15-مايو-2016

(Getty)

يبدأ صباح الخامس عشر من شهر مايو/أيار وتبدأ معه الأعلام السياسية ترفرف وهي بالقرب من العلم الفلسطيني الخجول، لأن العلم الذي يرافقه هو الذي يحظى بقيمة أكبر منه ومن نكبته. فالسياسي في هذا اليوم يهدف لأن يبارز السياسي الآخر، وكيف يبرز نفسه، وبهذه الأساليب اعتاد الفلسطينيون على مشاهد هذا اليوم من كل عام وإلى المصطلح الأقرب لأرض الواقع وهو احتفال، أكثر مما أنها ذكرى ضياع حق.

بعد كل الصخب، تموت ذكرى النكبة في مساء اليوم، وصباح اليوم التالي تعود نكبة الانقسام الأكبر، وتعود التجاذبات السياسية لتسيطر على الجميع

وبالطبع يغلب القول على أفواه السياسيين كلمة "القضية الفلسطينية" وهي قضية، ليست كما كانت من الأساس وهو "الحق الفلسطيني"، فمجرد هذا المصطلح ودرجِه في هذا اليوم، يعني أنها قضية يمكن للعالم الخارجي فهمها كقضية للتسوية أو نزاع على أرض معينة، ليست كصراع على من يستحق الأرض.

اقرأ/ي أيضًا: الأحزاب الفلسطينية واستغلال الحكومات العربية

وإلى تحضيرات هذا اليوم، فقبل يومين أعلن حزب ما في غزة عن برنامج إحياء ذكرى النكبة، لكن في برنامجه خصص كلمات لأربعة سياسيين هم الأكثر تجاذبًا مع الأحزاب الأخرى، والأكثر اتهامًا لبعض القيادات وتشككًا في وطنيتهم، وبالرجوع للوراء، لا يوجد لهم صيت وطني حقيقي رغم أنهم يتصدرون الظهور في ذلك الحزب السياسي. لكنهم في هذا اليوم سيتحدثون لجماهير حزبهم عن كيف يرجعون لفلسطين وراياتها، رغم أن رايتهم هي التي تغلب في هذا اليوم وكما هي غلابة من الأساس في جميع احتفالاتهم.

وإلى حزب أخر، يقدم عدة فقرات لإحيائه لذكرى النكبة، وأهم الفقرات، الدبكة الفلسطينية!! فإن كانت أساسها إحياء الذكرى فهناك عدة انتقادات بناءة. فلا تمر أي ذكرى حزينة على دولة ما في العالم يقدموا خلالها عروض رقص ودبكة وحتى لو كانت رقصات تاريخية وشعبية، وحتى في ذكرى الهولوكوست المدعو من الطرف الصهيوني، رغم أنهم لغاية اليوم يلومون النازية في ادعاءاتهم، إلا أنه لا يوجد تشابه بين ما تقوم به الأحزاب الفلسطينية في إحياء ذكرى بلادهم وذكريات العدو المشكوك فيها، وهم يقولون "نبكي لكننا بينا دولة" ونحن في فلسطين الصور تقول "نحتفل بلا وطن وحزبنا هذا سيحرر الدولة".

وبين تلك الأحزاب، أيضًا بعض مؤسسات مجتمع مدني، والتي تنادي هي الأخرى لفلسطين إلى جانب شعارها الذي ينادي لتمويل مشاريعها بشكل أساسي، وفي هذا اليوم تُحجز أفخم الفنادق والقاعات في غزة والضفة الغربية، وتحضر الفتيات الحسناوات المرتديات الثوب الفلسطيني المختلط ما بين ثوب فلاحي والبدوي لاستقبال الزوار، وبجانب ذالك يحضرون امرأة مسنة أو رجل مسن عاصروا النكبة، ويتم تكريمهم ويتحدثوا معهم، لكن بنهاية اليوم كلهم يخلعون ثوب الوطنية ويرجعون إلى ما هم عليه.

اقرأ/ي أيضًا: إف_35..آخر الهدايا الأمريكية لإسرائيل

وبهذه الوضعية، يمكن اللجوء لنماذج حية تعيش الذكريات الأليمة والكوارث والنكبات، فإلى اليابان، التي ضُربت بقنبلتين ذريتين من الولايات المتحدة الأمريكية، فلغاية الآن تحيي ذكرى مقتل 200 ألف ياباني في هروشيما وناجازاكي لكن بطريقة صامتة، لأنهم وبكل فخر قالوا أمام العالم نحن وقعنا على وثيقة الاستلام لأجل من تبقى من اليابانيين، وكذالك ألمانيا التي وقعت هي الأخرى، لكن بإرادتهم اليوم هم أقوى الدول وانتصروا على كل الظروف وأصبح اقتصادهم وإنتاجهم الإبداعي التصنيف الأول.

بالطبع في المثال السابق لا نحتاج لأن نتحول لليابان أو ألمانيا، إنما يجب الأخذ في تجارب النهوض في الإنجازات التي تفرض على القوة العقلية والثقافية، وهي ما يحتاجها الفلسطينيون إلى جانب السلاح، ورغم أن هذه الدول فيها أحزاب عريقة إلا أن هذه الأحزاب تفكر بالنهوض الثقافي والاقتصادي والثقافي، ولو اتجهنا لسؤال أحد، ووضعنا وجه المقارنة عما نفعله نحن العرب أو الفلسطينيون وما تفعله الدول الغربية فسيجيب "نحن عرب وهم أجانب لا تقارن بيننا وبينهم" وهنا تكمن المشكلة في وضع الضعف الوطني والتنظيم حتى في إحياء ذكريات وطنية.

ومع ذالك لابد للإعلام الفلسطيني المتحزب من الأساس بنسبة 90% أن يكون له حضور شكلي في تلك الذكرى، وهو من الأساس متحزب، فبكل تأكيد لن يتخلف عن احتفاليات الأحزاب على أرض الواقع.

وبالملاحظة لكل ذكرى للنكبة في السنوات الماضية، يشعر الفلسطيني عندما يرى الأحزاب تنهض للذكرى، أن أبواب التحرر اقتربت، وهذا ما قالته عجوز لإذاعة صوت الشعب العام الماضي، عندما قالت للمذيع الذي يحيي ذكرى النكبة ويستقبل المشاركات "كل الأحزاب كذابة وإحنا كذابين، حسيناهم من مجرفوناتهم فلسطين راح ترجع، بس صدقني يا بنية ولا عمرها راح ترجع وهما يكذبوا علينا هيك"، وأنهى المذيع اتصالها وهو يعلم أنها صادقة.

ومع كل هذا تموت الذكرى في نفس اليوم بالمساء، وصباح اليوم التالي تعود نكبة الانقسام الأكبر، وتعود التجاذبات السياسية، ومقولات "عباس الخائن" و"ميليشيا حماس" تسيطر مرة أخرى على المنافذ الإعلامية.

اقرأ/ي أيضًا: 

الولايات المتحدة صامتة بينما حلب تحترق

جزيرة فاضل..هنا يرقد حلم العودة إلى فلسطين