09-يونيو-2017

رئيسة الوزراء البريطانية وزعيمة حزب المحافظين، تيريزا ماي (ليون نيل/Getty)

يذكر الفيزيائي كارلو روفيلي في كتابه سبعة دروس في الفيزياء، خلال حديثه عن العالم الشهير ألبرت آينشتاين، تصورًا يقول: "قد لا يمكننا تحقيق أي شيء دون تمضية الوقت"، ربما يجب وضع هذا التصور نصب أعيننا في بداية حديثنا عن انتخابات مجلس العموم البريطاني، التي صوّت فيها الناخبون بدايةً من صباح أمس الخميس، وحتى التاسعة مساءً بتوقيت غرينيتش. 

وتأتي هذه الانتخابات بعد صراعات سياسية داخلية في بريطانيا، وبين الأحزاب بعضها البعض، بل ربما داخل الحزب الواحد، وذلك على خلفية استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)

وعقب البريكسيت واستقالة رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون، أصبحت مقاليد الحكم في يد تيريزا ماي، التي دعت بدورها إلى انتخابات مُبكرة، لتجري أمس الانتخابات التي كان من المفترض أن تجري في 2020، وكان هدف ماي من وراء ذلك تعزيز أغلبية حزبها في البرلمان، كي تتمكن من إجراء مفاوضات الخروج من بريطانيا بأقل قدر ممكن من الخسائر، وبروحٍ قويّة. 

أرادت تيريزا ماي من الانتخابات المبكرة تعزيز أغلبية حزبها في البرلمان، لكن التسرع جعلها تخسر الأغلبية

لكن، مع ظهور النتائج شبه النهائية، التي تكشف فوز حزب المحافظين بأكبر عددٍ من المقاعد لحزب واحد، دون الحصول على الأغلبية التي تستلزم الفوز بـ326 مقعدًا، إذ حصل الحزب على 318 مقعدًا فقط، بعد أن كان بحوزته 330 مقعدًا من البرلمان السابق، ليخسر بذلك المحافظون أغلبيتهم، وتخسر تيريزا ماي رهانها، ونفهم ما كان يقصده الفيزيائي روفيلي، إذ كان على ماي ومن ورائها حزب المحافظين، التروي قليلًا وأخذ مزيد من الوقت للتخطيط. 

مقاعد البرلمان بين أجزاء المملكة المتحدة

رغم أن الشائع هو إطلاق عدة أسماء على إنجلترا، ففي بعض الأحيان يُشار إليها باسم بريطانيا العظمى، أو الجزر البريطانية أو المملكة المتحدة، وذلك بقصد الإشارة إلى نفس الحدود، لكن هذه الأسماء في حقيقتها تشير إلى أجزاء مختلفة من الكل الذي هو المملكة المتحدة، فبريطانيا العظمى هي الجزيرة الأكبر ضمن مجموعة الجزر المكونة للمملكة المتحدة، وتضم إنجلترا أكبر الدول داخل بريطانيا العظمى، ومعها اسكتلندا في الجزء الشمالي من الجزيرة. 

اقرأ/ي أيضًا: القفزة البريطانية إلى المجهول

إلى جهة الجنوب الغربي هناك "ويلز"، وإلى جهة الشمال منها هناك جزيرة كبيرة تُسمى أيرلندا، جزء من هذه الجزيرة فقط يتبع للملكة المتحدة، وهو الجزء الشمالي، أو أيرلندا الشمالية. وعلى هذه الأقسام والأجزاء تتوزع نسب التصويت باختلاف المساحة وأعداد السكان، فتتوزع المقاعد الـ650 في مجلس العموم، ليكون لإنجلترا، الأكبر مساحةً وسكانًا، 533 مقعدًا، واسكتلندا 59 مقعدًا، وويلز 40 مقعدًا وأيرلندا الشمالية 18 مقعدًا.

ونظام الحكم في بريطانيا، هو النظام البرلماني، وللملكية هناك وجود أقرب إلى كونه شرفيًا، وعليه فإنّه من بين أعضاء مجلس العموم المنتخبين، تُشكّل الحكومة بقيادة حزب الأغلبية، أو إن كانت أكثرية فقط كما هو الحال في الانتخابات الحالية، فيقود الحزب تشكيل حكومة ائتلافية. وعلى مدار عقود يُسيطر حزبان على الساحة السياسية البريطانية، هما حزب العمال وحزب المحافظين.  

كيف كانت الانتخابات؟

وسط حالة من الخوف والتهديد بسبب تفجيرات إرهابية أسفرت عن مقتل 30 شخصًا، وتسببت في وقف الحملات الانتخابية، ووسط إجراءات أمنية مشددة، بدأت عملية التصويت صباح أمس الخميس، وامتدت حتى التاسعة مساءً بتوقيت غرينيتش. ويحق لـ46.9 مليون بريطاني التصويت في الانتخابات، لاختيار ممثليهم في مجلس العموم على 650 مقعدًا، وعبر أكثر من 40 الف مركز اقتراع

النتائج شبه النهائية تشير إلى فوز حزب المحافظين بأكبر عدد من الأصوات، دون الحصول على الأغلبية التي خسرها في هذه الانتخابات، إذ كانت عدد المقاعد بحوزته 330 مقعدًا، تقلصت إلى 318، وللفوز بالأغلبية لا بد من الحصول على 326 مقعدًا، تمثل "50% +1".

من جانبه حقق حزب العمال الفوز بـ261 مقعدًا بزيادة 29 مقعدًا عن البرلمان السابق، فيما خسر الحزب القومي الاسكتلندي 21 مقعدًا، بحصوله على 35 مقعدًا بعد أن كان في حوزته 56 مقعدًا في البرلمان السابق. في المركز الرابع يأتي حزب الليبراليين الديمقراطيين بـ12 مقعدًا، ويليه الحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي بـ10 مقاعد، وحزب الاستقلال اليميني بواقع 10 مقاعد، ثم أحزاب أُخرى وزعت بينها المقاعد الثلاث المتبقية.

خسر عدد من وزراء حكومة المحافظين مقاعدهم لصالح حزب العمال، على رأسهم نائب رئيسة الوزراء "نك كلغ"

ورغم أن المسجلين في الانتخابات السابقة أو من لهم حق التصويت، كانوا 46.4 مليون ناخب، أي أقل من الذين لهم حق التصويت في الانتخابات الحالية، إلا أنّ هناك زيادة ملحوظة في نسبة التصويت لصالح حزب العمال عن حزب المحافظين، يتضح ذلك جليًا من خسارة وزراء في حكومة المحافظين لمقاعدهم، بالإضافة إلى خسارة نائب رئيس الوزراء نك كلغ، عضو حزب الديمقراطيين الليبراليين، لمقعده لصالح حزب العمال.

اقرأ/ي أيضًا: لتكون في الصورة.. 10 معلومات أساسية عن الانتخابات البريطانية

من جانبه اعتبر زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، أن نتائج هذه الانتخابات، تكشف عن "انتصار الحملة الانتخابية لحزب العمال"، داعيًا تيريزا ماي إلى تقدdم استقالتها بعد خسارتها فعليًا في الانتخابات، واضطرارها بهذا الشكل للجوء إلى تشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما يبدو أنها تتجه إليه الآن، بعد تصريح لها قالت فيه إنها قابلت الملكة إليزابيث الثانية، وحصلت على إذنها بتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي الحاصل على 10 مقاعد.

أمّا نائب رئيس حزب العمال، توم واتسون، فقد وصف النتائج شبه النهائية للانتخابات بـ"السيئة جدًا جدًا" بالنسبة إلى تيريزا ماي، وزادت في توصيف السوء رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستيرجن التي قالت إن "نتائج الانتخابات كارثية بالنسبة لتيريزا ماي"، بينما توقع وزير الخزانة السابق، جورج أوزبورن أنه بهذه النتائج قد تصبح ماي "أقل رئيس وزراء بقاءً في منصبه".

تعليقات كافة السياسيين البريطانيين على نتائج الانتخابات، تُشير إلى "كارثية" الوضع بالنسبة لتيريزا ماي

في المقابل، صرحت تيريزا ماي عقب ظهور النتائج شبه النهائية، بأنّه صار "لزامًا علينا ضمان الاستقرار هذه الفترة، وهو ما سنفعله تمامًا"، مُضيفة: "البلد يحتاج إلى استقرار ويقين في المستقبل، وإلى قيادة تستطيع بدء مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد 10 ايام فقط".

اقرأ/ي أيضًا: رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي.. والسقوط في بئر الفوضى!

اعتبر البعض أن هذه التصريحات محاولة لتجاهل هزيمتها في هذه الانتخابات، التي كانت قد عبّرت سابقًا عن آمالها بأن تزيد من خلالها مقاعد حزبها 17 مقعدًا إضافيًا على الأقل، أو 50 على الأكثر، ليكون ذلك بمثابة "تفويض واضح للتفاوض على أفضل اتفاق ممكن لبريطانيا"، على حد تعبيرها. لكنها لم تحصل على ذلك التفويض المأمول ومنيت بخسارة لأغلبيتها في البرلمان. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

بريطانيا العظمى بين الخيال والحقيقة