14-فبراير-2019

تفنن الشباب والمراهقون في الجزائر في صناعة رجل الثلج وتضمينه رسائلهم السياسية والاجتماعية (أ.ف.ب)

ركّزتْ وسائل الإعلام الجزائريّة، وهي تواكب تراكم الثّلوج هذه الأيّام، والتي أدركت حتّى المدن السّاحليّة، على ما خلّفته من معاناة المقيمين والمسافرين، ولم تنتبه، ما عدا بعضها، إلى تفاصيل صغيرة في تعامل الشّباب الجزائريين معها.

تنافس شباب الولايات الجزائرية التي تسقط فيها الثلوج فتفننوا في مخلوقاتهم الثلجية وفي تضمينها رسائل سياسية واجتماعية

وتُشكل تلك التّفاصيل عتباتٍ رمزية لرصد تحوّلات عميقة لديهم، منها أنّ رجل الثّلج، الذّي رأينا الشّباب يشكّلونه في السّنوات القليلة الماضية، وقد تناقلت صفحات فيسبوك مئات النّماذج منه أجملُ وأدقُّ من رجال الثّلج السّابقين.

اقرأ/ي أيضًا: التعري وتخييط الأفواه وحرث الطرق.. طرق مبتكرة للاحتجاج في الجزائر

بل إنّ هناك لمساتٍ أضيفت إليه جعلته مختلفًا تمامًا، منها وضع قبّعة له أو مناديل، حتّى أنّ أحدهم علّق في فيسبوك بالقول: "وضعتُ له قبّعة حتّى لا يُصاب بالبرد".

هنا، علينا أن نعود إلى الوراء الجزائريّ قليلًا لنرصد التغيّرات، التّي طرأت على رجل الثّلج الجزائريّ، إذ يمكننا أن نفهم تحوّلات المهارة وما يتعلّق بها من ذهنيّة ونفسيّة لدى الشّابّ الجزائريّ، من خلال هذا المعطى فقط.

فبُعيد الاستقلال الوطنيّ عام 1962، كانت هناك كرة الثّلج لا رَجُله. ثمّ كرة برأس، ثمّ كرة برأس ويدين عادة ما تكونان حطبتين، ثمّ رجل ثلج غير متقن، ثم رجل ثلج يكاد يتنفّس لشدّة إتقانه.

لقد سرت روح المنافسة بين شباب الولايات المعنيّة بتساقط الثّلوج، مثل تيزي وزّو وبجاية والبويرة وسطيف وقسنطينة وباتنة والجلفة ومعسكر والمديّة، حيث يبلغ سمكها في بعض المناطق مترًا، فراحوا يتفنّنون في "مخلوقاتهم" الثّلجيّة، وفي الرّسائل السّياسيّة والاجتماعيّة، التّي تتضمّنها وتوحي بها تصريحًا لا تلميحًا.

إنّنا بصدد جيل مبدع لكنّه غير مؤطّر. والتّأطير هنا لا يعني التّعليب الأيديولوجيّ والسياسيّ بل يعني توفير الفضاء، الذي يحتفي بالكفاءة، منذ بوادرها الأولى من الأسرة إلى المدرسة إلى الشّارع إلى المؤسسات الثّقافيّة والجمعويّة والإعلاميّة، حيث لا تتنفّس تلك الكفاءة إلا هواء التّشجيع والتّحفيز، فتنمو عبقريتها في اختصاصها، وتتطوّر أدواتها وتكون جاهزة للانطلاق في إثبات الذات والوجود والحضور.

وإنّ غياب هذا المحيط بالمواصفات المشار إليها، في المشهد الجزائري، حرم البلاد من أولادها، وحرم الأولاد من خيرات بلادهم، مثل عجوز أنجبت قبيلة، لكنّها تعيش في دار الشّيخوخة، أو طفل يفيض ثديا أمّه حليبًا، لكنّه يبيت على الطوى ويظلّه، ممّا أنعش تمرير الرّسائل بطرق غير تقليديّة، بعد أن فشلت الرسائل التّقليدية في إيصال المطالب والتطلّعات والطّموحات، مثل الإضرابات والمسيرات والاعتصامات.

نحن بصدد جيل مبدع لكنه غير مؤطر. والتأطير لا يعني التعليب الأيديولوجي وإنما الاحتفاء بالكفاءة منذ بوادرها الأولى

واللّافت للانتباه هذا الموسم توجههم إلى تأنيث رجل الثّلج. ربما تعبيرًا منهم على أنّ قانون الماليّة الجديد، سيؤخّر مشاريع زواجاتهم. عبّروا بالنّار فلم يفهموهم. عبّروا بالثّلج فلم يفهموهم. عبّروا بالبحر فلم يفهموهم. وإنّي أتوقّع مظاهرة في يوم قريب، سيخرج فيها الشّباب الجزائريون، وفتحات سراويلهم مفتوحة لعلهم يُفهمون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حتى التماثيل لم تسلم من المسخ في الجزائر

غرافيتي الجزائر.. لم يتبق إلى الجدران