رسوم تأشيرة H-1B الجديدة تهدد مستقبل المدارس والمستشفيات في الولايات المتحدة
12 أكتوبر 2025
أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 19 أيلول/سبتمبر الفائت عن فرض رسوم قدرها 100,000 دولار على طلبات تأشيرة H-1B، وهي التأشيرة التي تُستخدم لتوظيف العمالة الماهرة في وظائف تخصصية.
وبينما تركز الإدارة على الحد من استقدام العمالة الأجنبية في قطاع التكنولوجيا، فإن التداعيات الأوسع لهذا القرار تهدد قطاعات حيوية في المناطق الريفية، مثل التعليم والرعاية الصحية، التي تعتمد بشكل متزايد على العمالة الأجنبية لسد النقص الحاد في الكوادر المحلية، وذلك وفقًا لتقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس".
بين العزلة والاحتياج
عندما تولى روب كوفر ديل منصب مدير مدرسة "كرو كريك" القبلية في ولاية داكوتا الجنوبية عام 2023، واجه تحديًا كبيرًا: 15 وظيفة تعليمية شاغرة دون أي متقدمين أميركيين. خلال تسعة أشهر فقط، تمكن من سد هذه الثغرات عبر توظيف معلمين من الفلبين، معظمهم عبر تأشيرة H-1B.
تعتمد قطاعات كالصحة والتعليم في الولايات المتحدة على العمالة الأجنبية لسد النقص الحاد في الكوادر المحلية، وارتفاع رسوم تأشيرة H-1B يهدد هذه القطاعات
كوفر ديل أوضح أن "هؤلاء المعلمون لا يأخذون وظائف من الأميركيين، بل يشغلون وظائف لم يكن هناك من يشغلها أصلًا". لكن مع فرض الرسوم الجديدة، يجد نفسه أمام معضلة مالية قد تعرقل استمرار هذا النموذج، خصوصًا في المناطق النائية مثل بلدة ستيفن، التي تبعد ساعة كاملة عن أقرب مركز تجاري.
من بين المعلمين الجدد، ماري جوي بونس توريس، التي انتقلت من مدرسة خاصة في الفلبين لتدرّس التاريخ في كرو كريك. تقول: "كنت أبحث عن بيئة هادئة، وتيرة أبطأ، وهذا ما وجدته هنا". لكنها، مثل كثيرين، تركت عائلتها وراءها من أجل فرصة العمل في الولايات المتحدة.
رسوم تهدد ميزانيات التعليم الريفي
ميلسا سادورف، المديرة التنفيذية لجمعية التعليم الريفي الوطنية، تحذر من أن الرسوم الجديدة تعادل راتب معلم أو اثنين في بعض الولايات، مما يجعل توظيف أي معلم عبر H-1B أمرًا شبه مستحيل. وتضيف: "هذا السعر يضع الوظيفة خارج نطاق ميزانيات المناطق الريفية".
في مواجهة هذه التحديات، لجأت مجموعة من مقدمي الرعاية الصحية، والمؤسسات الدينية، والتعليمية إلى القضاء، لرفع دعوى ضد القرار، محذرة من تأثيره المدمر على المؤسسات التي تعتمد على هذه التأشيرة.
تأشيرة J-1 لا تكفي
رغم وجود تأشيرة J-1 التي تُستخدم في برامج التبادل الثقافي، إلا أنها قصيرة الأجل ولا تتيح للمهاجرين فرصة الإقامة الدائمة. جورج شيبلي، مدير مدارس بيسون في داكوتا الجنوبية، يقول: "نحتاج إلى أشخاص دائمين، يشترون منازل، ويصبحون جزءًا من المجتمع. تأشيرة H-1B تتيح ذلك، وهي ضرورية".
في حال عدم توفر معلمين مؤهلين، تضطر المدارس إلى حلول مؤقتة مثل دمج الصفوف، أو توظيف معلمين غير معتمدين، أو حتى تحويل بعض الدروس إلى التعليم الإلكتروني.
نقص الأطباء يزداد تفاقمًا
القطاع الصحي ليس بمنأى عن هذه الأزمة. وفقًا للجمعية الطبية الأميركية، فإن ربع الأطباء في الولايات المتحدة هم من خريجي كليات الطب الدولية. الرئيس الحالي للجمعية، الدكتور بوبي موكامالا، يحذر من أن الرسوم الجديدة ستفاقم النقص، خصوصًا في المناطق الريفية، حيث يفضل الأطباء الأميركيون العمل في المدن الكبرى مثل نيويورك وسان فرانسيسكو.
الجمعيات الطبية والمستشفيات دعت الإدارة الأميركية إلى استثناء العاملين في القطاع الصحي من هذه الرسوم، مشيرة إلى أن المستشفيات الريفية تعاني أصلًا من تحديات مالية وبشرية، وقد تضطر إلى تقليص خدماتها إذا لم تتمكن من توظيف الكوادر الأجنبية.
أليسون روبرتس، نائبة رئيس الموارد البشرية في نظام "برايري ليكس" الصحي في داكوتا الجنوبية، تقول: "إذا لم نحصل على إعفاء، فإن الفرق بين الرسوم الحالية والـ100,000 دولار سيخرج المؤسسات الصحية الصغيرة من المعادلة تمامًا".
مستقبل الريف الأميركي على المحك
في الوقت الذي تبرر فيه الإدارة الأميركية القرار بأنه يهدف إلى حماية العمالة المحلية، يرى كثيرون أن الواقع مختلف تمامًا في المناطق الريفية، حيث لا يوجد بديل محلي جاهز. المعلمون والأطباء الأجانب لا ينافسون الأميركيين، بل يسدّون فجوات خطيرة في النظامين التعليمي والصحي.
الرسوم الجديدة، إن لم تُراجع أو تُستثنى منها القطاعات الحيوية، قد تعني تراجعًا في جودة التعليم والرعاية الصحية في أجزاء واسعة من الولايات المتحدة، وتحديدًا في المناطق التي تعاني أصلًا من التهميش والعزلة. وبينما تبقى المدن الكبرى جاذبة للكفاءات، فإن الريف الأميركي يواجه خطرًا حقيقيًا بفقدان ما تبقى من خدماته الأساسية.