18-أكتوبر-2018

اعتبر السودانيون سوار الذهب أيقونة لثورة نيسان (Getty)

أغمض الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب جفونه للمرة الأخيرة، اليوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 2018، وقد أوصى قُبيل موته عن عمر ناهز 83 عامًا، أن يدفن في البقيع بالجوار النبوي، لتدفن معه حقبة باذخة من تاريخ وأسرار الحياة السياسية والعكسرية في أفريقيا والسودان.

بمجرد أن نعت رئاسة الجمهورية السودانية عبد الرحمن سوار الذهب، خيّم الحزن داخل البلاد وعمّ الحداد مواقع التواصل الاجتماعي

بعيد انتفاضة نيسان/إبريل 1985، التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، تولى سوار الذهب مقاليد الحكم، بصفته وزيرًا للدفاع، ووعد بتسليم السُلطة إلى حكومة مدنية مُنتخبة، ليبر بوعده بالفعل في سابقة نادرة، دون مماطلة بعد عام واحد فقط، حيث سلم مفاتيح القصر وشؤونه إلى الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، ومن ثم اعتزل السياسة وهو في ذروة مجده، مُنفقًا جهده ووقته في العمل التطوعي الإنساني، منحازًا للإنسان أين ما وجد.

غيمة رحيل سوار الذهب

بمجرد أن نعته رئاسة الجمهورية كست غيمة من السواد العاصمة السودانية الخرطوم، إذ خيّم الحزن داخل البلاد وعمّ الحداد مواقع التواصل الاجتماعي وأنحاءها بفعل رحيل حامل صخرة القضايا المصيرية، الرجل الذي قضى ردحًا من الزمان في خدمة قضايا السودانيين، مجسرًا للفجوات بين العرب، باذلًا عمره للمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وهو يمضي في عباب بريقه الإنساني بعد أن ضوّعت روحه السّلميّة الأرجاء قاطبة.

اقرأ/ي أيضًا: ذكرى انتفاضة "ماريل" السودانية.. ماذا يفعل الديمقراطيون بأعداء الديمقراطية؟

تقول سيرته المبذولة أنه وُلِد في العام 1935 بمدينة أم درمان العاصمة التاريخية، ثم خفت به موجة الدراسة إلى مدينة الأبيض غرب السودان، وتفتحت سنوات عمره هناك، قبيل أن يلتحق بالكلية الحربية في الخرطوم، التي تخرَّج منها ضابطًا عام 1955؛ أي قبل سنة واحدة من استقلال السودان، كما نهل من العلوم العسكرية في بريطانيا والولايات المتحدة ومصر والأردن، واكتملت بذلك شخصيته العسكرية والثقافية.

لم يكن الرئيس السوداني الأسبق، والرجل العالق في ذاكرة السودانيين، عسكريًا منطويًا على روحه، بل يتذكره السودانيون قائدًا، يمتاز بالحكمة والتجرد ونكران الذات، ولربما كانت تلك الصفات تميمة نجاته من داء التشبث بالكراسي والقصور، دون حتى أن يعبأ بمحاولات إقصائه المديدة من المجال السياسي، أو يصطنع له خصومًا يفوز من خلال ادعاء تآمرهم عليه بالسلطة.

فلسطين أولوية الرجل النادر على طريقته

 كان سوار الذهب حاضرًا بقوة في كل المحافل المعنية بمناصرة القضية الفلسطينية، واهبًا لها عمره، بجانب مشاركاته الفاعلة في مسيرة السلام والوفاق الوطني عبر مؤتمرات الحوار الوطني، والسلام والأمن، وامتد عطاؤه إلى الأمتين العربية والإسلامية وقيادته للعمل الدعوي والطوعي، وكان أيضًا عضو مجلس حكماء المسلمين، ورئيسًا لمنظمة الدعوة الإسلامية تحديدًا، التي جعل منها بيتًا ومنطلقًا، يهب منها لقضاء الحوائج، وقضى فيها ردحًا من الزمان.

لم يكن الرئيس السوداني الأسبق، والرجل العالق في ذاكرة السودانيين، عسكريًا منطويًا على روحه، بل يتذكره السودانيون قائدًا، يمتاز بالحكمة والتجرد ونكران الذات

لم يكن الرئيس جعفر نميري ورفاقه يطيقون سوار الذهب، لأسباب مجهولة، أو ربما لأنه كان بعيدًا عن الخلايا السياسية داخل الجيش، ولذلك أبعدوه من الخدمة العسكرية في العام 1972 وتم إرساله إلى دولة قطر، حيث عمل بها مستشارًا للشؤون العسكرية.

أطفأ "بطل انتفاضة نيسان" نيران الصراع بروحه الودودة، وقضى عمره في قيادة المصالحات القبلية والسياسية دون كلل. إنه الرجل البسيط في لغته وهندامه، تثير حركته جلبة غير معهودة، تمامًا منذ أن كان ترنيمة على الأفواه الشعبية ساعة الانتفاضة، وقمرًا بين العساكر، ولكم أرادته الجماهير أن يعود للسُلطة، حين ركلها، لكنه لم يعد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السودان.. دعوات إلى "انتفاضة ثالثة"

صحف السودان.. ما يريده الأمن!