30-نوفمبر-2017

يمثل رجل الأعمال التركي الإيراني رضا ضراب عقدة منشار العلاقات التركية الغربية (الأناضول)

تزداد التوترات بين تركيا والغرب يومًا بعد الآخر. وقد تفاقمت منذ محاولة الانقلاب الفاشلة على تركيا العام الماضي، وبدأت في التصاعد من حينها. طرف أساسي في هذا التوتر هو رجل أعمال تركي إيراني الأصل يُدعى رضا ضرّاب. من هو؟ وما حكايته؟ ولماذا يمثل عقدة المنشار في العلاقات بين تركيا والغرب؟ هذا ما يستوضحه مقال نشر على الموقع الإلكتروني للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


لفهم تركيا اليوم، عليك أن تدخل في عقلية حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. لا يمكن لأي نشرة إخبارية أن تنقل الشعور بالحصار والشعور بأن العالم بأسرهِ يتعاون لتدمير تركيا وقيادتها، الذي ينبعث من الحزب الحاكم هذه الفترة الحالية.

التوترات التركية مع الغرب مستمرة منذ سنوات، لكن الكثير من التطورات الحادثة حاليًا، لها علاقة برجل واحد هو "رضا ضراب"

"هيا نترك حلف الناتو"، كان وسمًا منتشرًا على تويتر في تركيا نهاية الأسبوع الماضي، وذلك بعد سحب أنقرة لـ40 ضابطًا من ضُباطها من حلف الناتو بالنرويج، بعد أن وصف مقاول مدني للناتو، أردوغان، بـ"العدو" في غرفة دردشة إلكترونية.

اقرأ/ي أيضًا: معاداة أردوغان لأوروبا.. اسأل عن التعديل الدستوري

"خطة الناتو لمهاجمة تركيا في 2018" كان العنوان الرئيسي في صحيفةٍ مواليةٍ للحكومة، في اليوم التالي لسحب أنقرة 40 ضابطًا تركيًا من الناتو. وفي صحيفة اُخرى، جاء: "لا يمكن تجنب القتال بين تركيا والولايات المتحدة"، وأضاف الكاتب: "أولئك الذين يقولون: (أنا لست مهتم بهذا، فممتلكاتي وراحتي أهم من وطني)، هؤلاء يجب أن يغادروا البلاد فورًا".

كما قال أردوغان نفسه يوم الإثنين، دون أن يترك أي شك في وجهة نظره: "مع اقتراب عام 2019، ستزداد عمليات أولئك الذين يحاولون إيقاف تركيا"، مُضيفًا: "في الأشهر القليلة الماضية في العواصم الأوروبية، تحت رعاية تلك الدول، قاموا بمظاهرات مع ملصقات يظهر فيها رصاصة تشير إلى جباهنا. في بلدٍ أوروبي آخر، وُعِد بتقديم سيارة لأي شخص يقتلني".

تابع أردوغان: "يقول البعض إن المشكلة هي رجب طيب أردوغان. لا، المشكلة هي حزب العدالة والتنمية، الذي أفسد ألعابهم، وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون عرقلة أُمتنا دون إخراجنا من الصورة، ولذا يهاجمونني شخصيًا. ولكن بنفس الطريقة التي قمنا فيها بتمزيق كل الحسابات والخرائط المرسومة على الطاولة قبل قرنٍ من الزمان، سنقوم أيضًا بتمزيق هذا".

إذن، ما الذي يجري في تركيا؟ من أين يأتي هذا الارتياب المضاد للغرب من الغزو؟ هل تجذب روسيا تركيا إلى مدارها؟ هل دفعت علاقات أنقرة المتوترة مع أوروبا والولايات المتحدة بالبلاد أخيرًا من على الحافة إلى الشراسة؟

في حين ظلت قصة التوترات التركية مع الغرب مستمرة لسنوات، وتسارعت بعد محاولة الانقلاب في الصيف الماضي، فإن الكثير من الانهيار الحادث حاليًا له علاقة برجلٍ واحد، "رضا ضراب". وظهوره في قاعة المحكمة في مانهاتن الأسبوع المقبل، يُمثِل مفتاحًا لآفاق تركيا الاقتصادية على المدى القصير، وربما أيضًا توجُهها الجيوسياسي على المدى الطويل.

الرهانات مرتفعة، ولا يمكن للأوروبيين أن يدركوا أن هذه المحاكمة (محاكمة تاجر الذهب التركي رضا ضراب في أمريكا بتهمة انتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران) أكثر أهميةً من أي قضية على سطح علاقات الاتحاد الأوروبي مع أنقرة.

قضية محاكمة ضراب في أمريكا مثلت أولوية قصوى في العلاقات الأمريكية التركية، وقيل إن أردوغان أثارها عدة مرات مع ترامب

رضا ضراب تاجر ذهب إيراني تزوج من نجمة بوب ​​تركية عام 2010، وسرعان ما صعد في طريقه إلى سُلم السلطة في تركيا. مع العديد من اليخوت والمنازل المبهرجة وولعه بمعرفة المشاهير، اشترى بذخ ضراب -والذي كان بمثابة غاتسبي العظيم في تركيا- أصدقاء مهمين. ومع ذلك، فقد وجد نفسه في كانون الأول/ديسمبر من عام 2013 مركزًا لتحقيقات واسعة النطاق في الفساد في تركيا، والتي شملت عمليات نقل غير قانونية للذهب وصادرات مزيفة منحت مليارات الدولارات لإيران، وتجاوزت العقوبات الدولية.

اقرأ/ي أيضًا: في أعقاب الانقلاب.. شرخ كبير بين تركيا وأمريكا

اُتُهم العديد من الوزراء بقبول رشاوى من رضا ضراب، وقِيل إن المخطط المزعوم تركز حول بنك "خلق" المملوك للدولة. ورأت الحكومة التركية أن التحقيق مجرد محاولة من فتح الله غولن لإقالة حكومة أردوغان ودُفِنت القضية سريعًا، واعتَقلت الذين قدّموا الاتهامات. ولكن دون علم أنقرة، كان تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي يجري بهدوء، واُعتُقل رضا ضراب في آذار/مارس عام 2016 عندما وصل ولاية ميامي لزيارة ديزني لاند مع عائلته.

اتهم العديد من الوزراء الأتراك بتلقي رشاوي من ضراب، ويقال إن المخطط المزعوم يتركز حول بنك "خلق" الحكومي (الأناضول)
اتهم العديد من الوزراء الأتراك بتلقي رشاوي من ضراب، ويقال إن المخطط المزعوم يتركز حول بنك "خلق" الحكومي (الأناضول)

ومنذ ذلك الحين، كان مأزق رضا ضراب أولوية قصوى لأنقرة في علاقتها مع واشنطن. وتُفيِد التقارير بأن أردوغان اشتكى من هذه القضية لدونالد ترامب في مناسباتٍ عدة، ووصفها علنًا ​​بأنها "مؤامرة واضحة ضد تركيا"، مُشيرًا إلى ضلوع أتباع غولن فيها. 

وتقول أنقرة، إن الشرطة والمدعين العامين المرتبطين بغولن الذين قاموا بتحقيق عام 2013 في تركيا، نقلوا أدلتهم إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكن القلق الحقيقي يأتي من أن المحاكمة يمكن أن تُسلِط الضوء على دور كبار الشخصيات في حزب العدالة والتنمية، حتى أردوغان نفسه، في تسهيل مخطط رضا ضراب.

وفي الوقت نفسه، فإن جميع المؤشرات تشير إلى أن رضا ضراب يتفاوض على صفقة، ويمكن أن يظهر كشاهد حكومي، بدلًا من مُدَعى عليه، وهو ما حدث في جلسة استماع 27 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وتحوّل لشاهد ادعاء ضد نائب رئيس بنك "خلق".

ولدى أنقرة تخوفات من حكمٍ مضاد قد يُؤدي إلى تغريم وزارة الخزانة الأمريكية لبنك خلق وبنوك تركية أخرى بغرامات ضخمة، يقال إنها قد تصل لمليارات الدولارات، وهو سيؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأسواق المالية في تركيا.

ربما كان خطأً من تركيا دفاعها العلني عن رضا ضراب، وربما كان عليها بدلًا من دفن تحقيقات 2013، أن تسمح على الأقل بإجراء محاكمة بشأن مزاعم الفساد. كان بإمكان تركيا أن تفعل ما فعلته إيران: تجد كبش فداء وتبدأ في تحقيقات محلية حول الفساد لتغسل يديها.

بات رضا ضراب هو كل ما يتحدث عنه الأتراك في البرامج المباشرة والمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي. وكنتيجةٍ مباشرة انعكس هذا القلق على قيمة الليرة التركية، التي انخفضت الآن، حتى بات الدولار الواحد يساوي أربع ليرات. وهو انخفاض حاد من حوالي ثلاث ليرات للدولار الواحد أوائل عام 2016.

ربما كان خطأ من تركيا دفاعها المعلن عن ضراب، وربما كان عليها أن تسمح بإجراء محاكمة محلية ضده بشأن مزاعم الفساد لتغسل يدها

ومع قضية رضا ضراب المعلقة في رقبته، فكل ما يمكن لأردوغان القيام به هو حشد الدعم المحلي والتأكد من أن الجميع في تركيا يعتقدون أن الغرب يسعى لإسقاطه. وهذا ما قد يُخفف من الأثر المحلي للحكم، ولكنه لن يحسن الوضع الاقتصادي الهش في تركيا أو مشاكلها العميقة مع حلفائها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟

تركيا وأوروبا.. الحروب الباردة