31-يناير-2023
مانشستر يونايتد

"Getty" جيم راتكليف

"لقد شهد عام 2022 تغيير ذلك الاتجاه السلبي الذي ظل مسجلاً على مدى عامين في إنفاق الأندية على انتقالات اللاعبين، حيث بلغ إجمالي نفقات العام الماضي 6.5 مليار دولار أميركي، بزيادة قدرها 33.5% مقارنة بعام 2021، ولكنه لا يزال أقل من الرقم القياسي المسجَّل في 2019 ".

كرة القدم نشاط اقتصادي لا يتأثر كثيرًا بالركود الاقتصادي، نظرًا لحيازته على نوعين من المضادات لأسباب الركود، وهما طبيعة علاقة العملاء ووجود الرغبة المستمرة في الاستثمار بالقطاع من قبل رجال الأعمال

 بهذه الأرقام عبر إميليو جارسيا سيلفيرو، رئيس الشؤون القانونية والامتثال بالاتحاد الدولي لكرة القدم، عن التحسن في مؤشرات السوق الكروية للعام 2022، فعلى الرغم من الركود الاقتصادي الحاد الذي يعيشه العالم اليوم، والذي لامس جل القطاعات، فإن عملاء كرة القدم لم تثنهم آثار الركود من ارتفاع معدلات الأسعار بسبب التضخم وانخفاض معدلات التدفق النقدي للمؤسسات، عن المزيد من الانفاق، فهل كرة القدم محصنة ضد الركود الاقتصادي وتداعياته؟ وإن كانت كذلك فماهي الأسباب؟

مضادّات الركود

 في عرف الاقتصاديين لا يستوي مسمى الركود من قطاع لأخر، فلكل نتيجة سبب، ولكل ركود إحجام، إن كان على مستوى العملاء وهو متمثل في تراجع المعاملات وبالتالي تقلص الواردات المالية، أو على مستوى الثقة، وهو متمثل في تراجع البورصة والمؤشرات المالية.

مانشستر يونايتد

وسط كل هذا تختلف المعايير الاقتصادية من نشاط لآخر حسب نوعية عملاءه، فهنا تبرز مجموعة من الأعمال يسميها الاقتصاديون بالأعمال التجارية المضادة للركود، للعديد من الأسباب والتي تأتي في مقدمتها، استحالة أن يشوب الاحجام علاقات معاملاتها، لأنه بكل بساطة نوعية العلاقات بمثل هذه الأنشطة أعقد من أن تكون تجارية، ومن هنا يمكننا أن نجد وضع مماثل بكرة القدم، بين النادي وجماهيره وبين النادي ورعاته.

مانشستر يونايتد

 فبإلقاء نظرة بسيطة عن حصيلة تقرير ديلويت الذي رصد التطور الكبير في إيرادات الأندية بالعام السابق، وقسم الأدوار التي لعبها عملاء الأندية في ذلك بنسب متفاوتة، فسنجد أن المشاهدات التلفزيونية، والتذاكر، والمؤسسات التجارية الراعية، هي جل مصادر دخل الأندية، والتي يُدرُها العملاء من جمهور ومؤسسات بشكل مضطرد، دون أن يعبؤا بارتفاع نسب التضخم أو غيرها من الأمور، حيث بلغت الإيرادات الإجمالية للأندية العشرين الأكثر دخلاً في العالم ووصلت إلى 9.2 مليار يورو سنة 2022، مقسمة بشكل جزئي بين 44 ٪ من حقوق البث التلفزيوني، و41 ٪ من الإيرادات التجارية والرعاية، و15٪ من مداخيل بيع التذاكر.

لو عدنا الأن لمصطلح الاقتصاديون فيما يخص ثاني مضادات الركود، فستبرز لنا كلمة ذات مفعول سحري ألا وهي الثقة، والمتمثلة تقنيًا في بعض النوايا والوعود التي يطلقها ثِقاتُ المستثمرين..، ومن عالم كرة القدم نفسه نستمد الدليل على ذلك، فلم تمض سوى لحظات قليلة فور إعلان الملياردير البريطاني جيم راتكليف عن نواياه للدخول في سباق شراء نادي مانشستر يونايتد، حتى ارتفعت أسهم النادي الإنجليزي بنسبة 1.2 ٪  خلال تعاملات بورصة نيويورك، فوفق كل هذه  المعطيات لو قيمنا وضع مانشستر يونايتد الاقتصادي، فهو يدخل مؤكدًا في صنف الأعمال التجارية المضادة للركود، وذلك باجتماع الأرباح من العملاء والتي بلغت ال688.6  مليون يورو بسنة 2022 من جهة، مع وجود الثقة والنوايا من قبل المستثمرين من جهة ثانية.

مانشستر يونايتد

فمع غياب أسباب الركود تغيب نتائجه، ويصبح نشاط المؤسسة حيوي ومرغوبٍ فيه، وعندها نجد تفسيرات أسهل لطلب إدارة اليونايتد الذي جاوز ال5 مليارات جينيه إسترليني لبيع النادي في مثل هذا الركود العالمي من ناحية، وصعود هذا  المطلب لقرابة ال10 مليار جينيه إسترليني بعد اعلان راتكليف نيته من ناحية ثانية، ومن هنا نفهم أن كرة القدم نشاط اقتصادي لا يتأثر كثيرًا بالركود الاقتصادي، نظرًا لحيازته على نوعين من المضادات لأسباب الركود، وهما طبيعة علاقة العملاء وهم هنا الجماهير بناديهم، ووجود الرغبة المستمرة في الاستثمار بالقطاع من قبل رجال الأعمال، و لكن ماذا عن علاقة المستثمر بالعملاء؟ وهل يجعل إخلال أحدهم بالأخر اقتصاد النادي أكثر ركودًا؟ 

الكل أكبر من الجزء

العملاء الذين هم عبارة عن جماهير تشتري التذاكر وتشتري حقوق المشاهدة التلفزيونية، وتقتني الأزياء مما يجعل الشركات تتسارع لإبرام عقود الرعاية مع النادي، فهم بعبارة أخرى رأس المال الأصلي للمستثمر بالنادي، فهو يشتري شغفهم  واهتمامهم من خلال الاستثمار لتحسين النتائج الرياضية، لذلك فالعلاقة بين المستثمر والعملاء هي علاقة تناسب طردي، فلا يمكن أن يتناقضوا كجزئين منفصلين بل يجب أن يتكاملوا ككل واحد.

مانشستر يونايتد

وبالعودة لمثالنا الأول مانشستر يونايتد، فجميعنا يذكر التصريحات التي وردت سنة 2019 عبر لسان ادوارد نائب الرئيس التنفيذي بالفريق السابق، والتي من جملتها أنه قال، " لا يؤثر أداء الفريق المتراجع تأثيرًا ملحوظًا على ما يمكننا فعله من الناحية التجارية والتسويقية "، ولكن الأرقام الاقتصادية سرعان ما أثبتت عدم صحة كلامه،  فعلى سبيل المثال نلاحظ أنه عندما فاز اليونايتد باليورباليغ سنة 2017 تحصل على 37 مليون باوند من مداخيل البث التلفزيوني، بينما تحصل على 83 مليون بمجرد بلوغه الربع نهائي من دوري أبطال أوربا سنة 2019 هذا من ناحية.

 راتكليف مرغوب من جمهور اليونايتد، علاوة على كونه بريطاني الأصل والمنشأ فهو محب شغوف باليونايتد منذ طفولته

وهذا نوع من أنواع الركود الاقتصادي، لأن اهتمام الجماهير بدوري الأبطال أكبر، ومن ناحية أخرى قادت مثل هذه الأمور التي تعبر عن إهمال النتائج الرياضية من قبل الملاك إلى العديد من الاحتجاجات من الجماهير والتي طالبت برحيلهم، على خلفية التباين الكبير في وجهات النظر بينهم حول طموحات النادي وأولياته.

مانشستر يونايتد

وفي هذا الصدد بالذات عن علاقة المستثمر بالجمهور، طرحت سكاي سبورت سؤالاً حول مدى ملائمة شخصية راتكليف لجماهير اليونايتد، حيث اعتبر التقرير أن الملاك الحاليين عائلة الجليزر الأمريكية، لم يكن مرحب بهم منذ البداية من قبل الجماهير خاصة مع الطريقة التي حصلوا بها عن النادي، حيث مولت مالكوم جليزر معظم عمليات الاستحواذ عن طريق القروض، باستخدام خطة شراء مدفوعة بدلاً من أموالهم الخاصة.

أما راتكليف فحسب الصحيفة، فهو مختلف تمامًا، إذ أنه علاوة على كونه بريطاني الأصل والمنشأ فهو محب شغوف باليونايتد منذ طفولته، حيث لا يهتم للمال كثيرًا، بل هو يعرف قيمة النادي بالنسبة للمدنية وتاريخها، ويبحث على ما يمكن القيام به الآن من أجل اعادة ضبط الأمور من جديد،

واعتبر كيران ماجواير، الخبير في الأمور المالية لكرة القدم، أن جيم راتكليف سبق أن استثمر في مجال كرة القدم مع نيس الفرنسي، ويمتلك شركة درجات تنافسية، لذا فهو يعرف تقلبات العمل في القطاعات الرياضية، والتحديات الفريدة التي تجابهها إدارة نادٍ لكرة القدم، فهو يعي أن الأمور أكبر من البحث فقط عن عائد مالي، بل هي عوائد عاطفية بين الجماهير والملاك.

من هو جيم راتكليف وهل يستطيع شراء اليونايتد فعليًا؟

جيم راتكليف هو ملياردير بريطاني مالك لمجموعة " إنيوس " للطاقة، وهو أغنى رجل أعمال في بريطانيا حسب أخر التصنيفات، حيث تقدر ثروته بـ15.5 مليار دولار، وترتبط "إنيوس" بقطاع الرياضة منذ فترة طويلة، إذ عملت الشركة كشريك رئيس لـمرسيدس بطل فورمولا1 ثمان مرات، كما تملك فريق " إنيوس غريناديرز" للدراجات وترعى منتخب الرغبي النيوزيلندي.

مانشستر يونايتد

وسيحتاج راتكليف إلى استثمار كبير لشراء النادي، فحسب الخبير المالي في كرة القدم كيران ماجواير فأن الجليزر قد يطلبون ما بين 6 إلى 8 مليارات جنيه إسترليني لبيع مان يونايتد ، وهو ما يمثل رقم عادل بالنظر لقيمة النادي مقارنة بالتقييمات السوقية الخارجية، فهذا السعر يبدو مرتفعًا، إذا قارناه بيبع تشيلسي بمبلغ 2.5 مليار جنيه إسترليني ونيوكاسل بـ 300 مليون جنيه إسترليني فقط، لكن الأمور تختلف بين النوادي.

وعبر ماجواير أن إينيوس هي شركة ثرية للغاية في حد ذاتها، و أن السير جيم راتكليف في موقع يمكنه من الاستحواذ على مانشستر يونايتد وجعله قادرًا على المنافسة داخل وخارج الملعب مع تلك الأندية المملوكة لصناديق الثروة السيادية من الشرق الأوسط ودول أخرى.