17-نوفمبر-2016

(Getty)

"البعد الإيجابي في العلاقات العربية الأفريقية والتعددية الإثنية كرابط ثقافي" هو عنوان لكتاب صدر عام 2013 عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، لأستاذ الدراسات الأفريقية في جامعة بغداد، عبد السلام بغدادي. 

يبحث الكتاب أهمية القرن الأفريقي الاستراتيجية والاقتصادية للمنطقة العربية. ويتناول البُنية الإثنية والقبيلية لشعوب القرن، دارسًا الصراعات الدولية والإقليمية المحتدمة في هذا الجزء من العالم، لاكتشاف أسباب الصراعات الناشبة في دول القرن الأفريقي، وتفاعلات التعدد الإثني والقبلي، ونتاج ذلك. 

تتسم الكتابات العربية عن أفريقيا بمعالجة تنطلق من علاقة ذلك بأمن الدول العربية

يقع الكتاب بحدود ثمانية فصول، موزّعة على 240 صفحة، لا ينقصها الإسفاف والمعلومات الخاطئة. وبدءًا يجدر التنويه أن الكتاب لا يتحدث عن العلاقات العربية الأفريقية بعمومها، كما يشير العنوان، بل يخص النقاش بالقرن الأفريقي. ومردّ ذلك، أن الكتاب في الأصل كان بحثًا قدمه الكاتب في مؤتمر عقده "المركز العربي" عن العلاقات العربية القرن أفريقية، ليصبح كتابًا بعد إضافة مباحث وجداول عن ويكبيديا وخرائط مرسومة باليد.

اقرأ/ي أيضًا: هوية أفريقيا.. من المسرح المفتوح إلى وهم الاستقلال

الأهمية الوحيدة لهذا الكتاب، برأيي، هو أنه يقدم لنا مثالًا على نمط كتابات الأدبيات العربية عن القرن الأفريقي، التي غالبًا ما تتسم بمعالجة قضايا وأزمات القرن الأفريقي انطلاقًا بعلاقة ذلك بأمن الدول العربية ما وراء البحر الأحمر تارة، وبدراسة تأثيراته على الحصة المائية المصرية تارة أخرى. وهو ما يعني بالحالتين تغطية الجلد السميك للمركزية العربية على حساب تناول أزمات مشتركة، أهمّها، فشل الدولة القطرية، التي يمكن أن نعدها الهمّ الذي تواجهه المنطقتان بإلحاح.

يرى بغدادي أن العلاقات العربية الأفريقية عرفت انحسارات في الماضي، ولكنها شهدت بين الأعوام 2001-2010 تحسنًا في الشراكة بين الجانبين. ويستعرض في الفصل الثاني القمم واللجان العربية الأفريقية المشتركة. ويفرد ما يقارب ثلاثين صفحة كاملة لسرد عناوين المؤتمرات التي عقدت بين الجانبين في هذه السنوات، ومحاورها، وأهدافها، والمشاركين، وخطب المسؤولين. وجه الطرافة هنا، لا يتوقف عند جدّية الكاتب المبالغ فيها بالتعامل مع هذه المؤتمرات، بل يتعدى بأنه يصف هذه السنوات بأنها ذروة التعاون العربي الأفريقي، ليأتي، بعدها بقليل، لشرح ضعف حجم التبادل الاقتصادي، وضعف التمثيل الدبلوماسي بين الدولة العربية والأفريقية. حيث يشير بالمثال بأن دولة مثل المغرب وهي دولة عربية، أفريقية، أيضًا، ليس لها سوى 8 سفارات في أفريقيا، والتمثيل الدبلوماسي اللبناني لا يتعدى 8 بعثات في كل عموم أفريقيا، وفرضًا على أن العامل المادي للدولة يتحكم على سفراء العالم فإن ذلك لا ينطبق على المملكة السعودية التي ليس لها سوى 12 بعثة دبلوماسية بكل أفريقيا.

قيل الكثير عن العلاقات العربية الأفريقية، وبكل الأحوال، من الأهمية بمكان، الأخذ بعين الاعتبار السياق العام الذي تمرّ به البلدان العربية والأفريقية، وحالة الفشل والتفكّك الذي آلت إليه غير قليل من تلك البلدان. 

كانت دول منطقة الخليج حتى فترة قريبة في عام 1950 تشارك القرن الأفريقي فقره

يرى باحثون كثر، أن القرن الأفريقي والجزيرة العربية اللذين يكاد حجمهما أن يكون متماثلًا، كانا متصلين باعتبارهما جزءًا من القارة الأفريقية قبل وجود البحر الأحمر ووادي الصدع من نحو 15 مليون عام. وكانت دول منطقة الخليج حتى فترة قريبة في عام 1950 تشارك القرن الأفريقي فقره، فكان ناتج الفرد المحلي الإجمالي مماثلًا لنظيره في البلدان الأفريقية القريبة. قبل ظهور عصر النفط، الذي تمثّل للقرن الأفريقي، بغزو إسلام الخليج له. وهو، بلا ريب، ترك تأثيرات بالغة الوضوح على استقرار مجتمعات القرن، من خلال خلق خطاب إسلامي متطرّف، يقوم بتكفير/أسلمة شعوب مسلمة. (ليس صدفة على سبيل المثال، أن أبرز المنظرين للعمل الجهادي في الصومال درسوا في المعاهد الدينية السعودية).

اقرأ/ي أيضًا: شوقي بوزيد يصرخ.. ماما أفريقيا

لعلّ ذلك، من أهمّ تلك الموضوعات التي لم تأخذ حيزًا من النقاش بعد، ومهمّ أن نعرف أن تصدير دول المركز العربي (الخليج تحديدًا) الخطاب الديني العنيف إلى دول الهامش، استغلّ بشكل أساسي الانقسامات الداخلية وحالة الفقر الشديد الذي يعانيه دول القرن الأفريقي. ما يلفت الانتباه، أن مفهوم "الهامش" أخذ تطورًا مع هذا التصدير، بحيث مثلًا نجد وسم المؤرخ البريطاني ج. سبنسر تريمنغهام السودان بـ"الهامش الإسلامي"، مع أن المسافة من بورت سودان إلى مكة هي مثلًا، خمس المسافة من الدوحة إلى مكة. ما يقوله تريمنغهام ليس مجرد ترفع جغرافي بالطبع، فهو يستخدم مصطلح الهامش تعليقًا على البدعة ما بعد الوهابية، التي انطوى عليها مسلمو القرن الأفريقي بالصوفية، وهو ما يفسر به باحث غربي آخر، هو ستيف هوارد، بأنها تمثّل شيئًا من مقاومة سلطة إسلام الخليج وأمواله، التي عملت بكدّ، لتدمير الصوفية، وإبعاد مسلمي القرن الأفريقي عن أفكار المفكرين المسلمين التقدميين في السودان وفي غير مكان، وكأن أموال الخليج تطرح سؤالًا عن، "كيف يمكن لأفريقيا أن تنتج أي معرفة نافعة بديننا الإٍسلام؟".

غير بعيد عن هذا السياق، يشير هوارد في مكان آخر، معلقًا على تدخل السعودية في التعليم الصومالي، يقول "لعلّ الصوماليين يعانون إحساسَ أن إخوتهم المسلمين في خليج عدن تخلّو عنهم. هم يشتكون من أن المساعدة الوحيدة التي يتلقونها في مجال التعليم هي التعليم الديني، وأن القرآن الذي يقدم مجانًا سمة منتظمة تتسم بالتدخل السعودي في التعليم الصومالي. ويشعر الصوماليون الذين يعيشون في الجزيرة العربية القريبة، أنهم ليس بمقدورهم أن يمضوا بعيدًا على سلم الارتقاء، حتى أولئك الذين ولدوا هناك يخضعون للترحيل المنتظم. وجالياتهم في دبي أو أبوظبي هي بمنزلة معازل لا تربطها بما يحيطها أي روابط".

لا بد من تحطيم العدسات التي تعودت دول المركز العربي أن ترى الآخر، لا سيما الأفريقي، من خلالها

اقرأ/ي أيضًا: طلال الناير.. إقامة دائمة في شرايين أفريقيا

هنا، لا بدّ من تسجيل ملاحظة تتعلق بمسألة تهميش الصومال، وغالبًا ما يجري التعبير عنها بشيء من المبالغة، أو البكائية، مع ذلك، لا مفرّ من تأكيدها، وهي، أن ترك الصومال، يتقيح على مدى عشرين عامًا من دون حكومة فاعلة ومعترف بشرعيتها، لهو فشل ذريع سطّره النظام العالمي، وحوليات نظرياته الدولية. حتى في انفصال صوماللاند، تم تجاهله بالكامل، مع أنه ذهب مسلكًا مغايرًا عن نمط الحكم الذي سارا فيه، إريتريا وجنوب السودان. وعلى المستوى العربي، أيضًا، أن ترك الصومال وهو بمثل هذا القرب من المنطقة العربية يتدهور مثل ما تدهور إليه، لا بدّ أن يطرح أسئلة تتعلق بمعنى وجدوى الحديث عن تكتّل عربي، ومصالح مشتركة، إلى آخره من هذه الأدبيات التي يمثل فيها هنا، البغدادي تكرارًا مملًّا لها.

من المعلوم، أن بلدان القرن الأفريقي، طورت علاقات مع البلدان العربية، وبلدان مثل جيبوتي والصومال والسودان أعضاء في الجامعة العربية. وإريتريا عضو مراقب. ويمكن لنا اعبتار الأزمات التي تعصف بالعالم العربي اليوم، والقادمة، قد مرت، وبشكل مماثل، منطقة القرن الأفريقي. مشاكل ليس أبرزها، فشل بناء الدولة الوطنية، والتدخلات الخارجية، والحروب بالوكالة، والانقسامات الإثنية والقبلية، التي أدت إلى حروب أهلية تمخض عنها ميلاد ثلاثة دول في هذا المنطقة في الثلاثين سنة الأخيرة: صوماللاند (1991) التي انفصلت عن الصومال بعد وحدة دامت ثلاثين سنة، ولم يعترف بها العالم كدولة. إريتريا (1993) والتي استقلت عن إثيوبيا بعد احتلال دام تسعة وثلاثين عامًا. وجنوب السودان (2011) الدولة الأحدث في العالم، والتي بدورها انفصلت عن السودان بعد أطول حرب أهلية في العالم.

مما لا ريب فيه، أن هناك حاجة لتناول البحث لاستكشاف مقاربات ممكنة للمنطقتين لتجاوز مسألة فشل بناء الدولة الوطنية، وإدارة التنوع الإثني والديني، وأيضًا لاسكتشاف مزيد من أبعاد الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الجانبين، عبر المعاهد العربية، ومعاهد بحث القرن الأفريقي وجامعاته، على حد سواء. وأولى خطوات هذا الاتجاه، هو تحطيم العدسات التي تعودت دول المركز العربي أن ترى الآخر من خلالها.

اقرأ/ي أيضًا:

الأدب الأفريقي ومسألة اللغة

شباب موريتانيا.. الذهب لقهر البطالة