18-مارس-2018

جانب من أحداث المدرجات (التراصوت)

توجهت أنظار محبي كرة القدم في لبنان، مساء السبت 17 آذار/مارس، إلى المدينة الرياضية في بيروت، لمتابعة قمة المرحلة العشرين من بطولة الدوري، وديربي الكرة اللبنانية بين النجمة صاحب المركز الثاني الذي لا يملك بديلاً عن الفوز للاستمرار بملاحقة العهد المتصدر، والأنصار السادس الذي فقد كل فرصه بالتتويج باللقب، برغم الآمال الكبيرة التي عقدتها جماهيره بداية الموسم، خاصة في ظل الصفقات القوية التي دُعِّم بها الفريق.

لا تعيش الكرة اللبنانية أفضل حالاتها في السنوات الأخيرة، وهي تتأثر بطبيعة الحال بالأزمة السياسية والإقتصادية وبالانقسام الطائفي والمذهبي الذي تعيشه البلاد

وكما هي حال مباريات الديربي في كل الدوريات في العالم، فإن قمة النجمة-الأنصار لا تتأثر كثيراً بترتيب الفريقين في الدوري، ويصعب التكهّن بنتيجتها، وتبقى الإثارة فيها حتى اللحظات الأخيرة. في العام الماضي مثلاً عادل النجمة النتيجة في الدقيقة الأخيرة من مباراة الذهاب، وردّ لهم الأنصار التحية في مباراة الإياب وقام بالمثل.

اقرأ/ي أيضًا: دوري أبطال أوروبا.. 4 مواجهات ناريّة في دور الثمانية

لا تمرّ الكرة اللبنانية بأفضل حالاتها في السنوات الأخيرة، وهي تتأثر بطبيعة الحال بالأزمة السياسية والاقتصادية وبالانقسام الطائفي والمذهبي الذي تعيشه البلاد. ومع ذلك فإن الصورة بدأت تتحسن نوعاً ما في السنتين الأخيرتين، وبدأ الجمهور بالعودة تدريجياً إلى الملاعب، وعادت اللوحات الجماهيرية تزين الملاعب خاصة في مباريات القمة وتحديداً في مباريات الديربي، لتذكرنا بمباريات العقدين الأخيرين من القرن الماضي وسنوات مطلع الألفية، عندما كان يمتلأ الملعب البلدي في بيروت وملعب برج حمود بالمتفرجين قبل ساعات طويلة من انطلاقة المباريات. وكانت المباني والشرفات والأسطح المطلّة على الملعب البلدي تغص بالجماهير هي الأخرى.

عندما يلعب النجمة  في صور أو طرابلس مثلاً ضد فريق المدينة، فأن التفوق العددي الجماهيري للنجمة يكون جلياً للعيان

رغم أنه ديربي بيروتي، باعتبار أن العاصمة تضم مقر وملاعب تدريب الناديين، إلا أن الفريقين يمتلكان شعبية جارفة في كل المناطق. على سبيل المثال، في معظم مباريات النجمة، الفريق صاحب القاعدة الجماهيرية الأكبر في لبنان، بعيداً عن بيروت، يكون الجزء الأكبر من المتفرجين على المدرجات نجماوياً. عندما تلعب النجمة في صور أو طرابلس مثلاً ضد فريق المدينة، فأن التفوق العددي الجماهيري للنجمة يكون جلياً للعيان.

لا يمكن لأي ظرف أمني أو اقتصادي أو مناخي أن يمنع زحف جماهير الفريقين من الزحف الى الملاعب. كمعظم الدوريات العربية، لا توجد مقاعد مرقَّمة في المدرجات، وبالتالي فإن جماهير الفريقين تتقاطر منذ الصباح الباكر الى الملعب، لتحجز لها مكاناً مناسباً في منتصف المدرج الرئيسي. ينتظرون ساعات طويلة تحت الأمطار وتحت الشمس الحارقة لرؤية فريقهم، تلامذة المدارس يدخّرون من مصروفهم الشخصي لشراء بطاقة المباراة نهاية الأسبوع، بعضهم يقطع كيلومتراتاً عديدة مشياً للوصول إلى الملعب، لأنه لا يمتلك ثمن أجرة النقل. إنه جنون حقيقي وشغف بكرة القدم وبعشق الفريق.

اقرأ/ي أيضًا: حكاية الأزمة القلبية والرياضيين.. دافيد أستوري آخر الضحايا

تزدان المدرجات في مباريات الفريقين باللوحات الجماهيرية وبالأهازيج والهتافات. الانقسام السياسي والطائفي ينسحب غالباً على المدرجات، فلا تخلو الهتافات من رسائل سياسية تمجّد القادة السياسيين وتعكس نبض الشارع، خاصةً في ظل وجود صبغة وتوجه سياسي، مناطقي وطائفي تصبغ كل جمهور إلى حد كبير، بالرغم من التنوع الملفت الموجود لدى جمهور الفريقين.

جانب من مدرجات المدينة الرياضية أثناء الديربي اللبناني (التراصوت)

كل الظروف والمعطيات كانت تشير الى أننا أمام قمة مثيرة. طقس جميل وتوقيت مناسب ويوم عطلة. أكثر من 25 ألف مشجع، معظمهم من النجماويين، توافدوا إلى المدينة الرياضية لتشجيع فريقهم. بالونات حمراء وخضراء تطير في السماء. فتيات وفتيان وأطفال وشيوخ أخذوا أماكنهم استعداداً للعرس الكروي. " محمد جمال" وهو مهندس من مصر يزور أحد أصدقائه في لبنان، قال لألترا صوت أن الأجواء في الملعب مشابهة إلى حد كبير بأجواء ديربي الأهلي والزمالك في مصر، من حيث الحضور الجماهيري الكثيف والهتافات والفوضى التي تعم المدرجات فتعطي رونقاً خاصاً للمباراة.

ساد الشغب محطات عديدة من مواجهة النجمة - الأنصار، حتى أن المباراة توقفت لعدة دقائق، ما يشير إلى عقوبات مرتقبة بحق الفريقين

انطلق الشوط الأول في الموعد المحدد، هجمات قليلة من الفريقين وغير مؤثرة، أفضلية نسبية للأنصار برغم التألّق اللافت للاعب اليافع علي الحاج، إبن مدرب النجمة السابق ونجم الفريق في عقد التسعينيات جمال الحاج. في الشوط الثاني ارتفع المستوى إلى حد ما، أظهر لاعبو الأنصار انضباطاً تكتيكياً واخترقوا دفاع النجمة في أكثر من مناسبة، فيما تاه لاعبو النجمة في الملعب وبدوا عاجزين عن تبادل الكرات بسلاسة وبناء هجمات منظمة. حارس النجمة علي السبع تسبب بركلتي جزاء لكنه صحح خطأه في المناسبتين وتصدّى لهما. شهدت الدقائق الأخيرة من المباراة، وكحالة معظم مباريات الفريقين وخاصة في الفترة الأخيرة، أحداثاً مؤسفة وخارجة عن الإطار الرياضي، حيث اقتحم بعض المتفرجين الملعب، ما أدى إلى توقف المباراة لعدة دقائق، فيما ألقيت عشرات عبوات المياه من المدرجات، إضافة إلى المفرقعات النارية والدخانية، لتنتهي بنزع الكراسي البلاستيكية من المدرجات ورميها باتجاه الملعب.

انتهت القمة بالتعادل السلبي، تعادل قلّص فرص النجمة بالتتويج بالدوري إلى حد كبير، بينما فشل الأنصار صاحب الأفضلية خاصة في الشوط الثاني، بتحقيق فوز معنوي يبلسم جراح جمهوره. الأهم من ذلك هو فشل الجمهور مرة أخرى في امتحان الانضباط والروح الرياضية، ليضعا رأسي فريقهما مرة أخرى تحت مقصلة العقوبات الإتحادية وغراماته المالية، ويصبح السماح بدخول الجماهير إلى الملعب في المباريات القادمة موضع شك كبير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قصة كأس العالم 1954.. أوروبا تشتعل من جديد (1-5)

خوسيه مورينيو وأنطونيو كونتي.. حرب داخل الملعب وخارجه.. ما القصة؟