خلال حكم السيسي إلى فترتين أساسيتين:

الأولى: منذ حزيران/يونيو 2014 حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وهي الفترة التي لم تشهد فيها المحروقات زيادات سوى مرة واحدة فقط، وكانت في 5 تموز/يوليو 2014، بعد الانتخابات الرئاسية وتنصيب السيسي رئيسًا لمصر. وقد بررت الحكومة وقتها تلك الزيادات بمحاولة تخفيف الأعباء عن الموازنة العامة للدولة، والتي تستهلك منظومة دعم الوقود نحو 20% منها تقريبًا.
وشهدت الأسعار في هذه المرة زيادات قُدرت بنحو 78% على البنزين والسولار، حيث قفز سعر لتر بنزين 80 من 90 قرشًا إلى 160 قرشًا، فيما ارتفع لتر بنزين 92 إلى 180 قرشًا، وزاد سعر بنزين 95 حينها إلى 6.25 جنيهات، كما ارتفع سعر الغاز الطبيعي للسيارات إلى 1.10 جنيه للمتر المكعب، بدلًا من 0.40 جنيه، أي بزيادة 175% (سعر الدولار يساوي 7.1 جنيهات).

الثانية: منذ 2016 وحتى اليوم، في بداية تلك الفترة، زادت الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها الدولة المصرية. ورغم الدعم الذي قدمته بعض الدول الخليجية للقاهرة في ذلك الوقت، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لترميم الوضع الاقتصادي المتأزم، ما دفع الحكومة وقتها إلى طرق أبواب صندوق النقد الدولي، وطلب الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، ليبدأ الصندوق في فرض شروطه وإملاءاته، التي لم يجد النظام المصري بُدًّا من الالتزام بها للحصول على هذا القرض والخروج من عنق الزجاجة.

بدأت هذه الإجراءات في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، حين قررت الحكومة تعويم الجنيه، لتنخفض قيمته من 8.88 جنيهات للدولار إلى 15.77 جنيهًا للدولار، بتراجع 78% خلال ساعات معدودة. كانت هذه الخطوة الأولى في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي قدمته القاهرة للصندوق للموافقة على القرض، وهو البرنامج الذي كان يستهدف تصفير الدعم، وهو البند الذي دفع المصريون ثمنه لاحقًا من خلال تضاعف الأعباء عليهم، ما أدى إلى زجّ الملايين في مستنقع الفقر والعوز.

في هذا العام، تأسست لجنة تسعير المنتجات البترولية، في إطار برنامج الإصلاح الهادف إلى ضبط الأسعار بشكل دوري وتدريجي، بما يتواكب مع تقلبات الأسعار العالمية، ويعمل على تقليل دعم الحكومة للوقود تدريجيًا. ومنذ ذلك الوقت وحتى نهاية 2024 (أي خلال 8 سنوات فقط)، شهدت أسعار المنتجات البترولية في مصر 12 زيادة متتالية، وصلت نسبتها بعد التحريك الأخير نهاية العام الماضي إلى 510% مما كانت عليه في 2016.

تطور أسعار الوقود منذ 2016:

  • تشرين الثاني/نوفمبر 2016: أول زيادة في أسعار الوقود بعد تشكيل لجنة تسعير المنتجات البترولية، حيث رفعت اللجنة سعر بنزين 80 إلى 2.35 جنيهات للتر بدلًا من 1.6 جنيه، وبنزين 92 إلى 3.5 جنيهات، بينما ارتفع سعر السولار إلى 2.35 جنيهات، وأسطوانة البوتاجاز من 8 إلى 15 جنيهًا (سعر الدولار = 15.77 جنيهًا).
  • حزيران/يونيو 2017: شهدت الأسعار ارتفاعات تتراوح بين 30% و50%، حيث بلغ سعر بنزين 80: 3.65 جنيهات للتر بدلًا من 2.35 جنيه، وبنزين 92: 5 جنيهات للتر بدلًا من 3.50 جنيهات، والسولار من 2.35 جنيه إلى 3.65 جنيهات، فيما وصل سعر أسطوانة الغاز إلى 30 جنيهًا بدلًا من 15 جنيهًا، بزيادة قدرها 100% (سعر الدولار = 17.82 جنيهًا).
  • حزيران/يونيو 2018: ارتفع سعر لتر بنزين 80 بنسبة 50%، حيث ارتفع من 3.65 جنيهات إلى 5.50 جنيهات، فيما زاد سعر بنزين 92 من 5 جنيهات إلى 6.75 جنيهات، وسعر بنزين 95 من 6.60 جنيهات إلى 7.75 جنيهات، بينما بقي سعر أسطوانة الغاز عند 30 جنيهًا (سعر الدولار = 17.83 جنيهًا).
  • 2019:
    • تموز/يوليو: أقرت لجنة التسعير زيادات جديدة بنسبة تتراوح بين 16% و30%، حيث بلغ سعر بنزين 80 نحو 6.75 جنيهات، وبنزين 92 بـ8 جنيهات، وبنزين 95 بـ9 جنيهات، والسولار بـ6.75 جنيهات للتر الواحد.
    • تشرين الأول/أكتوبر: شهدت الأسعار خفضًا لأول مرة بمقدار 25 قرشًا، ليصبح بنزين 80 بـ6.30 جنيهات، وبنزين 92 بـ7.30 جنيهات، وبنزين 95 بـ8.75 جنيهات (سعر الدولار = 16 جنيهًا).
  • 2021:
    • نيسان/أبريل: زادت أسعار البنزين بمقدار 25 قرشًا، مع تثبيت سعر السولار.
    • تموز/يوليو: ارتفعت الأسعار مرة أخرى بالقيمة نفسها (25 قرشًا)، دون تغيير في سعر السولار (سعر الدولار = 16.1 جنيهًا).
  • 2022:
    • نيسان/أبريل: ارتفع سعر بنزين 80 إلى 7.50 جنيهات، وبنزين 92 إلى 8.75 جنيهات، وبنزين 95 إلى 9.75 جنيهات، والسولار إلى 7.25 جنيهات.
    • تموز/يوليو: ارتفع سعر بنزين 80 إلى 8 جنيهات، وبنزين 92 إلى 9.25 جنيهات، والسولار إلى 7.25 جنيهات (سعر الدولار = 22.5 جنيهًا).
  • آذار/مارس 2023: ارتفع سعر بنزين 80 إلى 8.75 جنيهات، وبنزين 92 إلى 10.25 جنيهات، وبنزين 95 إلى 11.50 جنيهًا (سعر الدولار = 30.75 جنيهًا).
  • 2024:
    • آذار/مارس: بلغ سعر بنزين 80 = 11 جنيهًا، وبنزين 92 = 12.50 جنيهًا، وبنزين 95 = 13.5 جنيهًا، والسولار = 10 جنيهات.
    • تموز/يوليو: ارتفع سعر بنزين 80 إلى 12.25 جنيهًا، وبنزين 92 إلى 13.75 جنيهًا، وبنزين 95 إلى 15 جنيهًا، والسولار إلى 11.5 جنيهًا.
    • تشرين الأول/أكتوبر: سجل سعر بنزين 80 = 13.25 جنيهًا، وبنزين 92 = 15.25 جنيهًا، وبنزين 95 = 17 جنيهًا، والسولار = 13.5 جنيهًا (سعر الدولار = 48.7 جنيهًا).

المصريون يتحسسون جيوبهم

تجدر الإشارة في البداية إلى أن رفع أسعار الوقود يعني، باختصار، رفع أسعار جميع السلع والخدمات الأخرى. فحين يزيد سعر السولار والبنزين والغاز، تتبعه تلقائيًا زيادة في أجرة المواصلات وأسعار مختلف السلع، سواء الضرورية منها أو التكميلية، إضافة إلى الخدمات الأخرى، إذ إنها تشكل شبكة مترابطة فيما بينها. وهذا ما يجعل مجرد الحديث عن أي ارتفاع في سعر الوقود كابوسًا يؤرق المصريين، لما يترتب عليه من أعباء إضافية.

وتُسهم تلك الزيادات وتوابعها في إثقال كاهل متوسطي ومحدودي الدخل من المصريين، وتدفع بهم نحو أتون الفقر والعوز. وإذا كانت الأرقام الرسمية تشير إلى أن معدل الفقر بلغ نحو 29.7%، وفقًا لبحث الدخل والإنفاق الصادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء (حكومي) عام 2020، متراجعًا عما كان عليه في عام 2018، حيث وصل إلى 32.5%، فإنه من المؤكد أن المعدلات اليوم قد تجاوزت تلك الأرقام.

ويجب أخذ الوضع في الاعتبار هنا أن آخر إحصاء لعدد الفقراء في مصر كان في 2019/2020، أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمات العالمية المتتالية، بدءًا من جائحة كورونا بمتحوراتها المختلفة، وصولًا إلى الأزمة الاقتصادية الناجمة عن السياسات المالية والنقدية غير الناجحة، والتي أثبتت التجربة فشلها لسنوات. وهذا يعني ارتفاع معدلات الفقر حاليًا، وإن لم تكن هناك إحصائيات رسمية تؤكد ذلك.

وتُعرّف الحكومة المصرية الفقر المادي بأنه "عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للفرد أو الأسرة"، وتشمل هذه الاحتياجات: الطعام والمسكن والملبس والتعليم والصحة والمواصلات. وقد حددت الحكومة قيمة حد الفقر بنحو 10,279 جنيهًا سنويًا (210 دولارات)، أي ما يعادل 856 جنيهًا شهريًا (17.4 دولارًا). وبالتالي، فإن من يقل دخله الشهري عن هذا المبلغ يُعتبر فقيرًا، وفقًا لبحث الدخل والإنفاق الذي أجرته الحكومة ممثلة في جهاز التعبئة العامة والإحصاء.

وهكذا، يبدو أن المصريين على موعد مع "صبّة" جديدة (كما يسميها المصريون)، وطعنة غائرة في جدار تماسكهم المعيشي، وضربة موجعة في بنيان قدراتهم الاقتصادية، الذي بات يعاني من شروخ عميقة من الصعب التئامها، في ظل الإصرار على المضي قدمًا في السياسات ذاتها، والرضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي وشروطه الكارثية، التي لم تسلم منها أي دولة من قبل.