07-أكتوبر-2017

أحد المدنيين المصابين في قصف جوي للقوات الروسية والسورية بدير الزور (لؤي بشارة/ أ.ف.ب)

بدأت المقاتلات الروسية مصحوبة بمقاتلات سورية، منذ يوم 29 من شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، حملًة جوية عنيفة على مدينة دير الزور شرق سوريا، بعد تطويقها بدعم من المليشيات الأجنبية من جهاتها الأربع، باستهدافها قوارب المدنيين الفارين من مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ردًا على أسر الأخير لجنديين روسيين يقاتلان إلى جانب النظام السوري في المنطقة التي تحاول موسكو السيطرة عليها، لقطع الطريق أمام القوات الأمريكية المتواجدة شرق ضفة نهر الفرات.

خلال أسبوع واحد، قضى أكثر من 200 مدني نحبهم في غارات جوية عنيفة شنتها القوات الروسية على دير الزور

أكثر من 200 قتيل في دير الزور خلال أسبوع

وفي 28 من الشهر المنصرم، شن مقاتلي داعش هجومًا عنيفًا على بلدتي الشولا وكباجب غربي دير الزور، تمكنوا خلاله من أسر جنديين روسيين في البلدة، قامت على إثر ذلك روسيا بشن هجوم عنيف على المنطقة، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 207 مدني قضوا نحبهم خلال الحملة العنيفة التي تشنها القوات الروسية جوًا على ريف المدينة منذ أيام.

اقرأ/ي أيضًا: الصراع على الشرق السوري.. حرب الوكالة المعلنة

وبعد أيام قليلة من خبر أسر الجنديين الروسيين، بثت وكالة أعماق التابعة لداعش، مقطعًا مصورًا للجنديين، قال أحدهما إن اسمه زابالوتني رومان، والجندي الآخر يدعى تسوركانوف غريغوري. 

ووقع الجنديان في أسر داعش أثناء الهجوم المعاكس الذي شنه التنظيم على بلدة الشولا. وعلى الرغم من توثيق التنظيم لأسر الجنديين بمقطع فيديو، إلا أن وزارة الدفاع الروسية أنكرت اختطاف أو قتل جنود تابعين لها في دير الزور!

وجاء الهجوم الأخير لداعش بالتزامن مع بث تسجيل صوتي لزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، حث فيه مقاتليه على "الثبات ومواصلة الجهاد"، حيثُ بادر التنظيم لشن هجوم معاكس على مواقع النظام في ريف حمص الشرقي، وتمكنت خلايا نائمة من التسلل إلى داخل مدينة القريتين والسيطرة عليها، رغم أن المدينة يفصلها عن أقرب منطقة يتواجد فيها التنظيم في البادية السورية ما يقرب 100 كيلومتر.

هل كان تسجيل البغدادي كلمة السر للخلايا النائمة؟

وقبل يومين أعلن النظام السوري سيطرته على ريف حماة الشرقي، بعد قضائه على آخر جيوب داعش فيها، وأن عملياته انتقلت لريف حمص الشرقي، إلا أن تطورًا جديدًا برز أمس الجمعة، بإعلان التنظيم إسقاط مروحية روسية قرب قرية الشيخ هلال شرق حماة، وهي المنطقة التي تفصل بين فصائل المعارضة وقوات النظام.

لكن موسكو نفت من جديد ما تردد عن إسقاط التنظيم مروحية لها، قائلةً إن الطائرة "نفذت هبوطًا اضطراريًا بسبب عطل فني". ويبرز مع النشاط المتزايد لخلايا التنظيم في المناطق التي يفقد السيطرة عليها، مدى فشل الاستراتيجية المتبعة في محاربته من قبل التحالف الدولي أو النظام السوري مع حلفائه.

تدرك موسكو أن سيطرتها على دير الزور قبل التحالف الدولي، تعني تقوية نفوذها في المنطقة، الذي بات طاغيًا على نفوذ الولايات المتحدة

كما أن التنظيم بالتوازي مع انحسار مناطق سيطرته في دير الزور، تمكن من تنفيذ هجوم استعاد خلاله السيطرة على قريتين، وجاءت السيطرة عليهما بالتزامن مع تسجيل البغدادي، الذي بدا كأنه كلمة سر أعطت الأمر بتنفيذ العملية في عمق المواقع التي تعتبر مؤمنة بشكل لا يدعو للشك، كون النظام السوري يسيطر على مساحات واسعة في محيطها.

اقرأ/ي أيضًا: البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط

وتمكن التنظيم في هجماته الأخيرة من مفاجئة قوات النظام المتمركزة على الأرض، بالاشتراك مع المليشيات الأجنبية، وكشف فيها خللًا في بنية مخططها العسكري ودفاعاتها التي انهارت أمام ضربات خلاياه النائمة في القريتين، وأجبرت قوات النظام على الانسحاب، إضافة لإظهارها تأثر القوات الروسية بمقتل الجنرال فاليري أسابوف في دير الزور.

إصرار روسي للسيطرة على دير الزور

وتوضح التطورات الأخيرة، بروز خلايا التنظيم النائمة، التي وجه التنظيم عبرها رسالة استعراض لعنصر المفاجئة، لجميع الأطراف التي تحاربه، وبالتحديد روسيا التي تريد تثبيت وجودها في عمق البادية السورية، بسبب تواجد حقول النفط والغاز الطبيعي شرقي حمص، إضافة إلى أنه يمكن اعتبارها أيضًا رسالة تفيد بأن انحسار نفوذ التنظيم في المنطقعة، لا يعني انتهاءه تمامًا، فلا يزال يملك مخزونًا بشريًا غير محدد الكمية.

في المقابل، تدرك موسكو أن سيطرتها على مدينة دير الزور قبل التحالف الدولي، تعني تقوية نفوذها، الذي بدا واضحًا وتحدث عنه تقارير أجنبية، مع زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، والذي إضافة لكونها زيارة توضح مدى نفوذ موسكو الآن في المنطقة، فهي ايضًا، بوصف صحيفة نيويورك تايمز، بمثابة "موافقة ضمنية" من السعودية على بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة.

وأوضحت الزيارة التي أتت بعد شهور قليلة من قمة الرياض التي حضرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توجه السعودية لإعادة توطيد العلاقات مع روسيا، خاصة وأنها الأولى من نوعها لملك سعودي. ما يُعزز من القول بزيادة النفوذ الروسي في المنطقة على حساب الأمريكي. وهو ما ترى فيه روسيا فرصًة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، لذا فإنها تحاول جاهدة أن تكون الطرف الأساسي الذي يسيطر على مدينة دير الزور.

وأمس الجمعة، أعلن النظام السوري بالاشتراك مع المليشيات الأجنبية بدء اقتحام مدينة الميادين شرقي دير الزور، والتي تعد أهم معاقله الحالية وسط توقعات بتحولها مقصدًا لغالبية قياديي داعش الهاربين من المناطق التي سقطت في سوريا والعراق، حيثُ تعتمد القوات الروسية في دير الزور على استراتيجية التقدم السريع مع انتهاج سياسة الأرض المحروقة، ما يدفع مقاتلي التنظيم للانسحاب من مناطقهم، وإعادة تموضعهم في مواقع جديدة.

وعلى عكس المتوقع قد يتمكن داعش خلال الأيام القادمة من إعادة تمركزه في عمق البادية السورية، ما قد يضعف موقف موسكو في سوريا إذا ما حدث، بعد أن ظنت في اقتراب نهاية التنظيم الذي أثبت امتلاكه لخطط في مناطق محددة يوصل عبرها رسائل مباشرة على عدم إمكانية القضاء عليه على المدى القصير، حيثُ يدور قرب مدينة السخنة اشتباكات عنيفة بين الطرفين.

على عكس المتوقع، قد يتمكن داعش في الأيام القادمة، من إعادة تمركزه في عمق البادية السورية، ما قد يضعف موقف موسكو في سوريا لو حدث

وبناءً على ما سبق، يبدو أن لدى موسكو إصرارًا على حسم معركة شرق سوريا لصالحها، لكنها بدأت تواجه مقاومة مختلفة من تنظيم داعش لم تعتد عليها، وهي في مقابل ذلك تعرف أن إيران لن تتخلى عن المنطقة بسهولة، حتى لو وصل الأمر للمواجهة مع مقاتلي قسد المدعومين من التحالف الدولي، ففي النهاية إعلان القضاء على داعش في دير الزور سيعيد تشكيل خارطة القوى الدولية من جديد، ويخرج بروسيا كقوة عظمى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

هل تستولي موسكو على حلفاء واشنطن بدءًا من السعودية؟