12-سبتمبر-2019

فوتوغرافيا: طوني حدّاد/ لبنان

هل ما زلت تذكرين ذلك الثلاثاء؟ يوم أعلنوا أن الحواجز والحدود تم إلغاؤها، وأننا الآن نستطيع أن نكون معًا حتى نهاية الطريق. هل تذكرين ما قبله بأسبوع؟ حين كنّا طوال الوقت أمام شاشات التلفاز منتظرين نتائج الاتفاقية، ونصدّق أية إشاعة كانت لصالحنا، أي أمل كاذب، أية حقيقة زائفة. هل تذكرين مكالمتنا الطويلة وقتها؟ حين خرج البيان الرسميّ وشرعنا بقراءته سطرًا بعد سطر، نفتّش عن البند الذي نرجوه، حتى وجدناه كما نريد تمامًا، بالطريقة التي تسمح لنا أن نمضي معًا، ثم صرخنا انتصارًا كأننا بأيدينا حطّمنا الحواجز، وضحكنا اختيالًا كأن الحدود عدوّتنا، ورقصنا جنونًا كأن السلك الشائك والأوراق الثبوتية جثثًا تحتنا. ثم جاء اليوم الذي يليه، وكنّا قد اتفقنا أن نلتقي في نقطة قريبة من المنتصف، فيكون تعبنا في المجيئ، ووقتنا في الانتظار، وعدد الخطوات والأغنيات مماثلًا لكلينا. لم يكن الطريق طويلًا بمسافته، إلا أن الوقت يتهيأ للمحبّين عكس المشتهى، ويتراءى لهم أن الساعات توقّفت عن العمل، والمركبات تحبو، والمنظر من الشبابيك لا يتغيّر. لكنّ مشقّة هذا كله لا تساوي فرحنا لحظة توقّفت الحافلة، فقفزنا نحو الأبواب متأهبين أن يفتح السائق هذه الزنزانة، والتي هو غير مسؤول عن تسميتها هكذا، بل هذه السنين التي فرضت علينا جعلت من كل مكان يحول بيننا أن نصفه بالسجن، فالحافلة، وصالات جوازات السفر، وضبّاط التفتيش، والتحويلة المؤقتة بسبب الطريق المغلق، والطوابير التي وقفنا فيها، كلّها كانت شبّاكًا أو حائطًا أو حارسًا في السجن.

على الأسفلت، وقفنا متسمّرين، ننظر غير مصدّقين أننا شخصيّات خرجت من رواياتها، وأننا على وشك كتابة نهايتين جديدتين، وبداية رواية أخرى نكتبها معًا، أما تفاصيل ما حدث، فقد أنقذنا "فيديو" مسجّل من أحد الحضور صدفة لتوثيق اللحظة، والذي فضح اشتياقنا وحبّنا، وجعلنا نرى تعثّرنا في الركض نحو حضننا، وضحكنا بعدها مرّات على بكائنا بعد الانتظار، وعلى طريقتنا في التشبث ببعضنا، حتى لا تنفلت يدانا بعد هذا التعب، وبكينا على ضحكنا وقت لم نعرف أي اتجاه نذهب، فلا يهمّ ما دام الطريق الذي سنسلكه واحدٌ، أو حتى السجن الذي سنعيش فيه يحتمل أن يحتوي مشاغبين في الحب.

هل ما زلت تذكرين؟ أنا أذكر تمامًا، فها أنا أجلس على سريري بعد واحد وثلاثين عامًا، أحلم بتفاصيل ذلك اليوم الذي لم يأت، وأشتم خارطة أعلّقها على الحائط أمامي، والتي كانت من المفترض أن تكون لوحة تجمع صورتنا معًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أهكذا تكون الغربة؟

ثوب القرصان