26-سبتمبر-2022
ديونيزوس

نقش إغريقي

لم يرغب ديونيزوس في النزول من العلياء إلى الأرض، كانت فكرة ملامسة قدميه الحافيتين التراب تشعره بالاشمئزاز، وهو الذي اعتاد المشي على الرخام منذ أن أول خطواته.

لكن نزوله بات أمرًا مفروغًا منه، مجمع الآلهة السبعة نظر دفتره الذي امتلأ بالخطايا حتى آخر صفحة. وكان إفراطه في الشراب سببًا رئيسًا في حدوث مشاكل متواصلة مع بقية الالهة. وكعقاب له وجب عليه النزول إلى بني البشر. هبط وكان لا بد له من العثور على إسكافي جيد يصنع له حذاء على مقاس قدميه، فهو لم يجد في العلياء من يصنع له شيئًا مثل هذا، إنهم معتادون بالطبع على المشي حفاة، لا شوك هناك ولا حجر يقلق سيرهم الآمن المريح.

ومنذ أن وطأت قدماه الأرض، بدأت معاناته. تعثر مرتين، في الأولى أصيب ظفر أصبعه، والثانية دعس فيها على ثوبه فتمزق. فكر أن ينبغي تعلم المشيء من جديد. وبالصدفة، عند أول الشارع وصل الى محل صغير كتب على جداره بالدهن الأسود "إسكافي السعادة" تساءل هل مفهوم السعادة مرتبط بمدى إتقان الإسكافي لعمله، أو أن الأمر يتعلق بسعادة من يضع في قدميه زوج احذية من صنعه.

جرب ديونيزوس أكثر من حذاء لكنه لم يستطع السير لأكثر من ثلاثة أمتار، في كل مرة يبدأ الضغط الشديد على أصابع قدميه، ألم يشعره وكأنها سوف تسحق تحت حجر ثقيل. في النهاية قرر وضع صندل مفتوح عند الأصابع، تعثر كذلك أكثر من مرة حتى سال دمٌ من أصابعه الرقيقة. عاد إلى الإسكافي الذي لم يجد له حلًّا، فحتى الأحذية ذات المقاس الكبير جربها لكنها تصبح ضيقة مع أول خطوة يخطوها.

لم يغير ديونيزوس ثوبه الحريري الأبيض الذي يغطي نصفه السفلي والقليل من صدره، ظل يجوب به شوارع المدينة. الكثير من المارة قالوا إنه مجرد مجنون، مجنون جديد، إنهم يتكاثرون كل يوم، بينما ينقص في كل يوم عدد العقلاء. والشاب البائس في آخر زيارة للإسكافي، طلب حلًا سريعًا، قال له: سنجرب شيئًا آخر، ربما وجدنا لك حذاء مناسبًا يا ديونيزوس.

اقفل المحل وأخذه الي أقرب محل ملابس وأحذية، اختار له قميصًا أبيض وسروال جينز، ثم وضع أمامه مجموعة كبيرة من الاحذية الرياضية، قال: اختر واحدة منها.

وقع الاختيار في النهاية على حذاء أسود بخطين أبيضين على الجانبين بأربطة سوداء. مشى بحذر شديد في البداية، كان ينقل قدميه متر بعد متر دون أن يحس بأي ألم، أسرع متخليًا عن حذره، مغمورًا بالراحة، قال: يبدو أن الألم غير مرتبط بالأحذية بشكل عام، ولا بقدميَ، الألم أيها الاسكافي يفتك بي عندما أضع الأحذية الجلدية.

خرج من المحل مسرع الخطى مبتسمًا منتشيًا بإحساس الراحة الذي فقده منذ أن نزل من العلياء، وخلفه يلهث الإسكافي محاولًا اللحاق به. وعند أول كشك اعترضه اشترى علبة سجائر مارلبورو، أخذ منها سيجارة أشعلها ونفث دخانها الى السماء محدثًا غيمة بيضاء.