بات الاتحاد الأوروبي قريبًا من تسمية مبعوث خاص له لدى سوريا، وفي حين يُصرّ الموقف الرسمي للاتحاد على أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، يرى منتقدون أنها استجابة لمطالب دول أوروبية طبّعت علاقاتها مع النظام السوري، متذرّعة بمنع تدفقات المهاجرين نحو أوروبا من جهة، والبحث عن سبل لإعادة اللاجئين السوريين إلى ما تقول إنها مناطق "آمنة" في سوريا.
ومما زاد الطين بلّة، وفقًا لقناة "دويتشه فيله" الألمانية، ظهور القائم بالأعمال لبعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا، ميخائيل أونماخت، في مقطع فيديو وسط العاصمة دمشق، يقول فيه إن "الاتحاد الأوروبي سيواصل دعمه للشعب السوري من أجل مستقبل أكثر ازدهارًا وسلامًا".
وسبقت هذه الخطوة إعلان روما، في أواخر تموز/يوليو الماضي، عن تعيين سفير لها في دمشق، لتكون بذلك أول عاصمة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ عام 2011.
كما دعت ثماني دول في الاتحاد الأوروبي (إيطاليا، والنمسا، وكرواتيا، وجمهورية التشيك، وقبرص، واليونان، وسلوفينيا، وسلوفاكيا) إلى إعادة النظر في الاستراتيجية الأوروبية تجاه سوريا والعلاقات مع النظام، معربةً في بيان مشترك عن استعدادها لفتح قنوات اتصال مع بشار الأسد.
ومع استجابة الاتحاد الأوروبي، في وثيقة مسرّبة، لبعض مقترحات الدول الثماني، خاصة المتعلقة بالمناطق الآمنة والانفتاح على النظام السوري، أثيرت تساؤلات حول ما إذا كان الاتحاد قد تخلى ضمنيًا عن "سياسة اللاءات الثلاث": رفض رفع العقوبات عن النظام السوري، ورفض التطبيع معه، ورفض الانخراط في أي عملية إعادة إعمار دون تحقيق تقدم ملموس في إطار القرار الأممي رقم 2254.
تُثار شكوك حول تراجع الاتحاد الأوروبي عن "لاءاته الثلاث" بشأن سوريا: العقوبات، التطبيع، وإعادة الإعمار دون تقدم في القرار 2254.
يُشار إلى أن الوثيقة المسرّبة للاتحاد الأوروبي تقترح تعيين "مبعوث خاص بشأن المسائل المتعلقة بسوريا" كوسيلة لـ"الحفاظ على وجود محدود على الأرض"، كما تتضمن تسهيلات في عمليات تمويل إعادة الإعمار، التي قد يستفيد منها النظام في تعزيز أركان حكمه.
وتعليقًا على هذه النقاط المثيرة للجدل، قال متحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في مقابلة مع قناة "دويتشه فيله": "إن قضية تعيين مبعوث ما زالت قيد النظر"، مشددًا على أن قرار التعيين "لن يمثل تغييرًا في سياسة الاتحاد الأوروبي الحالية بشأن سوريا".
لكن ليلى كيكي، المديرة التنفيذية لـ"حملة سوريا"، ترى في تعليق للقناة الألمانية أن قرار الاتحاد الأوروبي "يحمل في طياته مخاطرة بشأن قبول دولي لنظام الأسد"، مضيفة أن المقترح "يبعث برسالة صادمة إلى الضحايا والناجين من جرائم الحرب، ويقول للمحاكم الدولية التي تسعى إلى تحقيق العدالة ضد النظام إن جهودها محفوفة بالمخاطر السياسية".
في المقابل، يرى جوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن السنوات الماضية شهدت "غيابًا لاستراتيجية أوروبية ذات مغزى تجاه سوريا". وأضاف في تصريح لقناة "دويتشه فيله": "لقد وقعنا في فخ تبسيطي، بقولنا إن أي شكل من أشكال الانخراط هو في حد ذاته إضفاء للشرعية على النظام. مع أن هذا الأمر يمكن أن يُعدّ، في كثير من النواحي، مسارًا للمساعدة في تحسين الوضع اليائس على الأرض".
وأشار ديسي إلى أنه إذا استمر الاتحاد الأوروبي في الابتعاد تمامًا عن سوريا، "فلن يتمكن من فعل الكثير لدعم السوريين الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة تحت قبضة النظام، ولن يكون قادرًا على منافسة روسيا وإيران". ومع ذلك، دعا مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى "عدم إضفاء الشرعية على الأساليب الوحشية المروعة التي يقوم بها النظام السوري"، معترفًا بأن بعض الدول الأوروبية "لا تأخذ بعين الاعتبار الممارسات القسرية التي يقوم بها النظام، ربما بسبب رغبتها في إعادة اللاجئين".
تجدر الإشارة إلى أن المنظمات الحقوقية الدولية، مثل منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، تؤكد أن النظام السوري لم يغير سياسته القائمة على العنف والإخفاء القسري والتعذيب والقتل ضد المعارضين، بمن فيهم العائدون حديثًا إلى سوريا.
وفي هذا السياق، أكد عبد الناصر هوشان، الذي يعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في شمال سوريا، "عدم حدوث أي تحسن على أرض الواقع قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تغيير سياسته بشأن سوريا"، مستدلًا بـ"اعتقال 450 شخصًا بشكل تعسفي بعد عودتهم إلى سوريا". وأضاف، في تصريحات لقناة "دويتشه فيله": "لقى ستة أشخاص حتفهم بعد عودتهم إلى سوريا جراء التعذيب في سجون النظام".
وختم هوشان قائلًا إن "تعيين الاتحاد الأوروبي لمبعوث خاص في سوريا لن يصب في صالح السوريين العائدين"، مضيفًا: "لا أعتقد أن تدشين منصب مثل هذا سيمهد الطريق لمراقبة سلوك النظام، أو الضغط عليه، أو حتى الحد من انتهاكاته. ينظر النظام إلى الاتحاد الأوروبي نظرة عداء، فضلًا عن أن النظام بات خبيرًا في استغلال جهود التطبيع لإضفاء الشرعية على نفسه وتبرير جرائمه".