يعتزم القادة الأفارقة في قمة الاتحاد الأفريقي التي ستعقد في أديس أبابا، تعزيز مطالبهم بتعويضات عن حقبتي الاستعمار والعبودية، وهي قضية تكتسب زخمًا متزايدًا على الساحة الدولية، رغم المقاومة القوية من قبل القوى الاستعمارية السابقة، التي لا تزال ترفض الاعتراف بمسؤولياتها التاريخية أو تقديم أي شكل من أشكال التعويضات.
ووفقًا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للاتحاد الإفريقي (ECOSOCC)، فإن القمة ستشهد نقاشات مكثفة حول الموضوع، حيث وصف المجلس قضية التعويضات بأنها "الملف الساخن" في أديس أبابا.
ساهم الاستعمار والعبودية في خلق تفاوتات اقتصادية كبيرة بين الدول الإفريقية والدول الغربية المتقدمة
رفض لدفع التعويضات
يقول المحامي الزيمبابوي ألفريد مافيدزينجي، المتخصص في قضايا التعويضات، لوكالة "رويترز" للأنباء، إن "الوقت قد حان لمواجهة إرث العبودية والاستعمار"، مشيرًا إلى أن "أزمة ديون الدول الإفريقية الحالية تعود جذورها إلى الديون الضخمة التي ورثتها هذه الدول بعد الاستقلال"، لافتًا إلى أن "التغير المناخي مرتبط أيضًا بالإرث الاستعماري، حيث تساهم إفريقيا بجزء ضئيل من الانبعاثات الكربونية لكنها تتحمل العبء الأكبر من التغيرات المناخية".
📌 خبراء في جامعة "غينت "في بلجيكا يقدّرون أنّ "الحرب التي استمرت عامين بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي تسببت في مقتل ما بين 162 ألفًا و378 ألف مدني".
📌 أصبحت إفريقيا موطنًا لنحو نصف تعداد النازحين داخليًا في العالم، المقدر بنحو 32.5 مليونًا في نهاية عام 2023.… pic.twitter.com/JyC18bAFRG
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 3, 2025
فقد ساهم الاستعمار والعبودية في خلق تفاوتات اقتصادية كبيرة بين الدول الإفريقية والدول الغربية المتقدمة. تستمر هذه الفجوات في التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا.
وفي ظل هذا السجال، عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رفضه القاطع لفكرة التعويضات، قائلاً إنه "لا يرى ذلك يحدث"، بينما تواجه القضية معارضة شرسة في أوروبا، حيث يرفض قادة دول مثل بريطانيا، وفرنسا، والبرتغال حتى مجرد مناقشتها.
التعويضات ليست أموالًا فقط
بينما يتركز الجدل حول التعويضات، خاصة في الدول الاستعمارية السابقة مثل بريطانيا والبرتغال، على البُعد المالي، يؤكد المدافعون عن التعويضات أنها لا تقتصر على الأموال، بل تشمل إصلاحات سياسية وأعمالًا تعويضية ملموسة، تشمل الاعتراف الرسمي بالظلم التاريخي الذي تعرضت له الشعوب الإفريقية من خلال الاستعمار والعبودية، بالإضافة إلى تعديل السياسات الحالية التي تستمر في تكريس عدم المساواة والتمييز ضد الدول الإفريقية. واستعادة الأراضي التي سُلبت من السكان الأصليين خلال الحقبة الاستعمارية، وإرجاع القطع الأثرية والثقافية التي نُهبت إلى موطنها الأصلي.
ويقول رئيس الأمانة العامة لـ (ECOSOCC) ويليام كارو: "التعويضات لا تتعلق فقط بالتعويض المالي، بل بضمان أن ترث الأجيال القادمة عالمًا يعترف بماضيها ويدفعها نحو مستقبل أكثر إشراقًا".
منظمة "هيومن رايتس ووتش" تصدر بيانًا يفيد بأن الحكومات الأوروبية لم تحسب حسابًا بعد للتأثيرات المستمرة لإرثها الاستعماري في #إفريقيا ودعت #أوروبا إلى تعويض الضحايا. pic.twitter.com/Q2Q0rM3SYU
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 15, 2024
وفي بيان صادر عن الاتحاد الإفريقي، تم التأكيد على أن التعويضات لإفريقيا يجب أن تشمل إعادة الأراضي المصادرة في الدول التي تم فيها الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين، إلى جانب إعادة القطع الأثرية الإفريقية المنهوبة.
كما شدد الاتحاد على الحاجة إلى إصلاح السياسات التي تعزز التفاوتات الحالية، ودعا الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة، إلى مساءلة القوى الاستعمارية السابقة، مشيرًا إلى أن هذه الجهود قد تشمل الضغط الدبلوماسي أو اللجوء إلى المحاكم الدولية.
وفي عام 2023، أطلق الاتحاد الإفريقي شراكة مع مجموعة دول الكاريبي (CARICOM) للضغط من أجل الحصول على التعويضات. وتشمل خطة تعويضات الكاريبي مطالب بتمويل مشاريع تنموية، مثل نقل التكنولوجيا والاستثمارات في الصحة والتعليم، لمعالجة آثار العبودية والفقر المتوارث.
معارضة اليمين المتطرف تعرقل التقدم
رغم مرور 30 عامًا على إعلان منظمة الوحدة الإفريقية (سلف الاتحاد الإفريقي) مطالبتها بالتعويضات، لم يتحقق تقدم ملموس. ويرجع ذلك جزئيًا إلى صعود أحزاب اليمين المتطرف في الدول الاستعمارية السابقة، والذي يعارض بشدة أي نقاش حول مسؤوليات الماضي.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس دولة الرأس الأخضر، خوسيه ماريا نيفيس، إن "صعود الشعبوية اليمينية أثر على السياسات المعتدلة وجعل النقاش حول التعويضات أكثر تعقيدًا".
وفي البرتغال، التي كانت من أكثر الدول انخراطًا في تجارة العبيد من الدول الإفريقية، اقترح حزب اليمين المتطرف (Chega) توجيه تهمة الخيانة العظمى إلى الرئيس، لمجرد إشارته إلى إمكانية مناقشة التعويضات.
أما في بريطانيا، فقد وصف الشعبوي اليميني نايجل فاراج رئيس الوزراء كير ستارمر بأنه سيكون "ضعيفًا" إذا خاض في ملف التعويضات، بينما رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أي حديث عن التعويضات، معتبرًا أن "المصالحة" هي الحل الأفضل.
كانت قارة #أفريقيا في صدارة المتضررين من سياسات #ترامب وتوجهاته في الفترة التي حكم فيها، بالإضافة للازدراء المشوب بالعنصرية.
اقرأ أكثر: https://t.co/TGFXeyRYmg pic.twitter.com/OYxLECLrQS
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) August 18, 2024
هل تتحول التعويضات من نقاش إلى خطوات عملية؟
يشعر العديد من القادة الإفارقة بالقلق من أن قمة الاتحاد الإفريقي ستقتصر على بيانات وتصريحات دون تنفيذ فعلي. ويقول المحامي الزيمبابوي مافيدزينجي: "أكبر مخاوفي هي أن يكون هناك نقاش في القمة، لكن لا يتم تنفيذ القرارات التي ستصدر عنها".
ومع ذلك، تبقى مساعي الاتحاد الإفريقي لحشد دعم دولي للمطالبة بالتعويضات مؤشرًا على استمرار الضغط من القارة الإفريقية لتصحيح أخطاء الماضي، رغم العقبات السياسية التي تضعها الدول الغربية في طريقها.