05-أبريل-2016

شكّل عدم انتخاب النصراوي صدمة في الشارع الحقوقي التونسي (الأناضول)

عند الحديث عن النضال الحقوقي في تونس من أجل الحق في السلامة الجسدية ومناهضة التعذيب، سواء قبل الثورة أو بعدها، قد لا يتبادر إلى الذهن إلا اسم راضية النصراوي، وهي التي تترأس المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب. كما أنها تشغل خطة عضو خبير في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وسبق وتمّ ترشيحها في القائمة القصيرة لجائزة نوبل للسلام.

عند الحديث عن النضال في تونس من أجل السلامة الجسدية ومناهضة التعذيب، سواء قبل الثورة أو بعدها، قد لا يتبادر إلى الذهن إلا اسم راضية النصراوي

ورغم تمثّلها كأيقونة في مجال النضال الحقوقي لمناهضة التعذيب، كانت المفاجأة في تونس، الأسبوع الماضي، بعدم انتخابها من البرلمان في تركيبة الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، وهي مفاجأة قد لا تعكس اختصارًا إلا انتصارًا للحسابات السياسية على الأبعاد الحقوقية.

اقرأ/ي أيضًا: رسالة إلى صديقي الحقوقي المؤدلج‎

راضية النّصراوي وبالإضافة إلى كونها ناشطة حقوقية، هي زوجة حمّة الهمّامي، زعيم أكبر تحالفات المعارضة، الجبهة الشعبية، التي تضمّ لفيفًا من الأحزاب اليسارية والقومية، والتي سبق وأن ترشحت النصراوي على إحدى قوائمها الانتخابية. ويبدو أن هذه الصّفة قد جنت عليها بعدم تصويت كتل الأحزاب الحاكمة لها.

وتتكوّن الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، وهي أول هيئة للغرض في العالم العربي، من 16 عضوًا منهم 6 عن فئة المجتمع المدني، وهي الفئة التي ترشحت عنها راضية النصراوي بصفتها رئيسة للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب. ويتمّ انتخاب أعضاء هذه اللجنة لأوّل مرّة، وهي التي تمّ إحداثها بقانون قبل سنتين، بأغلبية ثلاثة أخماس، وهو ما يستلزم دعم كتل الائتلاف الحاكم لجميع المرشّحين.

وقد تمّ في جولة أولى، انتخاب 5 أعضاء من أصل 6 استطاعوا الحصول على الأغلبية المطلوبة، ليبقى مقعد وحيد محلّ صراع بين عدد من المرشّحين أهمهم النّصراوي وضياء الدين مورو، وهو محام ونجل نائب رئيس مجلس نواب الشعب ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو، الذي حسم المقعد لصالحه باكتساح في النهاية.

وشكّل عدم انتخاب النصراوي صدمة في الشارع الحقوقي التونسي، خاصة وأن المراقبين يرونها الأحق أصلاً برئاسة هذه الهيئة نظرًا لنضالها الحقوقي طيلة عقود من أجل مناهضة التعذيب، إضافة لخبرتها في هذا المجال وهي التي تشغل خطة خبير في اللجنة الأممية الناتجة عن الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

شكّل عدم انتخاب راضية النصراوي صدمة في الشارع الحقوقي التونسي، خاصة وأن المراقبين يرونها الأحق أصلًا برئاسة الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب

ولقي سحب البساط من تحت أقدام النصراوي احتجاجًا من أكبر كتل المعارضة، الجبهة الشعبية، التي صرّح أحد نوابها قبل انعقاد جلسة الانتخاب بوجود اتفاق بين كتل الائتلاف الحكومي، وتحديدًا بين حركتي النهضة ونداء تونس، على إقصاء النّصراوي من عضوية الهيئة.

ويبدو أن انتصار الحسابات السياسية على الجوانب الحقوقية لم يشمل النصراوي فقط، حيث شمل كذلك الحقوقية إيمان الطريقي التي تترأس منظمة حرية وإنصاف، واحدة من أهمّ المنظمات الحقوقية في تونس. وتحدّثت مصادر صحفية محليّة على أن الاتفاق بين كتل الائتلاف الحكومي لإقصاء النصراوي شمل كذلك إقصاء الطريقي التي يصفها مراقبون بالشخصية المثيرة للجدل نظرًا لحدّة جدالاتها والاتهامات المتبادلة بينها وبين النقابات الأمنية. حيث لم تتحصل الطريقي إلا على ثلاث أصوات فقط.

اقرأ/ي أيضًا: تونس..محاميان أمام القضاء العسكري في ذكرى الثورة!

ولم تشفع للطريقي صفتها كشقيقة للقيادي في حركة النهضة سامي الطريقي، للحصول على دعم كتلة الحزب. ولا يُستبعد أن يكون زوجها السياسي والحقوقي مراد النوري قد جنى عليها كذلك، خاصة وأنه يجاهر بعدائه الشّديد لحركة النهضة وزعيمها تحديدًا راشد الغنوشي.

في النهاية، يؤكد عدم انتخاب راضية النصراوي لعضوية الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، أن العامل السياسي يبقى هو العامل الحاسم بين الكتل البرلمانية في انتخاب أعضاء الهيئات الوطنية، وذلك على حساب الكفاءة وفاعلية دور النضال التاريخي. فلم يشفع للنصراوي ترؤسها للمشهد الحقوقي التونسي لمناهضة التعذيب، ودفاعها بصفتها محامية عن الإسلاميين في زمن الاستبداد، للحصول على دعم كتلة حركة النهضة. ويبدو كذلك أن عدم انتخاب النصراوي يؤكد أن انتصار السياسي على الحقوقي يبقى هو القاعدة وليس الاستثناء.

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. تعذيب يتذرع بالإرهاب

العنف على رقاب 47% من التونسيات