16-سبتمبر-2015

جزء من لوحة لـ سعد يكن/ سوريا

تدخل راقية إبراهيم إلى العيادة لتجد محمد عبد الوهاب واقفًا هناك، محدقاَ في المرآة. يطلب المخرج، بعصبية، أن يعاد المشهد لأن نظرة عبد الوهاب لم تكن مقنعة. كان يحدق في المرآة، وكأنه ينتظر أحدًا ليدخل، وما يريده المخرج أن تكون نظراته إلى نفسه في المرآة خالية من أي توقّع. يريده أن يرى نفسه حقًا، على حقيقته الكاملة، قبل أن يدّعي أنه طبيب أسنان، ثم يتحول إلى طبيب عيون "يفهم في العين ورموش العين".

كانت راقية إبراهيم في دخولها شديدة الاحتراف، متناسية أنها تضطر إلى إعادة المشهد نفسه للمرة الثالثة عشرة

كانت راقية إبراهيم في دخولها شديدة الاحتراف، متناسية أنها تضطر إلى إعادة المشهد نفسه للمرة الثالثة عشرة، ويقاطعها المخرج للسبب نفسه، وهو أن عبد الوهاب لا ينظر إلى نفسه بطريقة مقنعة. تخرج راقية للمرة الرابعة عشرة من الغرفة ويعود محمد إلى المرآة. يقف هناك ويحدق في نفسه، قبل أن يطلق المخرج إشارة بدء التصوير. ينظر إلى نفسه جيدًا وكأنه يتعرّف إليها أول مرة. برهة تمر كأنها دهر. يرى وجهه، وينظر في بئرين تغور فيهما عينيه، ثم في جبينه الناصع، وفي حاجبيه الممشطين. هذا أنفه الذي يكرهه، وهاتان شفتاه اللتان يمر منهما الكلام والأغنيات. ينظر طويلًا في بدلته البيضاء وفي ربطة عنقه، ويرفع نظره إلى الأعلى، ليطمئن إلى الطربوش الذي أخذ مكانه فوق رأسه كأنه قرميد بيت قروي، وتلك الشرابية السوداء التي تتدلى منه كأنها مدخنة مدفأة، ويشعر أن الشتاء على الأبواب، ثم تمطر تحت إبطيه، ويحسّ ببرد شديد في عظامه، ثم بقطار البرد يدهسه تحت عجلاته، على سكة الحديد التي يحجبها ضباب غامض.

لم ينتبه المخرج إلى ما حدث لكنه كان يشعر أن شيئًا ما غير سوي يحدث مع بطل فيلمه. شعر أن هذا النهار لن يمر على خير، وأنه لن ينتهي من تصوير هذا المشهد المسجون في مرآة البطل، غير قادر على التحرر من نظرته غير المقنعة (إلى نفسه أولًا)، التي من دونها لا يستطيع المخرج إيصال الحقيقة الناصعة إلى الجمهور. كانت راقية إبراهيم تنتظر خلف الباب، حتى تسمع إشارة انطلاق التصوير. وقفت تنصت محاولة التقاط ما يحدث داخل الغرفة، لكن شيئًا لم يؤنس انتظارها سوى تفكيرها بأنها تريد أن تنتهي من هذا المشهد وتذهب في سبيلها. لحظات قاتلة عاشتها خلف الباب تنتظر أن يأذن المخرج بدخولها لتسأل عبد الوهاب ببراءتها الخبيثة: "حكيم روحاني حضرتك؟".