30-يوليو-2021

ريلكه والجزء الثالث من أعماله الشعرية الكاملة

ألترا صوت – فريق التحرير

في عام 1914، وخلال فترة التعبئة العامة للحرب العالمية الأولى، كتب الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه (1875 – 1926)، قصيدة طويلة تضم خمسة مقاطع تحت عنوان "خمسة أناشيد"، نُشرت للمرة الأولى عام 1915. وبحسب الباحث النمساوي غيرالد شتيغ، تجسِّد هذه القصيدة: "ما ساد أولى لحظات الحرب تلك من غيابٍ للوضوح شاملٍ دفع شاعرًا هو من أهم ممثلي حرية الشعور الإنساني إلى الانقياد إلى النداءات القومية الاحترابية".

ويضيف: "الفارق بين ريلكه وسواه ممكن كتبوا عن الحرب هو وعيه بفقدانه الوشيك لصوته الخاص أمام نداء الجماعة (...) ومنذ منتصف هذا النص، وهو الوحيد الذي كتبه عن الحرب، تراه ينقلب من التهليل للحرب إلى تأكيد فظاعاتها وكونها آتية لمحو التراكم الثقافي الطويل الأمد للإنسانية".

اخترنا هذه القصيدة من كتاب "سونيتات إلى أورفيوس، يسبقه مراثي دوينو، وقصائد أخرى"، الصادر عن "منشورات الجمل" عام 2009 بترجمة المترجم والشاعر العراقي كاظم جهاد. ويُعتبر الكتاب الجزء الثالث من الأعمال الشعرية الكاملة، التي أصدرها ريلكه وأشرف على طباعتها بنفسه.


1-

للمرّةِ الأولى أراكَ تنهض

يا إلهَ الحربِ العجيبَ الشّهيرَ البعيدَ. إنّني أرى

كمْ كانَ الفِعلُ المُرعِبُ، الفِعلُ المُباغِتُ في نشأتِه،

مبذورًا بغزارةٍ وسْطَ الإيناعِ الهادئ.

أمسِ كانَ ما يزال صغيرًا وبحاجةٍ لأنْ يُغَذّى وهوَ الآنَ

واقفٌ وطويلٌ القامةِ كالإنسانِ، وغدًا سيكون

صارَ أكبرَ من الإنسان. ذلكَ أنَ الإلهَ المتأجّج

ينتزعُ النّموَّ دفعةً واحدة

من الشّعبِ المتجذّرِ، ويبدأ الحصاد.

صوبَ عاصفةِ الرّجالِ يشرئبُّ الحقلُ إنسانيًّا. والصّيف

يبقى منزويًا بين ألعابِ الرّيفِ السّاحرِ، مُتَجاوَزًا،

والصّغارُ أيضًا يبقونَ، لاعبينَ، والشّيوخ

تصحَبُهم ذكرياتَهم، وكذلك النّسوةُ الواثقاتُ؛ أريج اشجارِ الزّيزفونِ العبِقة

يفعَمُ مشهدَ الوداعِ الشّاملِ؛ هذه الرّائحة

المُشْبَعةُ إذ نتنفّسُها

تظلُّ لسنواتٍ طويلةً مكتنزةً بِمعنى.

والخطيباتُ يُصبِحنَ مختاراتٍ أكثرَ: كما لو لم يكنْ خطيبٌ واحد

قد اختارَ كلًّا منهنّ، بل الشّعبٌ كلُّه

منذورٌ للانجذابِ إليها. نظَراتُ الاستحسانِ المتمهلة

التي يُلقيها الصّبْيانُ تكتنفُ الفتى الذي يغادرُ، والذي مِن هذه السّاعة

يَلِجُ المستقبلَ بأكثرَ اجتراءً؛ هو الذي كان قد سَمِعَ منذ وهلة

مائةَ صوتٍ، جاهلًا أيّ صوتٍ هوَ المُحِقّ،

كم يتنفّسُ اليومَ الصّعداءَ بفضلِ هذا النداءِ الموحَّدِ: فحقًّا أيُّ شيء

لن يكونَ يا ترىِ باطلًا أمامَ المَساسِ الفرِحِ، أمامَ المَساسِ المؤكَّد؟

أخيرًا هوَ ذا إلهٌ! ما دما صرْنا أغلبَ الأحايينِ نَعجز

عن الإمساك بإلهِ السّلْمِ فإنّ إلهَ الحروب

هوَ من يُمسِكُ بنا على حينِ غرّة،

وهوَ مَن يَنفثُ النَّارَ؛ بَينا يصرخُ فوقَ القلبِ الممتلئِ بالوطن

ذلكَ الذي يسكنهُ إلهُ الحروبِ هذا، مُندِّدًا، في ظلِّ سمائه المتأجِّجة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حافظ إبراهيم: اللغة العربية تنعى حظّها بين أهلِها

أحمد شوقي: نهج البردة