22-أكتوبر-2021

المفكر المصري الراحل حسن حنفي (1935 - 2021)

ألترا صوت - فريق التحرير

توفي يوم أمس الخميس، الحادي والعشرين من تشرين اﻷول/ أكتوبر الجاري، الكاتب والمفكر المصري حسن حنفي (1935 - 2021)، عن عمرٍ ناهز 86 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا فكريًا مميزًا يضم مجموعة واسعة من اﻷعمال الفلسفية والفكرية، التي تناولت مواضيع مختلفة تتعلق بتطور الفكر الفلسفي العربي واﻹسلامي، والثقافة اﻹسلامية، والتراث والتجديد. 

يرى حسن حنفي أن مهمة مشروعه الفكري "التراث والتجديد" تتمثل في القضاء على معوقات التحرر واستئصالها من جذورها

نشأته وتحصيله العلمي

ولد حسن حنفي في العاصمة المصرية القاهرة في الثالث عشر من شباط/ فبراير عام 1935، ﻷسرة ريفية تنحدر من محافظة بني سويف شمال مصر. دخل "جامعة القاهرة" عام 1952، وتخرج من قسم الفلسفة في كلية اﻵداب في عام 1956، وهو العام الذي وصل فيه إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث حصل على شهادة الدكتوراة في الفلسفة من "جامعة السوربون"، في عام 1966. 

اقرأ/ي أيضًا: لاهوت التحرير والتنمية

عمل المفكر المصري الراحل، في بدايات مشواره التدريسي، مدرسًا في كلية اﻵداب في "جامعة القاهرة" بين عامي 1967 - 1971. ثم أستاذًا زائرًا في "جامعة تمبل" في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنوات 1971 - 1975. وعاد في العام التالي، 1976، إلى القاهرة التي استمر في العمل في جامعتها حتى فصله منها، في أيلول/ سبتمبر 1981، بسبب معارضته لمعاهدة السلام بين مصر ودولة الاحتلال اﻹسرائيلي، فكان سفره إلى المغرب، حيث عمل مدرسًا في "جامعة محمد بن عبد الله" في مدينة فاس، من سنة 1982 إلى 1984. 

انتقل الراحل بعد خروجه من المغرب إلى العاصمة اليابانية طوكيو، حيث عمل مستشارًا علميًا في "جامعة اﻷمم المتحدة" بين عامي 1985 - 1987، وذلك قبل عودته إلى القاهرة التي ترأس قسم الفلسفة في جامعتها خلال سنوات 1988 - 1994.

"التراث والتجديد"

يُعتبر حسن حنفي أحد أبرز المفكرين العرب المعاصرين، ويقوم تكوينه الفكري على المواءمة بين التراث القديم والمذاهب الفلسفية الحديثة. وهي المواءمة التي ينهض عليها مشروعه الفكري المتميز "التراث والتجديد"، الذي وزّعه على ثلاثة أقسام، هي: "موقفنا من التراث القديم"، و"موقفنا من التراث الغربي"، و"نظرية التفسير". 

قدّم المفكر الراحل مشروعه الفكري في ثلاثة مستويات تخاطب ثلاث فئات مختلفة، هي: العلماء واﻷكاديميين، الفلاسفة والمثقفين، والعامة. وأراد من خلال توزيعة بهذا الشكل، أن تدخل مؤلفاته إلى أروقة الجامعات والمعاهد العلمية، وأن تخاطب وتُقرأ من قبل غيره من المثقفين، لا سيما أولئك الذين يشاركونه الاهتمامات نفسها. وأن تصل، وهذا هو اﻷهم، إلى أيدي العامة بحيث يتحول المشروع الذي يُرى إليه على أنه ثورة في ميدان الدراسات اﻹسلامية، إلى ثقافة شعبية وسياسية. 

يقول حنفي، في أحد حواراته، إنه وعى مشروع "التراث والتجديد"، منذ: "الصغر، وأنا ما زلت أرى قنابل دور المحور على مصر، ومصر لا ناقة لها ولا جمل في الحرب. وكذلك في ضياع فلسطين عام 1948، ثم في اللحظة الحاسمة إبان الصراع بين الضباط اﻷحرار واﻹخوان المسلمين عام 1954 في مصر. هكذا اصطدمت الشرعيتان، شرعية الماضي في التراث، وشرعية الحاضر في الثورة. شرعية اﻹسلام، وشرعية التغيير الاجتماعي. شرعية أن أكون مسلمًا مدافعًا عن هويتي، وفي نفس الوقت شرعية أن أكون حرًا مساويًا للآخرين، موحدًا ناميًا تنمية مستقلة". 

ويشير، في الحوار نفسه إلى أن مشروع "التراث والتجديد"، بدأ مما يسميه بـ "الحرب بين اﻹخوة اﻷعداء.. سلفيين وعلمانيين". ويلفت إلى أن الغاية منه، هو تقديم خطاب جديد للناس يتلافى أخطاء وثغرات الخطاب السلفي وكذا العلماني. وهو خطاب: "يعرف كيف يقول، أي يستعمل مفاهيم التراث. وفي نفس الوقت يعرف ماذا يقول، أي لا يتكلم إلا فيما يمس الصالح العام، أي قضايا الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية". 

وأصر الراحل في مشروعه على أن تأتي مفردة "التراث" قبل "التجديد". والسبب، بحسب تعبيره، أن التراث هو نقطة البداية. وطالما أن القديم يسبق الجديد، وما دامت الأصالة أساس المعاصرة، فإن التراث هو الوسيلة، والتجديد هو الغاية. على أن تكون غايتهما، معًا، هي: "إعادة كل الاحتمالات القديمة بل ووضع احتمالات جديدة، واختيار أنسبها لحاجات العصر". باﻹضافة إلى: "حل طلاسم الماضي مرة واحدة وإلى اﻷبد، وفك أسرار الموروث حتى لا تعود إلى الظهور أحيانًا على السطح، وكثيرًا في القاع. مهمته هي القضاء على معوقات التحرر واستئصالها من جذورها". وذلك إلى جانب: "التحرر من السلطة بكل أنواعها، سلطة الماضي وسلطة الموروث". 

اليسار اﻹسلامي

إلى جانب "التراث والتجديد"، برز حسن حنفي بصفته أحد أبرز مؤسسي ما يُعرف بـ "اليسار اﻹسلامي"، حيث أصدر عام 1981 مجلة "اليسار اﻹسلامي"، التي قدّم وشرح فيها أهم مبادئ هذا اليسار بما هو، كما ذكر في أحد حواراته، جزء: "من الخطاب الجماهيري يمس أفكار التراث القديم، ولكن ليس بلغته ودقته وتحليلاته. إنها تحويل لمشروع التراث والتجديد إلى مشروع سياسي. فالثقافة سياسة، والسياسة ثقافة".

أصدر حنفي المجلة بمفرده، حيث كان هو من كتب معظم متنها، ومن قام بطباعتها، وأنفق عليها، وذهب إلى القضاء من أجل اﻹفراج عنها، باﻹضافة إلى توزيعها على الباعة والقراء. وهذا أحد أسباب توقفه عن إصدارها. غير أن السبب اﻷساس هو: "ندرة الكتابات، هناك كتابات إسلامية كثيرة ولكنها تقليدية، وهناك كتابات علمانية كثيرة ولكنها علمانية. أين الكتابة في اليسار اﻹسلامي؟ أين اﻹسلام الثوري؟ أين اﻹسلام الاجتماعي؟ الخ.. هذا ما لم أجده". 

اﻹخواني الشيوعي

يُعتبر الفيلسوف المصري الراحل موضع جدل في المشهد الثقافي المصري، إذ اتهمته "جبهة علماء اﻷزهر"، عام 2009، بالإلحاد على خلفية دفاعه عن الجائزة التي حصل عليها سيد القمني. بينما اتهمه "مجمع البحوث اﻹسلامية"، في عام 2013، بالتطاول في عددٍ من مؤلفاته على اﻹسلام ومخالفته، باﻹضافة إلى إنكار وجود الله وحقيقة القرآن أيضًا. 

ويعد صاحب "حصار الزمن"، من بين أكثر المفكرين العرب الذين أحاطت بهم التصنيفات، إذ يُعتبر ماركسي عند السلفيين بسبب استعماله لمناهج التحليل الاجتماعي، وهي مناهج أصولية قديمة. وسلفي عند الماركسيين ﻷنه كثير العودة إلى التراث القديم الذي لم يقطع معه. عدا عن أنه، في الكثير من الدراسات التي تناولت منجزه الفكري: ماركسي جدلي، ومثالي هيغلي، وإنساني من أنصار الوضع اﻹنساني.. الخ. غير أن أكثر هذه التصنيفات طرافة، هو تصنيف الحكومة المصرية التي تعتبره "إخواني شيوعي". 

مؤلفاته وترجماته

أصدر حسن حنفي خلال سنوات نشاطه مؤلفات فلسفية وفكرية مختلفة، منها: "التراث والتجديد"، و"من العقيدة إلى الثورة"، و"من النقل إلى اﻹبداع"، و"من النص إلى الواقع"، و"من الفناء إلى البقاء"، و"من النقل إلى العقل"، و"الوحي والعقل والطبيعة". باﻹضافة إلى: "ظاهريات التأويل: محاولة لتفسير وجودي للعهد الجديد"، و"تأويل الظاهريات: الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية"، و"مقدمة في علم الاستغراب"، و"فيشته فيلسوف المقاومة"، و"برجسون فيلسوف الحياة".

يعرِّف حسن حنفي اليسار اﻹسلامي بأنه جزء من الخطاب الجماهيري الذي يمس أفكار التراث القديم ولكن ليس بلغته ودقته وتحليلاته

إلى جانب: "قضايا معاصرة"، و"دراسات إسلامية"، و"دراسات فلسفية"، و"الدين والثورة في مصر"، و"حوار المشرق والمغرب"، و"هموم الفكر والوطن"، و"حوار اﻷجيال"، و"الدين والثقافة والسياسة في العالم العربي"، و"من مانهاتن إلى بغداد"، و"جذور التسلط وآفاق الحرية"، و"وطن بلا صاحب"، و"الواقع العربي الراهن"، و"الثورة المصرية في عامها اﻷول". 

اقرأ/ي أيضًا: رحيل محمد سبيلا.. رحلة في مدارات الفلسفة والحداثة

كما ترجم العديد من المؤلفات الفلسفية والفكرية إلى اللغة العربية، مثل: "نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط"، و"تعالي اﻷنا موجود" للفرنسي جان بول سارتر، و"تربية الجنس البشري" للألماني إفرايم ليسينغ، و"رسالة في اللاهوت السياسي" للهولندي باروخ سبينوزا. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل هشام جعيط.. المؤرخ المنقّب

رحيل أحمد خليفة.. مرجعية في الدراسات الإسرائيلية