09-يناير-2018

راهيم حساوي

منذ روايته الأولى "الشاهدات رأسًا على عقب"، لم يتوقف الكاتب السوري راهيم حساوي عن البحث عن ماهية الموت والانتحار والعشق، وتفحّص عبثية الحياة.

تبدو جائزة نوبل للسّلام صيدًا روائيًا، يفضح زيف هذا العالم في رواية "الباندا"

في روايته الجديدة "الباندا" (دار نوفل - هاشيت أنطوان، 2017) يتجاوز راهيم حساوي القضايا الضيقة ليذهب إلى أمداء أوسع، حيث تبدو جائزة نوبل للسّلام صيدًا روائيًا، يفضح زيف هذا العالم.

يرصد راهيم حساوي واقع عائلة سورية، يؤرق ربَّها عاصم التل المعنى التي تحمله جائزة نوبل للسلام، ويقوم بتأليف ملفات نظرية عن الجدوى من هذه الجائزة، ليُقدم بعد ذلك على الانتحار في مكتبه، دون معرفة الأسباب الحقيقة، سوى ما قدمه الكاتب عن تفسير الأمر على أنه إصابة بلوثة الإحساس بزيف العالم، الذي يقود الفرد إلى هاوية الجنون، والذي سيمسّ الابن أيضًا كما الأب.

اقرأ/ي أيضًا: راهيم حسّاوي: أنا سريع مثل الكهرباء

الإحساس الضاري بأنه عالم واهٍ وملفَّق لم ينتقل إلى عمران فقط، بل إنه أصيب بحمى ضرورة العمل على إيقاف هذه الجائزة، لصالح جوائز أخرى، معتبرًا إياها "تحط من شان كل فرد في هذا العالم لصالح فرد آخر يعيش تحت الضوء، في حين أن هناك  مليارات الناس لا يمكن لأحد أن يرصد تجربتهم الإنسانية، التي تقوم على أدق التفاصيل التي تكلفهم سنوات عمرهم دون أن يعرفوا ما معنى نوبل للسلام".

[[{"fid":"97874","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"رواية الباندا","field_file_image_title_text[und][0][value]":"رواية الباندا"},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"رواية الباندا","field_file_image_title_text[und][0][value]":"رواية الباندا"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"رواية الباندا","title":"رواية الباندا","height":333,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

من بين هذه المليارات هناك كلودين، ابنة شادن، التي تُدخل الفرح والطاقة والحيوية إلى قلوب الجميع، والتي أشعلت القليل من الأمل في قلب الدكتور عزام الذي ينتظره الموت. وهناك أيضًا أم حازم التي انتشلت العمة سعادة من المرض والاكتئاب، واستطاعت أن تفعل الكثير لأبناء القرية حين تقيم معها.

عمران نموذج إنساني مناسب ليترشّح لنيل جائزة نوبل للسلام. شخص نموذجي لهذا المسار، على النقيض منه فريدة الأسعد، سيئة الصيت والسمعة، تقدم نفسها بشكل رسولي، على أنها مخلّصة الأطفال من الفقر والشر. نجحت في أن تكون متحدثة رائعة في الصحافة والإعلام، واستطاعت امتلاك منبر حرّ، رغم أنها تحمل في داخلها كمية كره وأنانية واحتقار لزوجها. كأن الكاتب أراد أن يضعنا في قلب الخديعة، عبر عالم جميل من الخارج، يقف على مسرح مضيء، وأمامه جمهور، لكي تنال جائزة تسميّها أفضل شخصية إنسانية، لكن ماذا عن الإنسان في داخله؟ ماذا عن كمية الكره بعيدًا عن هذه اللحظة التاريخية؟ ماذا عن كمية الشر التي تتحكم بسلوكه؟ ماذا عنه في الغرف المعتمة، البعيدة عن أضواء الجائزة؟ تلك هي الأسئلة التي تظل متروكة برسم تفكير القارئ.

لم ترصد رواية "الباندا" لنا فقط حال جائزة نوبل للسلام، بل دخلت عبر سردها البسيط - العميق إلى أجزاء دقيقة من واقعنا الحياتي. عبر شخصيات العمل الروائي التي كانت في معظمها شخصيات نسائية قوية، متحررة من السلطة الذكورية، تعيش أقصى الحياة بنهم وشراهة كما هي سارة، الفنانة التشكيلة الفاشلة، كما تقول عن نفسها.

إنسانية العالم الذي نعيشه مهددة بالانقراض كما هو حال دب الباندا

هناك حب شادن الذي أثمر عن طفلتها كلودين، تلك الفتاة الشابة المشبعة بالطاقة والحيوية، وهناك رحاب، زوجة عاصم التل، التي تقوم بالزواج بعد فترة قصيرة من انتحار زوجها. وجيداء، أخت عمران، وعلاقتها الغريبة نوعًا ما مع سكرتيرتها غادة.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "الباندا" لراهيم حساوي.. العبث بعبث الحياة

"الباندا" رواية عن عبثية الحياة، وعن قيمة الإنسان الزائفة، واقتراب انقراض الإنسانية كما اقترب انقراض دب الباندا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مشاءة" سمر يزبك

إياد شاهين الذي صفعنا ومات