13-نوفمبر-2016

الراحل مالك شبل

قال لي صديق تحت الشجرة، ونحن نتلقى رحيل الباحث المختص في الأنثروبولوجيا والأديان مالك شبل: ما أشبه الجزائر بغابة محترقة، تجبر عصفورها على الهجرة، ثم تجبر نفسها على نسيانه، ثم تتلذّذ بلومه على التألق فالموت خارجها، ألم تفعل هذا مع محمد ديب ومحمد أركون وحميد سكّيف والأسماء كثيرة كثرة أشجار الغابة؟

حين ولد مالك شبل عام 1953 بمدينة سكيكدة شرقًا، كان السياق الجزائري يتهيّأ لأن يتحرّر من السياق الفرنسي، وهذا ما حدث بعد ثمانية أعوام، مخلّفًا جملة من الفخاخ المتعلّقة بهوية الجزائريين، سواء داخل الجزائر أو في الداخل الفرنسي الذي وجد نفسه مجبرًا على التعامل مع ظاهرة المهاجرين على اختلاف أجيالهم.

ما أشبه الجزائر بغابة محترقة، تجبر عصفورها على الهجرة، ثم تجبر نفسها على نسيانه

اقرأ/ي أيضًا: الآداب والعلوم الإنسانية في الجزائر.. إلى أين؟​

بعد أن درس المرحلة الأولى في الجزائر، انضمّ شبل مع أسرته إلى نسيج المهاجرين في فرنسا، وواجه أسئلته وهواجسه وألغامه ومزاياه أيضًا، بروح الباحث عن بؤرة المشاكل التي تحول دون أن يكون المسلم المعاصر قادرًا على التأقلم مع اللحظة المعاصرة، بعد أن كان صانعًا لها في الماضي، من خلال عدة تجارب تجاوزت الديني الضيّق إلى الإنسانيّ المفتوح، مثل تجربة الأندلس، فكان أن أطلق مصطلح "إسلام الأنوار"، مؤكدًا على "أن الغرب لا يريد أن يسمع أشياءَ إيجابية عن الإسلام والمسلمين".

كان هذا المشروع يهدف إلى تحرير الدين من احتكار المنطق القبلي له، من خلال تحالف الفقيه والسياسي العربي، لأجل إصباغ الشرعية الإلهية على تصرفاتهما/طروحاتهما، وهو ما أسّس بالتراكم لمفردات التخلّف والكبت والسيطرة باسم الإسلام، وأثمر جماعاتٍ ترى في الآخر شيطانًا لا شريكًا في الفضاء والعطاء.

لم يُقدّم صاحب كتاب "أسماء الحبّ الـ100" نفسه رجلَ دين يشير إلى الطريق المؤدّي إلى الجنة، بل باحث مسلّح بالمناهج الحديثة، في السياقات التي أدّت إلى الانحراف بالدين إلى غير وجهته الإنسانية، مفرّقًا، عكس بعض الباحثين الذين يرون أن الخلل يكمن في بنية النصوص المقدّسة نفسها، بين الشريعة والتأويلات البشرية الخاضعة للأهواء والمصالح والقبليات، وقد ظهر هذا جليًّا في كتابه "الإسلام كما شرحه مالك شبل".

هذا "الشرح" المحتكم إلى فهم عميق بخصوصيات الإنسان والمكان، في تلقيهما للنصّ المقدّس، وضع المشروع الفكري لمالك شبل في واجهة الاهتمام به والانتباه إليه من طرف الحقول الغربية المختلفة، بعد هجومات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، بصفتها عتبة جديدة في تعامل الفضاء الغربي مع الإسلام والمسلمين، فبات مرجعية موثوقًا بها أكاديميًا، وصارت كتبه تنافس في مبيعاتها الروايات المتوجة بجوائز وازنة.

في طريقه إلى القارات الخمس ليحاضر في جامعاتها، كان مالك يتأمّل ويكتب، ويضع إصبعه على المعاني الإنسانية لكتاب الإسلام الأوّل، قبل أن ينقلها إلى اللغة الفرنسية، لتكون واحدة من أهمّ ترجمات القرآن، ذلك أنه التزم بالروح ولم يلتزم بالقاموس.

يكاد الجسد في سياقات الثقافة الإسلامية، من زوايا الكبت والقيد والجدار، بكلّ ما ترتّب عن ذلك من سلوك وتفكير، يكون الموضوعة الأكثر إثارة لشغف صاحب كتاب "قاموس الرموز الإسلامية"، فحفر عميقًا في مفردات تلك الزوايا، وتتبّع ظلالها في إسقاطات على الواقع العربي والإسلامي، خاصّة في كتابه "الجنس والحريم روح السراري؛ السلوكات الجنسية المهمشة في المغرب الكبير".

​اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر... مكتبة للمفكّرين الأحرار​

المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية​