17-مارس-2025
مركز نزوح في بورندي (الغارديان)

مركز نزوح في بورندي (الغارديان)

في قلب أزمة إنسانية متفاقمة، وجد آلاف اللاجئين من جمهورية الكونغو الديمقراطية أنفسهم أمام خيار صعب بين البقاء في بلادهم المشتعلة بصراع دموي أو مواجهة المخاطر المحفوفة بالموت في رحلة البحث عن الأمان في بوروندي.

فمع تصاعد الهجمات التي تشنها حركة "إم 23" المتمردة، والمُدعومة من رواندا، اضطر المدنيون إلى الفرار بأعداد كبيرة، مخاطرين بحياتهم لعبور نهر "روسيسي" الهائج الذي يفصل بلادهم عن بوروندي، أملًا في النجاة من حمام الدم المستمر في شرق الكونغو.

بحسب الصحيفة البريطانية، بدأ النزوح الكبير منتصف شباط/فبراير، عندما دخلت قوات الجيش الكونغولي المنسحبة من مدينة بوكاڤو إلى المناطق الجنوبية، وهم يحملون جرحاهم وينقلون معهم أجواء الذعر

عبور محفوف بالموت.. شهادات اللاجئين

نشرت صحيفة "الغارديان" شهادات مؤلمة لعدد من اللاجئين الذين تمكنوا من الوصول إلى بر الأمان، رغم فقدانهم أحبّتهم خلال الرحلة. من بين هؤلاء أتوشا، شابة تبلغ من العمر 23 عامًا، التي وصفت لحظات الرعب التي عاشتها أثناء عبورها النهر في ليلة مظلمة أواخر شهر شباط/فبراير. كان عليها أن تقطع 130 مترًا في تيار مائي سريع، متشبثةً بـ"عوامة بدائية"، بينما كان شاب يساعدها مقابل أجر.

"كنت مرعوبة"، تقول أتوشا لـ"الغارديان. "كان العبور هو الخيار الوحيد أمامي". لكن لحظة وصولها إلى الضفة البوروندية تحولت إلى صدمة مدمرة عندما علمت أن شقيقتيها، اللتين أرسلتهما قبلها والبالغات من العمر 10 و14 عاًما، قد جرفتهما المياه إلى المجهول. تضيف بأسى "وقفت هناك وبدأت أبكي"، مشيرةً إلى أنها الآن واحدة من عشرات الآلاف الذين لجؤوا إلى ملعب رياضي في مقاطعة "سيبيتوكي"، بالقرب من الحدود.

الهروب من الموت.. مأساة متجددة

بحسب الصحيفة البريطانية، بدأ النزوح الكبير منتصف شباط/فبراير، عندما دخلت قوات الجيش الكونغولي المنسحبة من مدينة بوكاڤو إلى المناطق الجنوبية، وهم يحملون جرحاهم وينقلون معهم أجواء الذعر. أحد الجنود المصابين، الذي فقد إحدى عينيه، وجه تحذيرًا صارخًا لأتوشا وعائلتها: "إذا كان بإمكانكم الفرار إلى بوروندي، فافعلوا ذلك اليوم، لأن القتال سيصل إلى هنا الليلة. الناس يُقتلون، والنساء والفتيات يتعرضن للاغتصاب."

أمام هذا الواقع المروع، قرر والدها إرسالها مع شقيقتيها إلى الحدود، على أن يلحق بهم لاحقًا. لم يكن هناك وقت لحزم الأمتعة، فمع دوي إطلاق النار في كل مكان، كانت الأولوية الوحيدة هي النجاة.

تصف أتوشا المشهد، قائلةً: "عندما تكون تحت القصف، لا يمكنك حتى أن تلتقط قلمًا." وعلى طول الطريق، انضمت العائلة إلى جموع من الفارين، بعضهم استخدم الدراجات، حتى وصلوا إلى نهر روسيزي، حيث دفعت 20 ألف فرنك كونغولي ( 6.99 دولار أميركي) لشباب محليين لمساعدتهم على عبور المياه الهائجة.

نزوح جماعي وأوضاع مأساوية في بوروندي

تفيد التقارير الأممية بأن العنف المستمر في الكونغو تسبب في مقتل أكثر من7 ألاف شخص خلال الأشهر الماضية، بينما اضطر مئات الآلاف للنزوح. وفي الشهر الماضي وحده، وصل أكثر من 65 ألف لاجئ إلى بوروندي، في أكبر موجة نزوح تشهدها البلاد منذ عقود، وفقًا لبيانات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

لكن بوروندي نفسها تعاني من أزمة إنسانية متفاقمة، حيث تواجه صعوبات في استيعاب اللاجئين الجدد، إلى جانب عودة لاجئيها من أزمات سابقة، والنزوح الداخلي بسبب التغيرات المناخية.

يقول رئيس بعثة منظمة "أنقذوا الأطفال" في بوروندي، جيفري كيرينغا: إنها "حالة طوارئ لا تحظى بالتغطية الكافية. قدراتنا الحالية مرهقة تمامًا، والتمويل غير كافٍ لمواجهة هذا التدفق الهائل".

أما مدير مكتب اللجنة الدولية للإنقاذ في بوروندي، أمادو علي، فيؤكد أن الأزمة تجاوزت كل التوقعات ، قائلًا: "عندما ترى هذا الوضع، لا يسعك سوى أن تقدم المساعدة، سواء كانت مادية، معنوية، أو مالية. الدعم اليوم ضروري أكثر من أي وقت مضى".

معاناة في مراكز الإيواء

عند زيارة "الغارديان" لمخيم اللاجئين في ملعب "سيبيتوكي"، كان المشهد صادمًا: مئات العائلات تتزاحم في طوابير طويلة للحصول على الماء والطعام، بينما تتولى فرق الصليب الأحمر توزيع مستلزمات أساسية، مثل البطانيات والصابون وحصائر النوم وشبكات لمقاومة البعوض. لكن رغم هذه الجهود، لا يزال الكثيرون يفتقرون إلى الضروريات.

تقول أتوشا: "الناس يعانون هنا. الحصول على وجبة طعام ليس مضمونًا، والظروف المعيشية صعبة للغاية".

فقدان العائلات.. جراح لا تلتئم

لم تكن أتوشا الوحيدة التي فقدت عائلتها خلال الرحلة، فهناك قصص مؤلمة أخرى يرويها اللاجئون. تيريز، البالغة من العمر 46عامًا، دفعت لرجل مبلغًا ليعبر بطفليها، البالغان 12 و14 عامًا، إلى الضفة الأخرى على أمل أن يعود لأخذها لاحقًا. لكنه لم يعد أبدًا"، تقول: "بكيت كثيرًا، قالوا لي إنني سأجدهما في بوروندي، لكن لم يكن هناك أي أثر لهما".

أما إيمانويل، البالغ من العمر 15 عامًا، فقد انفصل عن عائلته في خضم الفوضى التي اندلعت عندما بدأ إطلاق النار في قريته جنوب بوكاڤو. بينما هربت عائلته نحو التلال، ركض هو باتجاه الحدود، ليصل إلى بوروندي بعد يومين من السير في البرية، بعد أن شاهد جثثًا ملقاة على الطريق ونساء يلدن وسط انعدام أي مساعدة طبية، "لا نعرف إن كانوا أحياء أم أمواتًا. سمعنا أن المقاتلين قصفوا التلال"، تحدث بحزن.

محاولات للعيش وسط الفوضى

رغم المأساة، يحاول بعض اللاجئين التأقلم والمساعدة بقدر الإمكان، سفاري، وهو معلم سابق، بدأ بتعليم الأطفال الأبجدية، مستخدمًا لوحًا أسود صغيرًا وقطعة من الطباشير. أما أتوشا، فكانت تعتني بالأطفال الصغار، تحاول تسليتهم بألعاب الألغاز الخشبية أثناء انشغال والديهم بتسجيل أسمائهم للحصول على المساعدات.

"نحن جميعًا إخوة هنا، إذا كنت قادرًا على مساعدة شخص آخر، حتى ولو كنت تعاني بدورك، فعليك أن تفعل ذلك"، تقول أتوشا لـ "الغارديان".

نداء لإنهاء المعاناة

بينما تتزايد معاناة اللاجئين في بوروندي، تطالب أتوشا كما الكثيرون بحل جذري للصراع. وتقول: "نريد من قادتنا أن يجلسوا معًا لإيجاد حل. من المحزن أن نرى أناسًا يموتون، وعائلات تتفكك".