18-أغسطس-2018

تقوض مغامرات ابن سلمان أي فرصة لإصلاح الاقتصاد المتأزم (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

في الوقت الذي تثار فيه أحاديث كثيرة عن أزمة المملكة العربية السعودية مع كندا، فإن التداعيات الاقتصادية المحتملة التي تمت الإشارة لها، غالبًا ما كانت مرتبطة بالتبادلات التجارية بين البلدين. لذلك تبدو الأزمة عابرة، ومحدودة بحكم أن هذه التبادلات لا تزيد عن 4 مليار دولار.

من المتوقع أن يصل تدفق رؤوس الأموال خارج السعودية إلى 65 مليار دولار في عام 2018، أي 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي

 قد يكون هذا صحيحًا بالنسبة لكندا، لكن ليس بالنسبة للسعودية، حيث إن أكبر مخاطر المملكة حسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، المتخصصة في الشأن الاقتصادي، هو هروب رأس المال من البلاد، بعد أن ضاعفت الأزمة قلة الثقة الموجودة أصلًا عند المستثمرين، في أجواء من التداخل المتطرف بين السياسة والاقتصاد.

ووفقًا لبحث أجرته مؤسسة JPMorgan المصرفية الشهيرة، فإنه من المتوقع أن يصل تدفق رؤوس الأموال خارج السعودية إلى 65 مليار دولار في عام 2018، أي 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مؤشرات حسب ما تبين الوكالة الأمريكية، دليل على استمرار التدهور داخل الاقتصاد السعودي. خاصة أن هذه التوقعات سبقت الأزمة المفاجئة مع كندا، ومن المفترض أن الرقم سيزيد بفعل الأجواء المشحونة، التي تخيف رأس المال.

ووفقًا لبحث أجرته ستاندرد تشارترد، فإن هناك مخاوف من أن السلطات السعودية تنزع نحو استخدام المصارف ومديري الأصول لتثبيط هروب رأس المال إلى الخارج، وهو نوع من التحكم غير الرسمي بالأموال.

اقرأ/ي أيضًا: تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع

إن "مشكلة السعودية ليست الخلاف مع كندا بل هروب رأس المال"، كما يوضح عنوان المقال الذي نشرته بلومبيرغ، فيما تتفق معها تقارير عدة نشرتها صحف عالمية. وهو ما يجيء ضمن إخفاق أوسع في الإصلاحات المزعومة، حيث إن هذه المخاوف من هروب كبير لرأس المال، بعد الأزمة مع كندا، تؤكد أن التفاؤل لن يكون منطقيًا بعد الآن بخصوص خطة 2030 الاقتصادية، التي لا ينفك ولي العهد، محمد بن سلمان، يتباهى بها.

إن هناك حاجة فعلًا إلى العديد من الإصلاحات المؤسساتية، المصممة لتنويع الاقتصاد السعودي، وجذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص العمل، من أجل تحرير الاقتصاد المدار مركزيًا من قبل الدولة، والذي يعتمد على الموارد النفطية بشكل أساسي، لكن ذلك لا يبدو ممكنًا في الوقت القريب، مع نظام يسيطر على الاقتصاد بشكل شمولي، ويراقب حياة الناس اليومية، ويلاحق المستثمرين ويعتقل الحقوقيين، بالإضافة إلى أنه مستعد لوقف تعاملات تجارية بالميارات من أجل أزمات دبلوماسية غامضة.

وكان المستثمرون يأملون أن تقوم الرياض بهذه الإصلاحات الاقتصادية بالفعل، لكنهم شعروا بالإحباط نتيجة لإجراءات ولي العهد والانتهاكات الحقوقية، فيما تشير هذه السياسات، التي أضيف إليها الآن الخلاف مع كندا، إلى أن الدولة تفضل تثبيت وتوطيد سلطة النظام على تحقيق أي إصلاحات قج تساعد على تحقيق تنمية اقتصادية، أو مراقبة الفساد.

في حين يستمر الإنفاق الحكومي السعودي  بالتركيز على مشاريع ضخمة ممولة من الدولة، يبدو مصير مشروع نيوم غامضًا

وبغض النظام عن الدوافع السياسية لهذه التدابير، فإن السلطات السعودية لم تفعل أي شيء يستحق الذكر، لمعالجة المشكلة الرئيسية للاقتصاد، حيث إنه ما زال تابعًا للدولة ويعتمد عليها بشكل شبه مطلق. فلكي ينمو القطاع الخاص، لا بد حسب الوكالة الأمريكية من شعور رأس المال بالأمان، فيما يحتاج المستثمرون إلى ضمانات قانونية لحمايتهم. مع ذلك فإن أيًا من هذا لم يحدث.

وبدلًا من ذلك، فإن دورة الاقتصاد في السعودية لا زالت تعتمد على الإنفاق الحكومي المرتبط بإيرادات النفط، بشكل كبير. ولا يزال القطاع الخاص يعمل ضمن منطق الامتيازات التي تعطيها الحكومة لبعض رجال الأعمال المقربين. فيما يتأثر النشاط التجاري، إيجابيًا أو سلبيًا حسب أوضاع النفط.

لم تفعل السلطات السعودية أي شيء يستحق الذكر، لمعالجة المشكلة الرئيسية للاقتصاد، إذ إنه ما زال تابعًا للدولة ويعتمد عليها بشكل شبه مطلق

وما يجعل هذه الأزمة أخطر من أي وقت مضى، أن رأس المال يستمر بالتدفق إلى خارج المملكة، على الرغم من انتعاش أسعار النفط العالمية. مع ذلك، لا يبدو هذا كافيًا لطمأنة المستثمرين، الذين لاحظوا بطبيعة الحال عدم وجود ما يقابل هذا الارتفاع في أصول الاحتياطيات الأجنبية.

تؤكد هذه الأرقام فشلًا ذريعًا في خطط ابن سلمان، حيث إن ولي العهد المثير للجدل، لن يستطيع إنجاز أي إصلاحات اقتصادية من دون تحرير الاقتصاد من السطوة المطلقة للدولة، وفي الوقت الذي يكون فيه هذا الاقتصاد تحت تأثير المغامرات الدبلوماسية والقمعية للقصر الملكي.

اقرأ/ي أيضًا: صحف عالمية: الأزمة مع كندا أظهرت الوجه الحقيقي لابن سلمان!

وتعزز هذه الأرقام أيضًا من "الصورة الكئيبة والمألوفة: الإنفاق الحكومي يتسارع، بينما يظل النمو بطيئًا، والمستثمرون في القطاع الخاص خائفون، والإنتاجية سيئة للغاية، خاصة مع استمرار افتقار سوق العمل للعمال الأجانب الذين يغادرون، ومحاولة الشركات لاستيعاب المواطنين السعوديين بأجور أعلى".

وفي حين يستمر الإنفاق الحكومي بالتركيز على مشاريع التنمية والبنية التحتية الضخمة الممولة من الدولة، يبدو مصير مشروع نيوم غامضًا، وهو مشروع بقيمة 500 مليار دولار لتطوير 10 آلاف ميل مربع في شمال غرب البلاد، على ساحل البحر الأحمر. حيث توضح "بلومبيرغ" أن هذه المشروع بعيد عن المراكز السكانية الرئيسية، وعن الأماكن التي يبحث فيها الناس عن عمل. فيما يبدو أن الوظائف التي يوفرها هذا المشروع مصممة فقط للعمال الأجناب بأجور منخفضة، الذين أصبح عددهم الآن أقل، ويترك العديد منهم البلاد بسبب زيادة تكاليف التأشيرات والمعيشة.

لم يستطيع محمد بن سلمان تمثيل أي تغيير حقيقي، إذ إن ما يقوم به كما تقول "بلومبيرغ"، هو جوهر المدرسة التقليدية في الإدارة السعودية للاقتصاد. وهو بالتالي بعيد أيما بعد عن الإصلاحات المنشودة. كما أن تخبط المملكة في قضايا غير اقتصادية، على غرار حصار قطر والحرب في اليمن، يجعل الرياض عاجزة عن تضليل المستثمرين أكثر، أو حتى الشركاء المفترضين لخطة 2030.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: أزمة العلاقات السعودية - الكندية.. دوافعها وتداعياتها

تشويشًا على النقد.. السعودية تستدعي إرهابها وتهدد كندا بشبح "غزوة مانهاتن"