24-مايو-2018

فيليب روث

توفي الروائي فيليب روث الذي استكشف أمريكا من خلال تناقضات شخصيته الخاصة لأكثر من ستة عقود يوم الثلاثاء عن عمر يناهز 85 عامًا.

بدأت مسيرة روث ككاتب مثير للجدل ولكنها انتهت به ككاتب قدير، حيث تناول مسائل الهوية والتأليف والأخلاق والموت في سلسلة من الروايات التي شكلت مسار الأدب الأمريكي في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد حلل تعقيدات تراثه اليهودي-الأمريكي في أعمال مثل Portnoy's Complaint، وAmerican Pastoral، و The Human Stain، وThe Plot Against America، التي حققت نجاحًا أدبيًا وتجاريًا، فقد فاز فيليب روث بمجموعة رائعة من الجوائز الأدبية.

تم تأكيد وفاة روث من قبل وكيله الأدبي، أندرو ويلي، الذي قال إن المؤلف توفي ليلة الثلاثاء من جراء قصور القلب الاحتقاني. وقال كاتب سيرة حياته، بليك بيلي، على تويتر أن فيليب روث توفي محاطًا بالأصدقاء. المقال المترجم الآتي عن الغارديان البريطانية.


 

حقق فيليب روث النجاح مع مجموعته الأولى من القصص القصيرة،Goodbye Columbus، التي نشرت في عام 1959، ولكنه أيضًا أثار بعض الجدل. فقد تتبع فيليب روث فيها قصص حياة الأمريكيين اليهود من الطبقة المتوسطة المحاصرين بين نمط الحياة القديم والحديث، وناقش الحدود بين الاندماج والتمايز في الضواحي. حاز العمل على جائزة الكتاب الوطنية، ولكنه نال قدرًا من الإدانة من أولئك الذين وصفوا فيليب روث بأنه معاد للسامية، و"يهودي كاره لنفسه".

حقق فيليب روث النجاح مع مجموعته الأولى من القصص القصيرة، وداعًا كولومبوس عام 1959

أما شكوى بورتوني التي نشرت في عام 1969، فقد حولت فيليب روث من مؤلف شاب مغامر إلى أحد المشاهير التي تحوم الفضائح من حولهم. أصبحت رواية فيليب روث الأكثر مبيعًا في وقتها، وهي تصور المونولوغ الكوميدي لحياة ألكسندر بورتوني بينما يطلق العنان لهوسه الجنسي من خلال ممارسات جنسية متطرفة، لا يعيقها سوى القبضة الحديدية لتنشئته اليهودية الأمريكية. لم يقاوم البعض اعتبار رواية فيليب روث هذه نوعًا من الاعترافات الأدبية. قال فيليب روث لصحيفة الغارديان في عام 2004 "كانت كتابة بورتوني سهلة، لكنني أصبحت أيضًا مؤلف شكوى بورتوني، وما واجهته علانية كان الاستخفاف بكل شيء".

 اقرأ/ي أيضًا: فيليب روث: حين أكتب فثمّة أنا، وحدي

وكان رد فعل فيليب روث تجاه ما أطلق عليه الناشر هارون آشر "النجاح الساحق المخيف" هو العودة إلى الخيال الأدبي، واستكشاف إمكانات الرواية في كتب مثل الرواية السياسية الساخرة Our Gang، والحكاية الجنسية المشابهة لروايات كافكا The Breast بين عامي 1972 و 1977، كان فيليب روث يسافر بانتظام إلى تشيكوسلوفاكيا، وكون صداقات مع كتّاب مدرجين على القائمة السوداء مثل ميلان كونديرا وفاتسلاف هافيل. تعرف فيليب روث على الفرق بين ما أسماه "السخافة الخاصة" لكونه كاتبًا في الولايات المتحدة و"السخافة القاسية" لكون المرء كاتبًا في شرق أوروبا" خلف الستار الحديدي. التقى فيليب روث الممثلة الإنكليزية كلير بلوم عام 1975، وحينها أصبحت تقريبا ملهمة لفيليب روث، فبدأ في تقسيم وقته بين لندن ونيويورك.

فيليب روث، عام 1968، أمام منزل طفولته
فيليب روث، عام 1968، أمام منزل طفولته

من خلال شخصيات مختلفة مثل ناثان زوكرمان ودافيد كيبيش، بدأ فيليب روث يفحص العلاقة بين المؤلف وعمله، حيث أصبح زوكرمان، الذي ظهر لأول مرة في My Life as a Man، بالتدريج أقرب صورة شخصية للمؤلف. ولد زوكرمان في نفس العام الذي ولد فيه فيليب روث لزوجين يهوديين يعيشان في نيوجيرسي. حصل زوكرمان على سمعة سيئة بحكاياته المحمومة عن الحياة الجنسية النشطة لرجل يهودي أمريكي. من خلال زوكرمان، تصارع روث مع مشاكل الشهرة والأدب وهويته اليهودية في سلسلة من خمس روايات، من The Ghost Writer عام 1979 إلى The Counterlife في عام 1986.

تعامل فيليب روث مع النقاد الذين ناضلوا لتحديد موقع الحد الفاصل بين حياة الكاتب والخيال في أعماله باستخفاف، ولسان حاله يقول "كلها عني... لا شيء فيها عني". ورفض وصف شخصياته على أنها "الأنا الأخرى"، مؤكدًا أن "أيًا من هذه الأشياء لم يحدث لي ... إنها أحداث خيالية". كان يعتبر فيليب روث توصيف عمله بأنه "سيرة ذاتية" أو "اعترافات" بمثابة إهانة لقدراته ككاتب، وقال فيليب روث للكاتب الفرنسي آلان فينكيلكراوت إن ذلك "ليس مجرد تزوير لطبيعتها الافتراضية ولكن أيضًا استهانة بقدرات المؤلف في الكتابة التي تدفع بعض القراء إلى الاعتقاد بأنها لابد وأن تكون سيرة ذاتية". بالنسبة للروائي فيليب روث، كان تمثيل الدور هو الجزء الممتع من حياة قضاها في بناء ما أسماه "وجود نصف خيالي للدراما الفعلية في حياتي".

كان عام 1990 بمثابة بداية مرحلة جديدة سواء في أعمال فيليب روث أو في حياته، مع زواجه من بلوم ونشر رواية Deception، وهي رواية عن كاتب متزوج اسمه "فيليب روث" يقيم علاقة غرامية مع امرأة إنجليزية. أثار هذا العمل أزمة مع بلوم، التي أعلنت في مذكرات نشرت في عام 1996 أنها "لم تعد تعبأ بما إذا كانت هؤلاء الفتيات هي مجرد شخصيات خيالية مثيرة"، وأصيب فيليب روث بالاكتئاب. انفصل الزوجان بعد أربع سنوات، وانزوى فيليب روث إلى حياة هادئة بعيدًا عن مغريات الشهرة في مزرعة في كونيتيكت.

بالعمل على منضدة قراءة في منزل صيفي في منتصف المزرعة، والبحث ذهابًا وإيابًا عن العبارة أو الكلمة المناسبة، ألف فيليب روث سلسلة روايات قوية، أثبتت أنه عملاق الأدب الأمريكي المعاصر. وبعد فوزه بجائزة الكتاب الوطنية للمرة الثانية عام 1995 عن رواية "Sabbath Theatre" -وهو انفجار غضب عجوز قذر في وجه الموت-، غير فيليب روث من نظرته إلى الخارج، كالموقف المناهض للاحتجاجات على الحرب على فيتنام، وهو ما تجلى في رواية "American Pastarol" التي نال بها فيليب روث جائزة بوليتزر لعام 1997، ونظرته إلى الفكر الماكارثي كما ظهر في رواية "I Married A Communist" عام 1998، وحروب الثقافة الأمريكية في رواية "Human Stain" عام 2000، والفاشية في رواية "Plot Against America" عام 2004. ففي جميع تلك الروايات، أخضع فيليب روث شخصياته لضغوط الأحداث، مختبرًا بذلك تأثير ما يطلق عليه "النار التاريخية في المركز، وكيف يصل دخان تلك النار إلى منزلك".

فيليب روث مع كلير بلوم عام 1990
فيليب روث مع كلير بلوم عام 1990

في نهاية حياته، عاد فيليب روث إلى الشخصية، متحدثًا عن الفناء كما برز في رواية "Everyman" عام 2006، وآخر رواية لزوكرمان "Exit Ghost" عام 2007. وفي تلك الرواية الأخيرة، يعود الشبح الشهواني الذي يصعب السيطرة عليه -ويعاني من العجز وسلس البول، لكنه لا يزال منفطرًا من الإحباط الجنسي- إلى نيويورك من أجل إجراء عملية جراحية في المثانة. إذ يلتقي هناك امرأة يهودية جميلة ممتلئة الصدر، والتي يكتب صديقها السيرة الذاتية للكاتب الذي زاره زوكرمان في رواية "Ghost Writer"، ووجد مخطوطة ضائعة منذ أمد طويل يعتقد أنها رواية من فئة السيرة الذاتية.

أصيب بعض النقاد بخيبة أمل جراء تلك الضربة الاستباقية التي وجهها فيليب روث لكتاب السيرة الذاتية المستقبليين، وهي بمثابة العودة إلى ما أسماه آدام مارس جونز "لعبة النرجسية" للروائي فيليب روث خلال سبعينيات القرن الماضي -إلا أن فيليب روث كان غير مُكترث بذلك. إذ قال فيليب روث في عام 2008 "إن الجمهور الذي أكتب له هو أنا"، وأضاف "أنا مشغول في محاولة التعرف على ذلك الشيء اللعين، وأُعاني من الكثير من المتاعب، لذا، فإن آخر ما قد أفكر فيه هو: ما الذي سيفكر فيه س أو ص أو ع؟".

بعد نشر روايته الأخيرة –"Nemesis" عام 2010، وهي بحث عن الله والذنب، تقدم جمهور فيليب روث الداخلي إلى الأمام

بعد نشر روايته الأخيرة –"Nemesis" عام 2010، وهي بحث في موضوع الإله والذنب والخوف، تقدم جمهور فيليب روث الداخلي إلى الأمام. وبعد عام من منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الميدالية الوطنية للعلوم الإنسانية، عن مساهمته في الأدب الأمريكي، أعلن فيليب روث في عام 2012 أن رواية Nemesis سوف تكون روايته الأخيرة. فقد أراد فيليب روث أن يستمتع بفترة تقاعده في ممارسة السباحة، ومشاهدة مباريات البيسبول، والقراءة، والتي قال عنها فيليب روث إنها "احتلت مكان الكتابة، وتشكل الجانب الرئيسي والمحفز لحياتي الفكرية".

اقرأ/ي أيضًا: نيكانور بارّا.. رحيل الشاعر المُناهض للشعر

في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز عبر البريد الإلكتروني عام 2018، كان فيليب روث مقبلًا على الموت الذي يلاحقه بروح منشرحة، واصفًا هرمه "بالانغماس ببطء وأعمق فأعمق كل يوم في وادي الظل الرهيب".

كتب فيليب روث "أنا ممتن للغاية لأنني لازلت على قيد الحياة. علاوة على ذلك، عندما يمر أسبوع بعد أسبوع، وشهر بعد آخر منذ أن بدأت في تلقي معاش الضمان الاجتماعي، يخيل للمرء أن ذلك لن ينتهي أبدًا، على الرغم من أنني أعلم أن الأمر يمكن أن يتوقف عند عشرة سنتات. يبدو الأمر أشبه بممارسة لعبة ما، إذ تفوز أحيانًا، وتنهزم أحيانًا أخرى، إنها لعبة خطرة في الوقت الراهن، ولكن خلافًا لكل التوقعات، أستمر في الفوز". وأضاف فيليب روث "سوف نرى إلى متى سيستمر حظي الجيد".

اقرأ/ي أيضًا:

كارل أوفه كناوسغارد: الأدب المعاصر لا يستحق كل هذا الاحتفاء!

مكتبة ضياء جبيلي