24-أغسطس-2017

جانب من نهر بردى وسط دمشق في 2017

هو الصيف والمعرض اقترب. لبسة جديدة وعطر ومشاوير مسائية، وانتظار في موقف الباص الذي ربما لا يأتي، وأحيانًا كرمى لعيون المعرض والصيف يعمل السائقون وقتًا إضافيًا، فالعودة من دمشق بعد منتصف الليل إلى الريف ليست أمرًا باليسير، ولكنها متعة لا تتكرر. هو صيف أواسط الثمانينيات حيث لا شارع في الأرض يساوي ذاك الطريق الممتد من ساحة الأمويين حيث الماء هنا اسمه بردى.

في ذاكرة السوريين، ليس معرض دمشق الدولي إلا شهر مشاوير شبه مجانية، فهُم البؤساء غير القادرين على شراء حتى التذاكر

هو معرض دمشق الدولي بكل تفاصيله التي لا تعني أحدًا من السوريين، وكل الشركات التي تعرض بضائعها في الأجنحة ليست إلا مكانًا للفرجة، والسيارات التي تلمع في أضواء ساحة المعرض ليست أكثر من صور تداعب الأحلام. إنها أواسط الثمانينيات حيث بلد بأكمله محاصر وفقير، ومواطن ربما لا يجد في جيبه سوى تعرفة ركوب الباص الذي يعيده إلى بيته، وعلبة المحارم الورقية حلم عظيم، والموز ليس في قائمة الفاكهة، والسمنة تحتاج إلى أيام من الانتظار للحصول على كيلو واحد منها. إنه أواسط الثمانينيات.

اقرأ/ي أيضًا: دمشق التي لي

هو معرض دمشق الدولي بأعلام الدول المشاركة وأجنحتها: الصين الصاعدة التي توزع مجلاتها وجرائدها، والاتحاد السوفيتي الصديق بكامل قوته، وألمانيا الشرقية حيث إريش هونيكرصديق اشتراكي أشقر، ونيكولاي تشاوشسكو بكامل جبروته سيدًا لرومانيا الصديقة، وأما السوريون فيذهبون ويعودون في ممرات المعرض متفرجين بسطاء على عالم شرقي أكبر من أحلامهم، وأما الغرب فذاك خيال بعيد.

في ذاكرة السوريين ليس المعرض سوى شهر مشاوير شبه مجانية فهم البؤساء غير القادرين على شراء حتى التذاكر، وربما يصبح مشوارهم يوم تعاسة إذا أصرّ الصغار على شراء عرانيس الذرة والبالونات والعصائر، وأما الشباب فهو موسم غزل وحب، وفتيات المعرض أجمل من فتيات الأيام العادية. يا لبؤسنا.

في المعرض تسمع فيروز ليلًا، وهو وقت خاص، لأن فيروز عند سكان شرق المتوسط للصباح فقط، وفيه ستنال حصتك برؤية مطرب عربي شهير، وقد تلتقي بك إذاعة دمشق، وبعد سنوات صار لإذاعة الشرق استديو خاص بالمعرض، أضاف بهجة على قلوب السوريين المعتادين على إذاعة الرسمية وصوت الشعب، والقناتين الولى والثانية.

في معرض دمشق الدولي يمكنك سماع فيروز ليلًا، وهي خصوصية لديه، لأن فيروز عند سكان شرق المتوسط للصباح فقط

أما أهم ما في هذا التقليد السوري فهو النهر الذي يبدأ بالانحسار أيام المعرض، وسنوات قليلة تلك التي يكون فيها منسابًا مليئًا، فهو يتحول في شهر آب إلى ساقية صغيرة قذرة بسبب رعاية الحكومات البعثية له حيث أن الصرف الصحي للأحياء القريبة يصب في النهر، وعدا عن كون المحافظة لا ترى فيه سوى أحد وظائفها المنسية، وذات يوم ليست بالبعيد أحرج السفير الياباني السوريين عندما نزل وطاقم سفارته إلى مجرى النهر في قلب العاصمة لتنظيفه من روث الإهمال.

اقرأ/ي أيضًا: فيروز.. الغناء بعد زمن عاصي

حيث بردى أواسط الثمانينيات كان المعرض، وعندما بدأت الليبرالية الجديدة تم نقل الفعاليات إلى مدينة المعارض الجديدة، على طريق المطار، حيث لا نهر يحنو على الفقراء إلا الشاحنات التي أقلتهم كالقطعان الضائعة.

 

اقرأ/ أيضًا:

الحنين إلى سينما القاع في دمشق

جثث الكتب على أرصفة دمشق