15-ديسمبر-2020

الكاتب البريطاني جون لو كاريه (1931-2010)

غادر عالمنا يوم الأحد، 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، الكاتب البريطاني جون لو كاريه (1931-2020)، أحد أشهر وجوه الأدب الجاسوسي في العالم، وأستاذ فن الرواية الجاسوسية بحسب صحيفة "فايننشل تايمز" التي أعادت رفعة مكانته الأدبية، مقارنةً ببقية كتّاب هذا الفن الروائي، إلى التدفق المستمر للانفعالات والمشاعر في أعماله. فيما أدرجته صحيفة "تايمز" عام 2008 في المرتبة الـ 22 في قائمة أبرز الأدباء البريطانيين ما بعد الحرب العالمية الثانية.

قدّم جون لو كاريه خلال مسيرته الأدبية أكثر من 20 رواية جاسوسية، رأت فيها الكاتبة الكندية مارغريت آتوود، في نعيها له، مدخلًا أساسيًا لفهم التحولات السياسية منتصف القرن العشرين، خصوصًا أن أعماله، بشهادة القراء والنقاد معًا، نسجت خريطة أدبية مفصلة عن تلك الحقبة الزمنية من خلال حكايات جواسيسها، إذ إن الكاتب الراحل كان قد أولى أساسات أعماله عنايةً فائقة، معتمدًا في بنائها على تفاصيل منحتها بعدًا مختلفًا جنّبها الوقوع في فخ التسطيح والتسخيف.

قدم جون لو كاريه خلال مسيرته الأدبية أكثر 20 رواية جاسوسية اعتُبرت مدخلًا أساسيًا لفهم التحولات السياسية منتصف القرن العشرين

جاء مؤلف "خيوط المؤامرة" إلى الأدب الجاسوسي بعد رحلةٍ قصيرة وواقعية في عوالمه، إذ يذكر أنه تعاون خلال الخمسينيات مع جهاز الاستخبارات البريطانية "إم آي 6"، من خلال تجسسه على الطلبة اليساريين داخل الجامعة وخارجها. ولكن هذه التجربة التي أضافت إلى تجربته الأدبية الكثير، وشكلت خط إمداد لها، انتهت بعد افتضاح أمره على يد العميل المزدوج كيم فيلبي الذي وشى به إلى الاستخبارات السوفييتية، فاضطر حينها إلى تقديم استقالته.

اقرأ/ي أيضًا: رحيل الشاعر رفعت سلّام.. سفر الخروج الشعري

هذه التجربة التي خاضها الكاتب البريطاني بوصفه جاسوسًا، منحته، إلى جانب المواد الخام التي استثمرها في بناء أعماله الأدبية، اسمه الحالي: جون لو كاريه، الاسم المستعار الذي اختاره لنفسه خلال سنوات عمله بدلًا عن اسمه الأصلي "دايفيد جون مور كرونوبل"، ثم اختاره فيما بعد ليوقع به رواياته التي أضاءت، بدقة وحساسية شديدة، طبيعة أجواء العمل الروتيني لعملاء الاستخبارات، بالإضافة إلى كشفها تفاصيل العلاقات الإنسانية المعقدة التي تنشأ عادةً ضمن سياق العمل الاستخباراتية، ويكون مصيرها غالبًا، في رواياتٍ أخرى، التجاهل والإهمال.

ولكن كاريه منحها في رواياته مكانة مهمة ومرتبة متقدمة، مما جعل من أعماله، وبحسب الصفحات الثقافية لمختلف صحف العالم، أعمالًا تجديدية تبتعد عما هو مكرر ومبتذل، خصوصًا اللجوء إلى المطاردات لإثارة تشويق القارئ، لصالح الاقتراب مما هو أعمق وأكثر قدرة على التعبير عن هذا الفضاء المجهول من جهة، والعاملين فيه من جهةٍ أخرى.

وتعتبر روايته "الجاسوس المستجير من البرد"، التي نقلها شاكر حسن راضي إلى اللغة العربية، العمل الروائي الأكثر شهرة في مسيرته الإبداعية، حيث اعتبرها الروائي غراهام غرين أفضل رواية جاسوسية ظهرت حتى اليوم لاعتباراتٍ عديدة، لعل أهمها تسليطها الضوء على خفايا المعسكر الاشتراكي، وتقديم صورة تكاد تكون بانورامية لثنائية السلطة والرعب داخله.

وبالإضافة إلى هذه الرواية، تُرجمت للكاتب البريطاني أيضًا أربع روايات أخرى، هي: "خيوط المؤامرة"، و"الطبالة الصغيرة"، و"سمكري خياط جندي جاسوس"، و"مدير الليل"، دون أن تثير اهتمام القراء العرب المنصرفين تقريبًا عن هذا النوع من الأدب، ربما باستثناء "الطبالة الصغيرة التي اكتسبت أهميتها من كونها تتناول الصراع العربي الإسرائيلي خلال ثمانينيات القرن الماضي، وتدور أغلب أحداثها في مدينة بيروت والمخيمات الفلسطينية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل الفنّان عبد الحي مسلّم زرارة.. أن نروي فلسطين

رحيل رياض الريس.. حياة في سبيل الحرية