11-سبتمبر-2019

شهدت مسيرة قيس فرو إنجازات عديدة (تويتر)

رحل الأربعاء، المفكر والمؤرخ الفلسطيني، قيس فرو، عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد مسيرة أكاديمية حافلة، ومساهمات نظرية وتاريخية فارقة، في مجالات فلسفة المعرفة التاريخية، وتاريخ شمال فلسطين ولبنان، وتاريخ الأقلية الدرزية ودراسات القومية.

يبقى قيس فرو، مرجعًا مهمًا في دراسة المنهج التاريخي، والقومية، عطفًا على تاريخ شمال فلسطين وتاريخ لبنان، في مسار  متنوع، بمناهج ورؤى متباينة

 أنهى قيس فرو مرحلة الدكتوراه في فرنسا، وعمل أستاذًا ورئيسًا لقسم الشرق الأوسط في جامعة حيفا، ونشر عددًا من الدراسات والكتب بلغات عديدة. فيما تحظى مساهماته الأكاديمية المنشورة بالإنجليزية عن تاريخ المنطقة، باهتمام بالغ. حيث اعتبر كتابه "اختراع لبنان" من أفضل خمسة كتب نشرت في بريطانيا عن الشرق الأوسط، حسب تصنيف مركز دراسات الشرق الأوسط البريطاني.

اقرأ/ي أيضًا: قصة سلخ الدروز عن الوطنية الفلسطينية

في عام 1999، أصدر قيس فرو كتاب "الدروز في الدولة اليهودية.. تاريخ موجز" باللغة الإنجليزية، كتتمة لكتاب آخر صدر قبل ذلك بسنوات عن نفس الموضوع، وهو كتاب أصبح مرجعيًا بالنسبة لجل المهتمين بتاريخ هذه الأقلية. تناول الكتاب، بشكل سلس وتفصيلي، الآليات التي حاولت إسرائيل من خلالها، فصل الفلسطينيين من الإثنية الدرزية، عن مشروع الهوية القومية الفلسطيني الناشئ إبان النكبة، وحتى في مراحل مبكرة ما قبل ذلك. حيث أبدت العصابات الصهيونية، كما يوضح الكتاب، اهتمامًا بالغًا في الإثنيات الدرزية في شمال فلسطين من فترة مبكرة جدًا.

يحلل قيس فرو، الفلسطيني الدرزي، في هذا الكتاب الطرق المركبة التي تم من خلالها بناء سردية تاريخية منفصلة لهذه الإثنية، بحيث يتم سلخها بشكل كامل عن المشروع الوطني الفلسطيني، في مسار جعل أبناءها الفلسطينيين ضحية لجريمة منظمة ومزدوجة، على يد المشروع الصهيوني والقيادات الدرزية التقليدية على حد وصفه.

انطوى مشروع إعادة كتاب السردية هذا، على تصميم جديد للمناهج التعليمية، والمتاحف، والخيالات الجمعية، بالإضافة إلى ممارسات التجنيد واستقطاب القيادات التقليدية، والإدارة المباشرة للمجتمع.

لاحقًا، سينتقل الأكاديمي الفلسطيني المعروف، إلى تاريخ لبنان، وسيكتب واحدًا من أهم كتبه بالإنجليزية بعنوان "اختراع لبنان"، يتطرق إلى المسار السياسي والاجتماعي الذي انطوى على بناء الهوية القومية اللبنانية. راصدًا التحولات التاريخية، ليس فقط على الصعيد السياسي ولكن على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، وهو الذي كتب كتابًا عن الحرير في لبنان في القرن التاسع عشر. كما يعالج المؤلف هذا المسار القومي في سياق نشوء مسألة الأقليات في المنطقة.

من دراسة لبنان، انطلق قيس فرو إلى دراسة القومية والهوية ومسألة الأقليات، وهو سؤال بدا متصلًا بانشغالاته الماضية، وتجسد ذلك في كتابه الصادر بالإنجليزية أيضًا بعنوان "تحولات مفهوم الأمة، صعود العروبة ومشكلة الأقليات"، وهو كتاب يسائل مفاهيم أساسية مثل مفهوم الأمة، أو الهويات الجماعية، ومسألة القومية في السياق العربي إجمالًا.

اقرأ/ي أيضًا: اقرأ/ي أيضًا: الخدمة المدنية: سلاح إسرائيل الناعم

مؤخرًا، بدا قيس فرو منشغلًا بأسئلة نظرية أكثر تجريدًا، متعلقة بتأطير المعرفة التاريخية، وتاريخ المعرفة التاريخية نفسها، في سياق إبستمولوجي منهجي، وهو ما تجلى في كتابه الصادر عام 2013 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالعربية، تحت عنوان "المعرفة التاريخية في الغرب.. مقاربات فلسفية وعلمية وأدبية".

يبحث الكتاب في هذا المسار المعقد والطويل، من التعامل مع المعرفة الغربية منهجيًا في الغرب، تارة باعتبارها عملية اكتشاف للماضي المنفصل والموجود بشكل كامل، بعيدًا عن ذات المؤرخ، أو تارة باعتبار هذه المعرفة عملية بناء وتخيل متداخل للتاريخ.

من دراسة لبنان، انطلق فرو إلى دراسة القومية والهوية ومسألة الأقليات، وهو سؤال بدا متصلًا بانشغالاته الماضية، وتجسد ذلك في كتابه "تحولات مفهوم الأمة، صعود العروبة ومشكلة الأقليات"

يبقى قيس فرو، مرجعًا مهمًا في دراسة المنهج التاريخي، والقومية، عطفًا على تاريخ شمال فلسطين وتاريخ لبنان، في مسار  متنوع، تنقل فيه بين مواضيع وحقول عديدة، واستخدم خلاله، كما يقر هو نفسه، مناهج ورؤى متباينة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة في الذكرى الخمسين للنكسة.. مقاربة جديدة لهزيمة 1967

نكسة حزيران.. بدء حكم الطغاة وهزيمة الإنسان