14-أغسطس-2018

تريد إيران تدفيع العراق ثمن العقوبات الأمريكية (Getty)

بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الأسبوع الماضي، أن حكومته "لا تتعاطف" مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لكنها ستلتزم بها لحماية مصالحها، كشفت ردود الفعل الإيرانية عن المنطق الذي تتبعه طهران في إدارتها للعلاقة مع العراق، فيما أظهر تراجع العبادي عن موقفه، حجم النفوذ الذي تحظى به إيران داخل الإدارة العراقية.

كانت إيران جزءًا من الاستقطاب الطائفي في العراق، كما أنها تحقّق مصالحها الكبرى من خلال الدخول بقناع التشيّع وادعاء حمايته من الأعداء المتخيلين

"عدو إسرائيل" يهدد بتقسيم العراق

كانت إيران جزءًا من الاستقطاب الطائفي في العراق، كما أنها تحقّق مصالحها الكبرى من خلال الدخول بقناع التشيّع وادعاء حمايته من الأعداء المتخيلين، وهي متواجدة على الأرض بسبب ما يفرضه نظام المحاصصة، الذي يحول التشابه على مستوى الطائفة إلى ولاء سياسي. وقد عبر أقطاب السياسة الإيرانية عن ذلك في ردود انفعالية بسبب موقف العراق الرسمي من العقوبات الأمريكية على إيران، إذ جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية السابق، ووزير الداخلية الإيراني الأسبق، عبد الله رمضان زادة، في قوله إنني "سابقًا قلت ذلك، علينا أن لا نمنع تقسيم العراق".

كان إعلام ولاية الفقيه في العراق، دائمًا ما يذكّر الناس بأن "أمريكا وإسرائيل شر مطلق ويجب محاربتهما"، لكن كما هو معروف عن إسرائيل في السرديات التي فرضها الواقع، أنها من أكثر الداعمين لتقسيم وتفتيت الدول، وتحويلها إلى تكتلات طائفية، وهذا ما يجيء على لسان مسؤولين كبار، كما أن لها مشاريع معروفة بهذا الصدد، وهذا ما أثار الكثير من العراقيين الذي انتقدوا التصريح الإيراني الداعم لتقسيم العراق، أن إيران التي تقول إنها تعادي إسرائيل، تشاركها في ذات الحلم!".

المطالبة بتعويضات عن الحرب الإيرانية العراقية

لم يطالب الإيرانيون منذ أكثر من 15 عامًا بتعويضات عن الحرب العراقية الإيرانية. كان العراق بالنسبة لهم رصيدًا مفتوحًا ليسوا بحاجة إلى تعويضاته. كما أنه سوق مفتوحة لشتى بضائعهم، الرديئة وغير الرديئة، بما فيها المواد الغذائية والألبان والسيارات وقطع الغيار، والتجهيزات في مجال النفط، والغاز، والغاز المسال، والإمداد الكهربائي لغالبية المحافظات وحتى السلع التي لا يحتاجها السوق العراقي، لكنها تفرض فرضًا من خلال النفوذ الواضح.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد فرض العقوبات.. احتمالات التصعيد

 وهذا ما أشار إليه مراقبون في أكثر من مناسبة، واعتبروا أن أدوات إيران في العراق تمنع رجوع الصناعة العراقية الوطنية، خوفًا على مصالحها، وتجارتها في الداخل العراقي، فحجم التبادل التجاري بين العراق وإيران يصل إلى أكثر من 13 مليار دولار سنويًا، وهو ما يصفه خبراء، بأنه ليس تبادلًا تجاريًا لأنه أحادي الجانب، فالعراق لا يصدر أي شيء لإيران، حتى "أموال السياحة الدينية التي تدخل السفارة العراقية في طهران مجمدة فيها، ولا تدخل للعراق للاستفادة منها"، كما أفاد بهذا مصدر لـ"ألترا صوت".

لكن الأصوات الآن بدأت تعلو في تذكير العراق بأنه مدين لإيران بسبب الحرب التي استمرت بين عامي 1980 و1988 من القرن المنصرم، حيث طالب النائب في البرلمان الإيراني محمود صادقي، الحكومة العراقية بدفع مبلغ كبير كتعويضات عن الحرب، وقال في تغريدة له على تويتر، إن "الحكومة الإيرانية كانت تؤخر المطالبة بتعويضات وخسائر حرب بسبب محنة الشعب العراقي"، مبينًا أن "ذلك حسب المادة 6 من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598"، بالرغم من أن الخبير القانوني العراقي، طارق حرب، قال تعليقًا على هذا التصريح، إنه "لا يوجد أي قرار لمجلس الأمن يلزم العراق بدفع تعويضات لإيران".

ويرى مراقبون أن هذا المطلب هو رد على موقف العبادي والتزامه بحزمة العقوبات الأمريكية على طهران. وهو ما جعل المسؤولين الإيرانيين يدخلون في حالة انفعال غير مسبوقة، خاصّة في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت إلى المطالبة بالتعويض عن الأضرار البيئية جرّاء الحرب مع العراق، حيث ذكرت مساعدة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة، معصومة ابتكار، في تغريدة على حسابها في "تويتر" أنه "يجب إضافة التعويضات البيئية لحرب العراق مع إيران وحرب الكويت والأضرار التي لحقت بالخليج، وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات"، مضيفة: "لقد رفعت الحكومة الثامنة (حكومة الرئيس الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي) إلى لجنة الأمم المتحدة شكوى للتعويض بذلك".

العبادي يغير رأيه

كان من المقرّر أن يزور رئيس الوزراء، حيدر العبادي، طهران، الثلاثاء 14 آب/ أغسطس، وهذا ما ذكرته وسائل إعلام عراقية ومصادر سياسية مطلعة في أن العبادي سيزور بعد طهران، أنقرة لـ"لبحث قضايا اقتصادية مع البلدين".

بدأت الأصوات الآن تعلو لتذكير العراق بأنه مدين لإيران بسبب الحرب التي استمرت بين عامي 1980 و1988 من القرن المنصرم

جاء رد وزارة الخارجية الإيرانية سريعًا في التعبير عن عدم رغبة طهران باستقبال العبادي بعد موقفه من العقوبات الأمريكية على إيران، وهو ما بدا حسب متابعين أنه موقف يوضح عدم رغبة الإيرانيين في دعم العبادي لولاية ثانية، وهو الساعي لها بكل ما يمتلك من طاقة سياسية وعلاقات خارجية وإقليمية وداخلية. حيث عبّر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، عن عدم علمه بزيارة العبادي إلى طهران خلال الأسبوع الجاري، مشيرًا إلى أنه لم يتلق أي خبر أو إعلان رسمي بهذا الشأن، كما لم يؤكد مصدر إيراني مطلع تحدث لوكالة "فارس" النبأ الإيراني، بشأن نية العبادي القيام برحلة إلى طهران، لافتًا إلى أن "هذه الزيارة ليست في جدول الأعمال في الوقت الحاضر".

اقرأ/ي أيضًا: العقوبات الأمريكية ضد إيران.. ارتباك يخيم على العراق أيضًا

كما جاء رد طهران على رفض زيارة العبادي سريعًا، جاء إعلان الأخير سريعًا أيضا في تراجعه عن موقفه من العقوبات التي كان من المقرر أن يلتزم بها، إذ أعلن في مؤتمر صحفي عقده في 13 آب/أغسطس الجاري، أن "حكومته ستلتزم فقط بحظر التعامل بالدولار في المبادلات مع طهران"، وقال "لم نعلن قرارًا بشأن العقوبات على إيران لكننا وصفنا الحالة على أنها غير عادلة وظالمة، ونحن لا نتعاطف معها، وهذه رؤية وليست قرارًا"، مضيفًا "لم نقل إننا نلتزم بالعقوبات الاقتصادية على ايران، فنحن قلنا نعم نلتزم بمسألة التعامل بالدولار فقط".

ومع أن العبادي قد قال عند إعلان موقفه بداية أنه سيلتزم بالعقوبات لأجل مصالح الشعب العراقي، فإنه اليوم يتراجع عنها لأجل مصالح الشعب العراقي أيضًا حسب الادعاء، فيما يرى مراقبون أنه فعل ذلك في كلا الحالتين أملًا بالحصول على ولاية ثانية في رئاسة الوزراء، لا أكثر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يتحمل حسن روحاني مسؤولية أزمات إيران ومصائبها؟

احتجاجات إيران.. موجة غضب لا تستثني أحدًا حتى خامنئي!