09-أغسطس-2020

الروائية نعيمة البزاز

عن سنّ ناهز الـ 46 سنة، قرّرت نعيمة البزاز الرحيل عن عالمنا، واضعة حدًا لحياتها بيدها، بعدَ صراع طويلٍ مع ظُلمة الاكتئاب. مخلفة وراءها طفلتان، 7 روايات وعددًا من القصص. صباح البارحة، 8 آب/أغسطس، أعلن خبرُ وفاتها وأسبابه المفترضة. فيما لا الاكتئابُ انتصرَ في نهاية المعركة، ولا الكاتبة الهولندية من أصولَ مغربية استسلمت، حتى آخر رمق وآخرِ قطرة حبر، أعلنت عن كتابها الجديد مطلعَ الشهر الماضي، وغادرت دون أن تشهدَ صدوره.

كتبت نعيمة البزاز عن الحب والرغبة والجسد الأنثوي، وكتبت أيضًا عن وضعية المرأة

منذُ أول رواية نشرت لها سنة 1995، بعنوان "الطريق نحو الشمال"، دأبت نعيمة البزاز، التي لك يتعدى عمرها آنذاك الـ 21 سنة، على التطرق للموضوعات اللصيقة بواقعها، كانت كاتبة واقعية، وكاتبة بواقع زاخرٍ بالمفارقات التي عادة ما تكون مادة خام للأدب.

اقرأ/ي أيضًا: رحيل الفنّان عبد الحي مسلّم زرارة.. أن نروي فلسطين

هي الكاتبة بخلفية مهاجرة، ومع أنها كانت من الجيل الثاني للمغاربة المقيمين بهولندا، ومع أنها لم تعش في المغرب إلا أربع سنواتها الأولى من حياتها، فشبح حرمة الخوض في المحرمات على المرأة الشرقية لاحقها، ولاحق ما تخط وسط المجتمعات العربية بالبلاد.

عن الحب، الرغبة والجسد الأنثوي، وعن وضعية المرأة كتبت، و"لم أنته بعد، فمي كبيرٌ ولا أماري في التصريح بآرائي" هكذا قالتها نعيمة خلال حوار صحفي سابق، وكان هذا الوصف الطابع الغالب على نصوصها، أي التحدي.

تعرضت للتحرش مرارًا من قبل عناصر من الجالية المغربية هناك، هدّدها المتطرفون الإسلاميون في أكثر من مرة، لكنها قاومت. و"كانت تعرف جيدًا ما تريد، بأنه على المواضيع المفخخة حول الحب والرغبة أن تطرح، وتحكي قصصًا جميلة تظهر فيها عالم الجمال المغربي زاخرًا. لقد أرهبوها، هددوها، لكن كل هذا جعلها أكثرَ صلابة" يقول عنها عبد القادر بنعلي، الكاتب الهولندي من أصول مغربية، في شهادة خصها بها.

وليس هذا العنف الذي قوبلت به نعيمة البزاز وراءه الجالية المغربية أو المسلمة فقط. فبعد الشهرة التي حقّقتها روايتها "سيدة فينكس" (2010)، وبيع منها ما يزيد عن 60 ألف نسخة. هذه الرواية التي تحكي فيها بسخرية لاذعة الحياة في حي فينكس بالعاصمة أمستردام، الذي تعيش فيه بدورها. سبّب ذلك امتعاضَ الكثير من جيرانها الهولنديين، وجرّ عليها حوادث تهجم أبطالها الغاضبون منهم. واجهت ذلك نعيمة البزاز بنفس التحدي، قائلة في أحد حواراتها الصحفية: "لأنني أملك الجرأة الكافية لفضح كل هذا، أطلقوا العنان لإساءاتهم إلي".

نعيمة البزاز: "السعداء هم أولئك الذين لا يأبهون لما وراء الأشياء، لا يقلقون حيالها"

قبل ذلك التاريخ كنت نعيمة بزاز قد دخلت دوامة المرض النفسي، قاومت معاناته هو الآخرُ بالكتابة، خصصت له رواية "متلازمة الفرح" (2008) وكتابات أخرى. قالت على لسان أحد شخصيات قصتها القصيرة "تابو" (2007): "المغاربة لا يكتئبون، أنت شابة في عمر السادسة والعشرين، الحياة أمامك، عليك أن تأكلي جيدًا وتلبسي بشكل أنثوي أكثرَ، في هذا الصيف سنزور المغرب، إذا قبلَ أحدُ رجاله أن يتزوجك، ستنسين كل هذا الاكتئاب بعد الزواج". في محاولة لكشف الحجاب عن المرض النفسي، ذاك الذي لا يعير له الوعي الشعبي الاهتمام الكبير داخل مجتمعاتنا، بل نعتبره تابو ونربطه بتابوهات أخرى، نجد له فيها الحلول الخاطئة محملين المسؤولية المريض. التوعية به وكسر الصمت حوله هو ما كتبت من أجله.

اقرأ/ي أيضًا: إيلينا فيرانتي وقوة صداقات الإناث

بدأت الكتابة منذ أن تعلمت الكتابة، وأخلصت لها كلّ حياتها. هذه هي نعيمة البزاز التي غادرتنا صباح البارحة، دون أن ينتصرَ عليها اليأس، مخلصة للقلم ولما وصفت به نفسها قائلة: "لو كنت سعيدة لما استطعت الكتابة. السعداء هم أولئك الذين لا يأبهون لما وراء الأشياء، لا يقلقون حيالها. أما أنا، أنا حزينة لكنني متفائلة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

نادي الشعراء الموتى

رواية "قطف الجمر"... حكاية أرواحٍ معذّبة