14-فبراير-2017

(Getty) قرية جزائرية

الزمان: 1949

الحدث: عودة الفتى سي شريف من منطقة زواوة الأمازيغية، وقد حفظ القرآن كله. لقد شهدت القرية التي لا تقرأ حرفًا ولا تكتبه أعراسًا من قبل، رغم جنائزها التي جعلها الفرنسيون وجبة يومية، لكن العرس الذي أقامته بمناسبة عودة فتاها المقدس، بلغت زغاريده وباروده لحية السماء، وأكل فيه الولدان والشيوخ والقطط من اللحم، ما لم يأكلوه منذ الفطام.

باب سي شريف مشرفًا على شؤون الدنيا والدين، فلا تقطع القرية أمرًا من غير أن تعود إليه. أليس هو الذي جمع كتاب الله في صدره، ويعرف كيف كان النبي يعيش، وكم درجة حرارة جهنم وبرودة الفردوس؟

 

الزمان: 1953

الحدث: اقتحم سي شريف المرعى، فألفاه يغلي ببارود الرعاة وزغاريد الراعيات، تشرف عليهن فتاة رسمت يدًا من الحناء على دفها، فلم يدر هل هي تعزف على الدف أم على قلبه. هل يجوز للقلب الذي امتلأ بآيات الله أن يمتلأ بغيرها؟ كانت نظرة واحدة من عينيها السماويتين كافية لأن تحقنه بالإجابة.

لم يكن من عادته أن يتأخر عن الأذان، لكنه تأخر هذا المساء، وهو ما فهمته القرية دليلًا على مرضه أو موته، فهرعت شبابًا وشيابًا إلى حوشه، ولم يكذب عليهم، فاكتفى بالإشارة إلى قلبه. يا ويل الدنيا والدين أصيب قلب سي شريف. قال الجميع.
وحدها خضراء كانت تعرف علة فتى السماء، فأعلنت أنها تملك علاجه. دخلت عليه/ وشوشت كلمتين في أذنيه، فخرج يبشر القوم الواجفين في الحوش: هي شفتني، وأنا سأتزوجها.

 

الزمان: 1954

الحدث: السوق الأسبوعي يغلي بناسه، وبحديث واحد لهم: انطلاق ثورة التحرير، غدًا ستخرج فرنسا ويرتاح الإنسان والمكان، ولم يقطعه إلا نداء سي شريف: تعلمون أني خطبت خضراء على سنته، وإني طالع إلى الجبل، فلا أدخل بها إلا إذا خرجت فرنسا ما عدا إذا خرجت روحي.

 

الزمان: شهران قبل الاستقلال الوطني عام 1962

الحدث: سي شريف يعصر يدي خضراء تحت زيتونة فتية تعلو منبعًا عجوزًا. منذ متى لم يلتقيا؟ وإلى متى يبقيان معلقين في الحلم السعيد؟ أجابهما قناص برصاصة الحب: الفتى بسماء الله والفتاة بأرض الأحزان.
برصاصة ألحقت الفتى بسماء الله والفتاة بأرض الأحزان.

خطبها الكبير والصغير والقريب والبعيد والغني والفقير، ففيها من البركة ما في الراحل العزيز، لكنها حسمت بالقول، ثم غرقت في صمت كؤود: ما كنت مانحة قلبي لغيره حتى ألقاه في قبره.

 

الزمان: 1994

الحدث: هجوم إرهابي على ليل القرية، ذبحوا الناطق والأبكم وهموا بأن يشعلوا النار في ضريح سي شريف الذي رأوه خيانة للتوحيد، ترتمي خضراء على الضريح، يجز خنجر أحدهم رقبتها، فتبدأ النسخة الثانية للأسطورة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عندما يتعلق الأمر بالضحايا

لماذا أيتها القصيدة