لم تتحمل نجلاء ذات الأربعين عامًا عنف زوجها الذي بات عادة يومية؛ تارة بالسب وأخرى بالضرب وثالثة بالهجر. ما اضطرها لمغادرة بيتها الذي ذبلت فيه زهرة شبابها، تاركة خلفها ولدان في المرحلة الإعدادية، يبلغان من العمر 12 و14 عامًا، لتجر ما تبقى لها من قوة ذاهبة إلى بيت والدها المهجور، عاقدة العزم على عدم العودة مرة أخرى مهما كانت الضغوط.
تقول الأربعينية المصرية الحاصة على مؤهل جامعي في حديثها لـ "الترا صوت" : "على مدار أكثر من 10 أعوام بالكاد يمر يوم دون ضرر يقع عليّ بسبب زوجي الذي يتفنن في إيقاع الأذى بي، فكرت كثيرًا في الانتحار لكن خوفي من غضب ربي حال دون الإقدام على تلك الجريمة. وبعد عشرات المرات التي خرجت فيها من البيت وعدت مرة أخرى بعد إلحاح وضغوط من الأهل، عقدت النية على ألا أعود هذه المرة مهما كان الثمن. فالطلاق بالنسبة لي حاليًا الحل المثالي للإفلات من هذه الحياة التي تحولت إلى كابوس يؤرقني ليل نهار".
خلال العام 2024 إرتفعت معدلات العنف ضد المرأة بنسبة 25.68%، مقارنة بزيادة قدرها 23.76% خلال عام 2023، و5.7% في عام 2022، فيما قفزت بشكل جنوني خلال عام 2020 بنحو 96.39%
لم تكن نجلاء سوى حالة واحدة من طابور طويل من مئات وربما آلاف النساء اللائي تعرضن لأحد أنواع العنف من الرجال، وهو ما توثقه الأرقام التي تشير إلى أن العام الماضي 2024 كان الأكثر عنفًا ضد المرأة في مصر خلال العقد الأخير، حيث سجل نحو 1195 جريمة عنف ضد النساء بصفة عامة، ما بين جرائم عنف أسري (540) وجرائم قتل (363 جريمة) والشروع في قتل (100 جريمة) وجرائم اغتصاب (153 جريمة) وتحرش جنسي (182 جريمة) وضرب مبرح تسبب في إصابات فادحة وعاهات ومنع من الحركة (103 جريمة) هذا بخلاف 97 جريمة انتحار و33 محاولة انتحار فاشلة.
ربع المصريات يتعرضن للعنف
بحسب المسح الصحي للأسرة المصرية، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، فإن 25% من السيدات المصريات ( حوالي 13 مليون امرأة) يتعرضن للعنف الجسدي، في الوقت الذي تتعرض فيه 22% منهن للعنف النفسي، مقارنة بـ 6% منهن خضعن لتجربة العنف الجنسي.
مكتب إعلام الأسرى أفاد بأن 31 أسيرة فلسطينية محتجزات في سجن الدامون يواجهن ظروفًا مأساوية.
اقرأ أكثر: https://t.co/it4cqLELmr pic.twitter.com/VyTJeuNgVF
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) May 9, 2025
وخلال العام 2024 إرتفعت معدلات العنف ضد المرأة بنسبة 25.68%، مقارنة بزيادة قدرها 23.76% خلال عام 2023، و5.7% في عام 2022، فيما قفزت بشكل جنوني خلال عام 2020 بنحو 96.39% وذلك وفقًا للتقرير السنوي، الصادر عن مرصد "جرائم العنف الموجّه ضد النساء والفتيات" في مصر، التابع لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، خلال الفترة من 1 كانون الثاني/يناير إلى 31 كانون الأول/ديسمبر 2024، طبقًا للوقائع المبلّغ عنها رسميًا، والتغطيات الصحفية الحكومية والمستقلة، وبيانات النيابة العامة والإدارية.
وتُعرّف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة على أنه "أي سلوك خشن يمارس ضدّها، ويقوم على التعصّب للجنس، ويؤدّي إلى إلحاق الأذى بها على الجوانب الجسديّة، والنفسيّة، والجنسيّة، ويُعدّ تهديد المرأة بأيّ شكل من الأشكال، وحرمانها، والحدّ من حريتها في حياتها الخاصّة أو العامة من ممارسات العنف"، ويمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي أقرتها المنظمات الأممية المختلفة.
القاهرة الكبرى في الصدارة
هناك معتقد شعبي مصري بأن جرائم العنف الأسري في الغالب تكون مرتبطة عكسيًا بالمستوى التعليمي والحضري للمواطن، فكلما كان مستوى التعليم مرتفعًا والإقامة في المدن، كلما انخفض معدل العنف ضد المرأة والعكس، غير أن التقرير السنوي لجرائم العنف على النساء، الصادر عن مؤسسة "براح آمن"، لعام 2024، بعنوان: "ما نعرفه فقط عن جرائم عنف المجال الخاص في مصر" جاء ناسفًا لهذا المعتقد.
التقرير أظهر أن أكثر من نصف الجرائم المرتكبة ضد المرأة كانت في القاهرة الكبرى ( القاهرة 32.7%، تليها محافظة الجيزة بنسبة 23.3%) فيما جاءت محافظات الصعيد في المرتبة الثانية بـ 48 جريمة (30 في سوهاج، 10 في قنا، 5 في أسيوط، وواحدة في بني سويف، واثنتان في الفيوم) أما محافظات الدلتا فجاءت في المرتبة الثالثة، بـ 31 جريمة بها (محافظة الشرقية 6 حالات، والدقهلية 9 حالات والغربية 12 حالة وكفر الشيخ 5 حالات ودمياط حالتين، ورصدت 5 حالات في البحيرة ).
"كان العنف ضد النساء جزءًا من الدعاية الإسرائيلية المنظمة، التي اقتحمت بسهولة الإعلام الغربي السائد".
مقال @ArajIzzeddin:
https://t.co/1H3nPRlBsI pic.twitter.com/02FwNAdzbO— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 4, 2024
أما محافظة الإسكندرية فرغم تعدادها السكاني الكبير إلا أنها شهدت 3 حالات عنف ضد المرأة فقط، تلتها الإسماعيلية بحالتين، والسويس بحالة واحدة، وفي المحافظات الحدودية تم رصد جريمة واحدة في شمال سيناء، و جريمتين في البحر الأحمر، فيما كشف التقرير أن هناك جرائم عنف ضد المرأة لم توثق بعد بسبب خوف النساء من الكشف عنها خشية تعرضها لأي أذى مجتمعي أو ذكوري أو عائلي.
القاصرات الأكثر استهدافًا
تعكس البيانات الواردة في التقارير سالفة الذكر أن الفتيات في الفئة العمرية بين 12 – 18 عامًا هن الأكثر استهدافًا للعنف، المؤشر الذي يكشف واقع القاصرات في مصر وما يتعرضن له من أضرار بالغة الخطورة، وهو ما يمكن أن يرسم صورة قاتمة عن مستقبل هذه الشريحة وانعكاس ما تعرضن له في الصغر على حياتهن في الكبر.
الأرقام تشير إلى أن 89% من الجرائم التي تعرضت لها المرأة ارتكبها رجال، الغالبية العظمى منهم أفراد من الأسرة أو شركاء حاليين أو سابقين، كما جاءت أغلب الجرائم المرتكبة لأسباب أسرية، خلافات عائلية أو زوجية، تليها جرائم القتل بسبب الشك في السلوك الأخلاقي أو السرقة، فيما كانت أكثر طرق القتل شيوعًا هي الطعن (23.1%)، الخنق (19%)، والضرب المبرح (15.4%)، تم تسجيل 3 حالات تشويه بالأسيد، وأخرى باستخدام آلات حادة.
سجلت التقارير إرتفاعًا ملحوظًا في معدلات العنف الرقمي وما يستتبعه من تداعيات، حيث وثقت نحو 60 جريمة ابتزاز، منها تصوير للضحايا بعد الإيقاع بهن، كذلك شهدت الجرائم ضد ذوي الاحتياجات الخاصة تزايدًا كبيرًا، حيث وثق 13 حالة اغتصاب لفتيات من ذوات الإعاقة، علاوة على 33 محاولة انتحار و79 جريمة انتحار بسبب العنف الأسري، التنمر، الضغوط الاجتماعية، أو الابتزاز.
الاقتصاد ليس السبب الوحيد
يذهب الأكاديمي عبدالشافي مقلد، المستشار الاقتصادي لمركز الشرق الأدنى للدراسات بالقاهرة (مستقل) إلى أن العامل الاقتصادي هو الأبرز وراء إرتفاع معدلات العنف ضد المرأة، حيث إرتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم وتدني الأجور قياسًا بقيمتها الشرائية، مما حوّل الحياة إلى كابوس بالنسبة لكثير من الأسر وهو ما انعكس بطبيعة الحال على العلاقة بين الأزواج حيث اختلاق الأزمات والمشاكل.
ويؤكد الخبير الاقتصادي في حديثه لـ "الترا صوت" أن كثيرًا من جرائم القتل الأسري التي شهدتها الساحة المصري خلال السنوات الماضية كانت ورائها الأزمة المعيشية الخانقة التي يعاني منها الزوج ما دفعه لارتكاب مثل تلك الجرائم، مدفوعا بهزة نفسية عنيفة بسبب الوضع المعيشي الصعب الذي يحياه وعجزه عن الوفاء بالتزامات الأسرة الحياتية.
وبحسب الإحصاء الرسمي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، فإن معدل البطالة في مصر بلغ 6.6% في عام 2024، بينما بلغت قوة العمل في البلاد 32.041 مليون فرد هذا العام (منهم 14.078 مليون مواطن في المدن، و17.963 مليون في الريف).
كشفت منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من ربع المراهقات في العالم تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي على أيدي شركائهن.
التفاصيل في التقرير: https://t.co/FgoTimWFYq pic.twitter.com/8IzVdTdHoq
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) July 30, 2024
وتشير تقديرات البنك الدولي المنشورة للعام السابق، إلى أن نسبة الفقر بين المصريين وصلت إلى 29.7%، بعدما كانت 32.5% عام 2022، هذا بخلاف غول الدين الخارجي الذي يتجاوز 155 مليار دولار. وقدرت نفقات خدمة الدين في مشروع موازنة العام المالي 2024/2025، بحوالي 62% من إجمالي المصروفات العامة.
غير أن الاقتصاد – وعكس الشائع- ليس السبب الوحيد وراء تنامي معدلات جرائم العنف ضد المصريات، فهناك دوافع وأسباب أخرى لا تقل خطورة وتأثيرًا، منها غياب الحماية القانونية، حيث لا توجد مظلة تشريعية تحمي النساء بشكل مطلق، ومن أبرز المسائل المتعلقة بهذا الأمر جرائم الشرف، حيث إقدام الذكور على قلت أو إصابة شقيقته أو والدته أو زوجته بداعي الحفاظ على الشرف.
وهي الجرائم التي لا يغلظها قانون العقوبات المصري، وعلى العكس يمنحها أحكاما مخففة، قد تصل للبراءة، مما يشجع الرجال، خاصة في صعيد مصر، على المضي قدما في ارتكاب مثل تلك الجرائم لأتفه الأسباب دون رادع حقيقي أو خوف من العقاب المغلظ التي يلجم سلوكياته ويدفعه للتفكير مليًا قبل الإقدام على هكذا جرائم.
وتتحمل الثقافة المجتمعية الذكورية جزءً من المسؤولية بحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، سعيد صادق، الذي يرى أن كثيرًا من جرائم العنف ضد المرأة المنتشرة حاليًا مرتبطة بالثقافة الدينية التي تبيح تعنيف الزوجة، تارة باسم الحق الشرعي وأخرى باسم قوامة الرجل وثالثة باسم العرف المجتمعي.
ويشير أستاذ علم الاجتماع السياسي إلى أن كثيرًا من ضحايا العنف من النساء هم في الحقيقية أسرى لمعتقدات ذكورية واهية، ترسخت في العقل المجتمعي المصري منذ عقود، عززها الخطاب الديني الذي في بعض الأوقات يبرر القمع ويضغط على المرأة لتقبله بحجة الحفاظ على الأسرة والبيت من الدمار.