20-سبتمبر-2018

خلافات واسعة بين العبادي والدعوة تهدد مستقبل الحزب (Getty)

بعد حسم رئاسة البرلمان العراقي لصالح المرشح السني القريب من المحور الإيراني محمد الحلبوسي، قدم الحزب الوطني الكردستاني برهم صالح المنشق عن الحزب سابقًا، مرشحًا له دون توافق مع القطب الكردي الثاني الحزب الديمقراطي الكردستاني، في وقت يهدد الانهيار حزب الدعوة أكبر الأحزاب الحاكمة في العراق والمسيطرة على العملية السياسية منذ تغيير نظام صدام حسين عام 2003، وذلك إثر خسارة وشيكة لمنصب رئاسة الوزراء.

تشير مصادر في كردستان، الى أن صفقة يمكن أن تعقد بين الحزبين الكرديين، تقضي بمنح حزب طالباني رئاسة العراق، مقابل حصول حزب بارزاني على منصب محافظ كركوك

البيت الكردي

وصادق الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني في عام 1975، الأربعاء 19 أيلول/سبتمبر، على ترشيح برهم صالح لمنصب رئاسة الجمهورية بعد عودته إلى صفوف الحزب مجددًا بموافقة أغلبية قياداته، وفق سياق المحاصصة الذي جرى اعتماده في العراق، حيث يتولى الكرد رئاسة الجمهورية، ويحصل الحزب الوطني على المنصب مقابل التنازل عن رئاسة إقليم كردستان لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني.

ورغم إعلان الحزب ترشيح صالح لمنصب رئيس الجمهورية، انسحب رئيس الهيئة العامة للاتحاد الوطني الكردستاني ملا بختيار من الاجتماع. وذكرت مصادر سياسية أن الانسحاب جاء "اعتراضًا على عودة برهم صالح المنشق إلى صفوف الاتحاد والدفع به كمرشح لرئاسة الجمهورية"، فيما لم يقتصر الانسحاب على ملا بختيار، بل إن عضوة الاتحاد، بليسة جبار فرمان هي الأخرى انسحبت، على حدّ قول المصادر.

اقرأ/ي أيضًا: صفقة رئيس البرلمان العراقي.. انتصار للمحاصصة كما تشتهيها إيران!

وطرح اسم ملا بخيتار بقوة كمرشح لرئاسة الجمهورية، إلا أن ترشحه لا يحظى بدعم أسرة جلال طالباني، التي تقودها زوجته القيادية هيرو إبراهيم أحمد، المائلة صوب مرشحين آخرين بينهم برهم صالح.

وفور إعلان عودة برهم صالح لصفوف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أعلن تحالف "الديمقراطي والعدالة" عن قبوله استقالة رئيسه صالح، في حين رفض الحزب الديمقراطي الكردستاني، تقديم برهم صالح كمرشح مشترك للبيت الكردي، مشيرًا في بيان له، الى أنه سيقدم مرشحه للمنصب كمنافس لصالح.

وتشير مصادر في كردستان، الى أن صفقة يمكن أن تعقد بين الحزبين الكرديين، تقضي بمنح حزب طالباني رئاسة العراق، مقابل حصول حزب بارزاني على منصب محافظ كركوك. وكان الحزبان الكرديان (الوطني والديمقراطي)، قد عقدا تحالفًا سياسيًا للمنافسة ضمن سباق التشكيلة الحكومية المقبلة، في إطار المساعي لإعادة إحياء التحالف الكردستاني في بغداد.

وينفرد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تأسس عام 1975 على يد الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، بعلاقة متينة مع إيران، من بين الأحزاب الكردية الرئيسة والناشطة في العراق وتركيا، وعلى الرغم من مرور حزب الطالباني بمرحلة انقسامات داخلية عنيفة أفرزت حركة غوران "التغيير الكردية" عام 2007، ثم تحالف "العدالة والديمقراطية" الذي أسسه برهم صالح، إلا أنه ما زال يتمتع بقوة سياسية واقتصادية تجعله في المرتبة الثانية بين الأحزاب الفاعلة في كردستان العراق.

البيت الشيعي

وبالانتقال إلى المنصب الأهم متمثلًا برئاسة الحكومة المقبلة، لا تزال الخلافات مستمرة داخل البيت الشيعي، حيث لا تلوح في الأفق، حتى الآن، بوادر اتفاق على مرشح محدد، فيما لم تر الكتلة الأكبر، والتي يشترط القضاء تحققها لترشيح رئيس الحكومة القادمة، النور حتى الآن في ظل سباق بين محوري البناء (نوري المالكي وهادي العامري) والإصلاح (مقتدى الصدر وحيدر العبادي).

وكانت الأيام الأخيرة قد شهدت تداول اسم عادل عبد المهدي كمرشح توافقي بين المحورين لرئاسة الحكومة يحظى بمباركة المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، حيث تشير التسريبات إلى أن مقتدى الصدر رشح خمسة أسماء للمنصب بينها عبد المهدي، فيما يدرس تحالف العامري والمالكي المقرب من إيران اسمه، كأحد الخيارات المقبولة.

من هو عادل عبد المهدي؟

عادل عبد المهدي، سياسي ولد عام 1942، ينحدر من عائلة برجوازية تعود أصولها إلى مدينة الناصرية (جنوب بغداد) التي كانت تسمى المنتفك سابقًا، وهو سياسي مخضرم عاد إلى العراق عقب احتلاله عام 2003، بعد عقود من العمل معارضًا خارج البلاد، وأصبح عضوًا مناوبًا في "مجلس الحكم" الانتقالي.

وتنقل عادل عبد المهدي، بين دول عدة أثناء فترة معارضته نظام صدام حسين السابق، أبرزها فرنسا وسورية ولبنان وإيران، التي ساهم داخلها في تشكيل "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في إيران"، في ثمانينات القرن الماضي كجبهة معارضة لصدام حسين، واستغل عادل عبد المهدي، وجوده في إقليم كردستان العراق ليقيم علاقات وثيقة الصلة مع الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، ورئيس الإقليم السابق مسعود البارزاني.

عادل عبد المهدي

وأصبح عادل عبد المهدي، بعد احتلال العراق عام 2003، عضوًا مناوبًا في "مجلس الحكم" الانتقالي، الذي شكلته سلطة الاحتلال الأمريكي حينها برئاسة بول بريمر عام 2004، لإدارة جزء من شؤون البلاد، ثم شغل منصب وزير المالية في الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة إياد علاوي 2004 - 2005، قبل أن يفوز في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2005، ثم أصبح بعد ذلك نائبًا لرئيس الجمهورية للفترة 2006 - 2010.

وكان آخر منصب تولاه عادل عبد المهدي، على رأس وزارة النفط التي استقال منها في آذار/مارس 2016، على خلفية موجة التظاهرات والاعتصامات المطالبة بالإصلاح، وقرر بعدها عدم الاشتراك في أية انتخابات مقبلة.

ويقول مقربون من عادل عبد المهدي إنه نجح في تكوين علاقة طيبة مع الإيرانيين والأمريكيين على حد سواء في الفترة الماضية، وأسس شبكة علاقات مع قيادات سنية وكردية من الممكن أن تسمح له بالمنافسة بقوة على رئاسة الحكومة المقبلة، بعد تراجع حظوظ العبادي نتيجة مواجهته رفضًا إيرانيًا ناجمًا عن خلافاته المستمرة مع قيادات "الحشد الشعبي" الموالية لطهران، و"الفيتو" الذي وضعته عليه المرجعية الدينية في النجف.

العبادي وتفكك الدعوة!

وبالإشارة إلى العبادي، فإن حزب الدعوة الذي ينتمي إليه، يعيش ساعات حرجة، قد تكون مقدمة لفقدانه المنصب الذي أداره منذ عام 2005، حيث كشفت الأيام القليلة الماضية، عن أزمة كبرى داخل كواليس الحزب.

واحتدمت الخلافات داخل حزب الدعوة الإسلامية، أكبر الأحزاب الحاكمة في العراق والمسيطرة على العملية السياسية منذ تغيير نظام صدام حسين عام 2003، وذلك إثر خسارة وشيكة لمنصب رئاسة الوزراء.

وأصدر ثلاثة قيادات بارزة في الحزب بيانًا، الثلاثاء 18 أيلول/سبتمبر، انتقد عدم السماح للحزب بالإشراف الكامل على قائمتي القياديين فيه نوري المالكي وحيدر العبادي خلال انتخابات الـ12 من مايو/ أيار الماضي، ورفض العبادي التوقيع على قرار دمج الكتلتين بعد الانتخابات.

وأضاف البيان، أن حزب الدعوة كان يأمل من العبادي بعد أن تيقن استحالة ترشيحه من الأطراف كافة، بما فيها "سائرون"، أن يسحب ترشيحه ويعلن تحالفه مع القانون لتتزعم الدعوة كتلة كبيرة تقارب السبعين مقعدًا فتكون فاعلة مؤثرة في المشهد السياسي.

ويأتي هذا الخلاف بين أقطاب حزب الدعوة، بعد إعلان هادي العامري رئيس تحالف الفتح، التوصل مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى اتفاق يقضي بترشيح شخصية من خارج كتلتي الصدر والعامري، ويكون مرشح تسويه لرئاسة الوزراء، وهو ما قضى على طموح العبادي الذي ينضوي ضمن تحالف "الإصلاح والإعمار" بزعامة مقتدى الصدر وقيادات أخرى.

إن مسألة إقصاء العبادي إو إخراجه من حزب الدعوة لن تحسم، إلا من خلال المؤسسات الحزبية، والمؤتمر العام

ومنذ أول انتخابات عراقية عام 2005، تولي قياديون في حزب الدعوة رئاسة وزراء العراق، كان أولهم وزير الخارجية الحالي إبراهيم الجعفري، ثم رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي مدة ثماني سنوات، ثم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، منذ عام 2014.

وبالتزامن مع هذه المستجدات، تواردت أنباء عن عزم حيدر العبادي الانسحاب من حزب الدعوة بعد البيان الذي انتقد أداءه السياسي وتفريطه بمنصب رئاسة الوزراء. ورجح القيادي في حزب الدعوة محمد الصيهود، اليوم الأربعاء، خروج العبادي من الحزب بشكل طوعي، مبينًا أن قيادة الحزب غير راضية عن أدائه الحكومي.

وقال الصيهود في تصريح صحفي، إن قيادة حزب الدعوة مستاءة جدًا من سوء أداء العبادي طيلة الأربع سنوات الماضية، مضيفًا "أن قيادة الحزب حمّلته كامل المسؤولية بشأن الانقسام فيه وما جرى في الانتخابات النيابية من تشكيل كتل مختلفة".

وبحسب تقارير إعلامية، فإن هناك خلافًا داخل حزب الدعوة بشأن إبعاد العبادي من صفوفه، خاصة بعد تسرّب بيان موقّع من قيادات في الحزب يشير إلى ذلك، بسبب "مخالفاته" المتكررة، وهو ما لم تنفه قيادات في الحزب، كاشفة عن حراك لإقصاء العبادي واسمين آخرين، هما عبد الحليم الزهيري وعلي العلاق في حال عدم استجابتهم لتوجيهات الحزب.

اقرأ/ي أيضًا: ماكغورك وسليماني في العراق.. أي المبعوثين سيشكل الحكومة العراقية؟

وبحسب تلك القيادات، فإن مسألة إقصاء العبادي إو إخراجه من حزب الدعوة لن تحسم، إلا من خلال المؤسسات الحزبية، والمؤتمر العام.

ومع الأنباء الواردة بشأن إبعاد العبادي، أعلن تحالف سائرون المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن عزم حزب الدعوة على طرد أو تجميد عضوية العبادي لن تغير في حظوظه لتولي منصب رئاسة الوزراء.

وقال القيادي في التحالف، رائد فهمي خلال تصريحات صحفية، "إن تجميد عضوية العبادي في حزب الدعوة لن يغير حظوظه لولاية ثانية خلال تشكيل الحكومة"، مشيرًا إلى أن "حظوظ العبادي ما زالت ضعيفة بين المرشحين لتولي منصب رئاسة الوزراء".

وكان رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، قد حدد الخامس والعشرين من الشهر الجاري موعدًا لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث يتوجب على الأخير تكليف مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة المقبلة خلال شهر، ما يعني أن الوقت قد بدأ ينفذ من الفريقين المنقسمين، ما بين رغبة واشنطن وتسلط طهران.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

آلاف حالات التسمم في البصرة.. مشهد مكتمل لمدينة منكوبة

شبح الكوليرا وغول التهميش.. البصرة وحدها تقاتل