08-مارس-2025
الاقتصاد السوري

(GETTY) أوراق نقدية بالليرة السورية في المصرف التجاري السوري بدمشق، 10 نوفمبر 2025

مع دخول سوريا مرحلة ما بعد نظام الأسد، لا تزال البلاد تعاني من أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها العقوبات الغربية المستمرة. ورغم قيام بعض الدول بتعليق جزء من القيود المفروضة على قطاعات الطاقة والمصارف، فإن تأثير هذه الخطوات لا يزال محدودًا، حيث تعيق العقوبات جذب الاستثمارات الأجنبية. ومع شح السيولة النقدية، وانهيار الليرة، وأزمة الكهرباء، يبقى التعافي الاقتصادي مرتبطًا بتغيرات السياسات الدولية.

وقالت الحكومة السويسرية إن المجلس الاتحادي قرر رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا، مشيرةً إلى أن العقوبات المرفوعة شملت قطاعي الطاقة والنقل، بالإضافة إلى السماح بإجراء بعض الخدمات المالية واستئناف العلاقات المصرفية. كما أعلنت الحكومة البريطانية إزالة 24 كيانًا سوريًا، من بينها مصرف سوريا المركزي، من قائمة العقوبات لديها، وفقًا لما نقله موقع "الترا سوريا".

انهيار الاقتصاد بالأرقام

بحسب تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، شهد الاقتصاد السوري انكماشًا بنسبة 85% منذ عام 2011، فيما تراجعت الصادرات من 18 مليار دولار قبل الحرب إلى 1.8 مليار دولار فقط في عام 2021. وأدت الأزمة الاقتصادية إلى انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي من 18.5 مليار دولار في عام 2010 إلى 200 مليون دولار فقط، وهو مبلغ لا يكفي حتى لتغطية واردات شهر واحد.

كما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء، عن مصدر سوري أن المصرف المركزي لا يزال يحتفظ بنحو 26 طنًا من الذهب، وهي الكمية نفسها التي كانت بحوزته قبل عام 2011.

فيما لا تزال العقوبات الغربية تعيق جذب الاستثمارات الأجنبية، فإن مع شح السيولة النقدية، وانهيار الليرة، وأزمة الكهرباء، يبقى التعافي الاقتصادي مرتبطًا بتغيرات السياسات الدولية

شهدت الليرة السورية تراجعًا حادًا في قيمتها أمام الدولار، إذ انخفضت من 50 ليرة مطلع عام 2011 إلى متوسط 10,650 ليرة في السوق السوداء الموازية، بينما بلغ السعر الرسمي وفقًا لنشرة المصرف المركزي الصادرة يوم الخميس الماضي 13,266 ليرة للدولار الواحد. وقد أثّر هذا الانخفاض الحاد في القدرة الشرائية للسوريين، حيث لم تعد رواتب موظفي القطاع العام تكفي لتغطية نفقات المعيشة الأساسية، فيما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر.

ورغم التوقعات التي أشارت إلى انفراجة اقتصادية بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن هذه الآمال اصطدمت بالعقوبات الغربية المفروضة على سوريا منذ عقود، والتي توسعت بعد عام 2011 لتشمل قطاعات حيوية مثل الطاقة، البنوك، والاتصالات، مما زاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية. ووفقًا لمجلة "إيكونوميست"، فإن العقوبات الأميركية على سوريا تعد الأشد صرامة، حيث تمنع أي تعاملات مالية بين الكيانات الأميركية والسورية، كما تفرض قيودًا صارمة على الشركات والأفراد الأجانب الذين يتعاملون مع دمشق، الأمر الذي دفع البنوك العالمية إلى تجنّب تسهيل أي مدفوعات مالية إلى الداخل السوري خشية التعرض للعقوبات.

محاولات لإنعاش الاقتصاد المحلي

رغم الجهود التي يبذلها رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع لإصلاح الاقتصاد عبر حزمة من الإجراءات، مثل تحرير الأسواق، تبسيط الرسوم الجمركية، رفع الحظر عن التعامل بالعملات الأجنبية، ومحاولة جذب الاستثمارات الغربية، إلا أن هذه الجهود تصطدم بالعقوبات الغربية التي تعيق تدفق رؤوس الأموال الأجنبية.

وتعاني سوريا أيضًا من نقص حاد في الأوراق النقدية، وهو ما وصفته "إيكونوميست" بـ"السكتة القلبية للاقتصاد". إذ تواجه الشركات صعوبة في دفع أجور العمال، فيما لا تستطيع العائلات شراء احتياجاتها الأساسية. أما أصحاب الحسابات المصرفية، فيواجهون قيودًا صارمة على سحب أموالهم بسبب إجراءات البنك المركزي التقييدية.

وكان  المصرف التجاري السوري  قد أعلن عن رفع سقف السحوبات عبر الصرافات الآلية إلى 500 ألف ليرة سورية أسبوعيًا، موضحًا أن المبلغ يمكن سحبه في يوم واحد بعد أن كان الحد الأقصى للسحب اليومي 200 ألف ليرة. كما أتاح المصرف إمكانية سحب 500 ألف ليرة عبر أجهزة POS، مع تقديم خيار طلب سحب نقدي يصل إلى مليون ليرة عبر الفروع.

شح السيولة النقدية 

في مفارقة لافتة، شهدت الليرة السورية تحسنًا في سعر صرفها مقابل الدولار رغم تفاقم الأزمة الاقتصادية. ويعزى ذلك إلى شح السيولة النقدية في السوق، ما أدى إلى انخفاض الطلب على الدولار، وفقًا لمجلة "إيكونوميست". ومع ذلك، تشير المجلة إلى أن الحكومة الانتقالية السورية تعاني من الإفلاس، إذ كانت أجور موظفي القطاع العام تشكل ثلث ميزانية الدولة حتى قبل الزيادة الموعودة بنسبة 400 %. ومع تفاقم الأزمة، تواجه الحكومة تأخيرًا في دفع الرواتب والمعاشات.

استيراد الليرة السورية من روسيا

وذكرت وكالة "رويترز" في تقريرها الأسبوع الماضي أن دمشق تسلّمت شحنة جديدة من الليرة السورية المطبوعة في روسيا، في خطوة تهدف إلى معالجة أزمة السيولة. ونقلت الوكالة عن مصدر في المصرف المركزي السوري أن الحكومة تتوقع وصول المزيد من الشحنات في المستقبل. وهذه هي المرة الثانية التي تتلقى فيها الحكومة الانتقالية إمدادات نقدية من موسكو منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

اتجه نظام الأسد إلى طباعة الأوراق النقدية السورية في روسيا بعد أن أوقفت شركة نمساوية، تابعة للبنك المركزي النمساوي، تعاقدها بسبب العقوبات الغربية المفروضة على سوريا منذ أكثر من 13 عامًا. وفي المقابل، لا يزال استلام شحنات العملة السورية المطبوعة في روسيا بشكل منتظم مرتبطًا بالعلاقات الدبلوماسية بين الحكومة الانتقالية وموسكو، التي كانت أحد أبرز حلفاء نظام الأسد المخلوع.

أزمة كهرباء خانقة تفاقم الوضع المعيشي

إلى جانب شح السيولة النقدية، يعاني السوريون من أزمة كهرباء خانقة، حيث لا تتجاوز التغذية الكهربائية ساعتين يوميًا في بعض المناطق، بينما تحصل مناطق أخرى على الكهرباء ساعة واحدة لكل ست ساعات. وقد تراجعت القدرة الإنتاجية لمحطات الكهرباء من 9 غيغاواط عام 2010 إلى أقل من 2 غيغاواط حاليًا، بسبب اعتماد المحطات المتبقية على الغاز الطبيعي، الذي انخفض إنتاجه إلى الثلث مقارنة بمستوياته قبل 2011.

في ظل تفاقم أزمة الطاقة، حاولت الحكومة الانتقالية تأمين صفقات توريد النفط، لكن المناقصة التي طرحتها قبل شهرين لم تتلقَّ أي عروض، وفقًا لمجلة "إيكونوميست". ويرجع ذلك إلى مخاوف الشركات من انتهاك العقوبات الغربية، إضافةً إلى عدم قدرة الحكومة الانتقالية على دفع تكاليف النفط المستورد.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قد أعلنت في 8 كانون الثاني/يناير الماضي تعليق جزئي لبعض العقوبات المفروضة على سوريا، شمل قطاع الطاقة والتحويلات المصرفية للأفراد. كما أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرًا تعليقًا محدودًا للعقوبات، شمل قطاع الطاقة والتحويلات المصرفية، لكنه استثنى أصول المصرف المركزي السوري، ما يعني أن القيود المالية الكبرى لا تزال سارية، مما يحدّ من تأثير هذه التخفيفات على الاقتصاد السوري المتعثر.