24-يناير-2022

كاريكاتير لـ غاري ووترز/ فرنسا

تحية طيبة، أمّا بعد..

أنا الكائن البشري من سكان الأرض، من بقعة صغيرة اسمها لبنان، لديّ بعض الأسئلة التي أتمنّى أن تجدوا الأجوبة عنها إذا سمح وقتكم. أعرف مدى انشغالاتكم لتأمين الإنتاجية المطلوبة لبقائكم داخل عالمكِم. فالوقت والجهد المبذول من قِبَلكم داخل شاشاتكم الصغيرة وخارجها، قد يكون عائقًا في التواصل بيننا. لكن إن تسنّتْ لكم الفرصة في الردّ، نكون، نحن غير المنتجين بنظركم، ممتنّين لتعاونكم.

كيف لنا الانضمام إليكم، نحن الذين لا نستطيع أن نُشغِّل سخّان المياه والكمبيوتر والبراد في اللحظة نفسها خوفًا من فقدان التيار الكهربائي؟

وقبل طرح الأسئلة، أودّ شكركم سلفًا لتفهُّمكم ورحابة صدركم، وعدم حمل الأمور على محمل شخصي. كما يسرّني أن أفيدكم أنني من محبيّ التكنولوجيا ومستخدميها، ومن الذين يحاولون تحسين فهمهم لها بسبب تزايد وتيرتها بسرعةٍ تفوق مستوى إدراكنا، ولا أكنُّ الضغينة لكم.

اقرأ/ي أيضًا: البيتكوين: شراكة الليبرتارية والأناركية والأسواق

كيف لنا الانضمام إليكم إذا ما تخطّينا كل النقاشات حول أهمية الانضمام أو عدمه؟ نحن الذين لا نستطيع أن نُشغِّل سخّان المياه والكمبيوتر والبراد في اللحظة نفسها خوفًا من فقدان التيار الكهربائي؟ بالتالي خوفًا من فقدان الاتصال بكم. هل تبقى صورتنا الرقمية على ما كانت عليه إذا انقطعت الكهرباء؟ أي ماذا سيحلّ بالآڤاتار داخل عالمِكُم؟ هل سيتجمّد؟ يذوب؟ أم يُعتبر في إجازة غير مدفوعة؟ أو أن وجودي وعدمه في الميتاڤيرس سيكون معتمدًا على 2/24 أو 4/24؟ هذه ليست أكواد أو شيفرات كالتي تستخدمونها في لغتكم، إنّما هي دوام التيار الكهربائي اليومي في عالمنا. هل سيكون وجودي هناك خاضعًا للتقنين؟

الخوف من انقطاع التيار الكهربائي موصول أيضًا بالخوف من فقدان الاتصال عبر الإنترنت. كما تعلمون، أو كما تُخبركم به خوارزمياتكم، نحن محكومون من قبل أنظمة وسلطات لا تأبه لعالمكم ولا لشروط دخوله. فماذا لو انكشفنا ولم تعد تطالنا تغطية الشبكات نتيجة إهمال وسرقة وزير الطاقة أو الاتصالات؟ هل سيموت آڤاتاري هناك؟ أم أنه سيبقى على حاله صامدًا إلى حين عودة الاتصال؟ ماذا سيفوتني والحال هكذا؟ كيف ستصبح انتاجيتي مقارنة بمنّ توفرت لهم الشروط أعلاه؟ ماذا لو انقطع الاتصال في لحظةٍ حرجة، كأن يكون آڤاتاري يقطع الطريق مثلًا، أو يمارس الجنس، أو يطارد خلايا نائمة لتيار متشدّد دخل الميتاڤيرس ليغيّر من الداخل؟ ماذا سيُكتب على قبري الافتراضي: "مات بكبسة زر"؟

هذا وأنا من لبنان، البلد ذو الخمسة ملايين نسمة فقط، ماذا لو كنتُ من القارة الأفريقية أو من الشرق البعيد أو من سكان الأمازون الحقيقي؟ أقول الحقيقي كي لا يلتبس الأمر عليكم مع المتجر الافتراضي المشهور بالاسم نفسه، طالما إن الأقرب للتصديق هو مكوّنات عالمِكُم وليس عالمنا. كيف لهذه الشعوب أن تدخل بآڤاتاراتها إليكم؟ كيف لها أن تتساوى مع القلّة الباقية وتحصل على فرصة الدخول الآمن إلى ميناڤيرس؟

طبعًا لا أتوقع جوابًا يحمل أمنيات واهمة حول المساواة القادمة التي ستؤمِّن الفرص من خلال تأمين الكهرباء والإنترنت كفاف يوميات الجميع بغية دخولهم عالم الميتاڤيرس. لذلك فإن ما يتبادر إلى ذهني أننا لسنا محسوبين ضمن الوافدين إلى عالمكم. حكمًا نحنا سنبقى خارجه نتيجة ظروف أنتم من تسبّب بها. سوف تتخلّصون من هذه الأرقام المُقلِقة لعالمكم عاجلًا أم آجلًا. لا يمكن لهذه الشعوب جميعها أن تجد مكانًا في الميتاڤيرس. فالحلّ سيكون كما طرحه جان بودريار في كتابه المصطنع والاصطناع، حيث حكى قصة التبشيريين الذين ذهبوا لاستعمار القارة الأمريكية عبر حجّة كونيّة الإنجيل. وصلوا ووجدوا شعوبًا لا تعرف الإنجيل (الميتاڤيرس آنذاك) مما جعلهم أمام مسألة شائكة وحرجة. لقد وجدوا أنّ الإنجيل ليس كونيًا، فكيف لهم أن يثبتوا كونيته في ظل جهل هذه الشعوب له؟ لقد أبادوهم.

كيف لهذه الشعوب أن تدخل بآڤاتاراتها إليكم؟ كيف لها أن تتساوى مع القلّة الباقية وتحصل على فرصة الدخول الآمن إلى ميناڤيرس؟

إذا صار لنا أن نكون من الناجين من الإبادة الآتية، فسنبقى محطّ تنمر مِمّن يعايرنا بمفاهيم وقيم أنتم خلقتموها، كالإنتاجية والكفاءة وغيرها. سنكون عبيدًا على هامش العالم، نستعيد تجربة من نجا سابقًا. فمن يقبع خلف شاشته وداخلها سيكون هو المُنتج، أما من يصنع الطاولة والكرسي لتضع شاشتك وتعمل عليها، فسيكون عبدًا تستخدمه في تلبية احتياجاتك لتؤمّن استمرارك داخل الميتاڤيرس وتحفظ ماء وجه آڤاتارك. لا بل أنك ستبقى بحاجة الى ذلك المزارع في سهول الأرز الذي يبعد عنك آلاف المايلات في الأرياف الآسيوية ليطعمك. فمهارته وتقنياته في الزراعة ليست ذات انتاجية بمعايير عالمك. لكنك بحاجة إليها ريثما يجد لك مديرك حلًا ليشبع حاجتك عبر حبة سحرية. عندها ستستغني عن هذا العبد أيضًا. إن مناصريكم والمؤمنين بعالمكم يتقدمون عليكم بتسويق أفكاركم، أرجو أن تحفظوا لهم مكانًا جيدًا بينكم. هؤلاء البشر الطامحون إلى أن يصبحوا روبوتات يستعدون بشكل جيد لدخول الميتافيرس. يجتهدون ويعملون على تمهيد الطريق للإبادة المرجوة. ويسعون إلى تبرير موت شعوب بأكملها لأنه بحسبهم "غير منتجة" تضيع وقتها في الزراعة والأعمال اليدوية، وبالتالي فلا تستحق العيش أصلًا.

اقرأ/ي أيضًا: الاستثمار في الإفقار

إن الحرفيين والفنانين والفلاحين والعُمّال وغيرهم الكثير، ستكرّمهم وتنصفهم في الميتاڤيرس. لا شكّ أنك تركت في بالك، عذرًا في خوارزمياتك، مكانًا لهم يعيد لهم اعتبارهم. ستصمِّم متحفًا رقميًا وتحوّل أدواتهم وحكاياتهم إلى مُنتج وهمي اسمه NFT. سيتمّ تداولهم على منصات الـ Cryptocurrency ويقتنيها من راكموا الثروات حين كنا نستعدّ لتحسين فهمنا حول مآل حيواتنا المسروقة مرتين، في عالمنا وفي عالم الميتاڤيرس الجديد. إلا إذا ظلّت نعمة انقطاع الكهرباء قائمة، عندها ستكون الفرصة الوحيدة، أو الوسيلة الباقية لمقاومة سوء توزيع الثروة، أو بالأحرى سوء توزيع الحياة فيما بيننا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف نصنع سلطة ونخضع لها؟

بيتكوين: أيديولوجيا إهدار الثروات والموارد