19-يناير-2016

من صور مظاهرات الذكرى الثالثة للثورة المصرية (Getty)

أمر لأصدقائي لمشاركتهم آخر ساعات الليل بوسط العاصمة المصرية. تأكد سائق التاكسي من العنوان مرارًا ولكنه اصطدم بغلق الكثير من الشوارع. كنت أعلم بالهلع الذي نشرته وزارة الداخلية في الأيام الماضية باعتقالها للعديد من الشباب ومداهمتها لبعض من مقرات الصحف الإلكترونية ومصادرة الكثير. لكن السائق لا يعلم ذلك. وبمرورنا بين الشوارع نمر بالعديد من الأكمنة بمنتصفها. وعلى النواصي تنتشر الميكروباصات والأمناء بردائهم الملكي يعتقلون أكثر من ستة أشخاص. فيسألني :

_ هى الثورة رجعت والا إيه؟

_ لاء ده روشنة

_ بس جميلة

_ هى ايه؟

_ القاهرة ليلاً

_ هاهاهاهاهاها

لا نعلم إلي أين وصل الخلاف بين مؤسسات الدولة المصرية والذي على أساسه نرى القليل منه. ولكننا نستطيع أن نتخيل سويًا بأن الجماهير ستخرج في يوم ليس ببعيد. ربما يبدأ الأمر بالآلاف القليلة حينها. فيُجن جنون رأس السلطة. ويأمر بالفتك بكل الخارجين من خلال مواد القانون ولكن الأجهزة الأخرى ستطالبه بالتحلي بضبط النفس حتى لا يستفز الجموع الثائرة كما فعل مبارك. هو لا يثق فيهم مثلما صدقهم مبارك ولكنه سينتظر.

ينضم آلاف آخرون حال اطمئنانهم. وسيمر الجميع بسعادة مجددًا للميدان. ينتشر باعة الشاى وحمص الشام والسميت. وهذا ما سيدفع بالسلام النفسي في نفوس الكثيرين. هنا الميدان واحد والأرض واحدة تجمع مختلف الطبقات مجددًا. لا يأس مع المصريين. وبعد عدة أيام وبعد إلقاء بيان السيسي الذي لن يتوافق مع اللحظة. آلاف آخرون سيجدون طريقهم للميادين. حينها قد ينضم أصحاب المظالم الكبرى ضد الدولة. وسيبدأ رجال الأعمال في ضخ الأموال إلى الاحتجاجات مع التزامهم الصمت.

لن يتخلى الجيش عن قائده بسهولة. لكن الأمر لن يحتاج سوى لحرق بعض المباني الحكومية ومنصات القضاء ويقتل على إثرها قرابة الألف من الثوار في الشوارع. ويتعرض العديد من الإعلاميين والقضاة وبعض أعضاء البرلمان للاغتيال وتنتشر بعض السرقات والجرائم في الأحياء جنبًا إلى جنب اللجان الشعبية. وسيقف الجيش بنفسه يحمي السجون هذه المرة. هذا سيجعل العديدين يهابون الشوارع ولكن باتحاد المصريين على هدفهم لن يقف أمامهم أحد. سيخرج السيسي مودعًا شعبه الذي حمل كفنه على يديه لأجله ذات يوم. سيرحل ويعلن تولي البلاد لمجلس عسكري. مع تحية الشهداء المجيدة.

هنا الميدان واحد والأرض واحدة تجمع مختلف الطبقات مجددًا. لا يأس مع المصريين

في اليوم التالي سيجتمع رجال الأعمال مع الحكام الأصليين للدولة وتلتقي وجهات النظر. سينطلق الأمل مجددًا في نفوسهم. وستمتلئ الشوارع بالاحتفالات. وبالقصاص من قبل أصحاب المظالم من ظالميهم. وبالضغط على المجلس العسكري ستفتح السجون لقرابة عشرين ألف معتقل. مع الاحتفاظ بالباقي وبقيادات جماعة الإخوان. تنتشر الدبابات بالشوارع المصرية. وسيكون الأداء أكثر عنفًا من قبلها حال خروج الشباب ضد المجلس.

ستحدد انتخابات رئاسية وبرلمان جديد خلال سنة على أقصى تقدير. وتنتشر الدعوات لملاحم جديدة بعد عدة شهور لرحيل حكم العسكر. ولكن قيادات الإعلام الجديدة والمواطنين سيدعون الثوار للتهدئة لكى لا تضيع الثورة هباء. ولكن الأيام لن تمنع خروج الملحمة. ينضم إليها الخارجون من السجون قبل أن يهاجمهم جبهات الثوار التي أسست على خلفية رحيل السيسي. وسيصدرون بيان يدعونهم لنبذ العنف الذي انتهجوه مؤخرًا ويحذرونهم من التخلي عن السلمية التي بها نصل لكل أهدافنا.

سيصدر المجلس العسكري عدة بيانات محذرًا من انتشار أعمال العنف بالبلاد. ويلتقي قادته بقادة تلك الجبهات وستتم التهدئة من قبل الشباب. تحترق بعض الكنائس وتنتشر بعض أعمال البلطجة. ستقف الشرطة المصرية على الحياد حقًا ولن تفعل أي شيء يثير حفيظة المواطنين. وتنتشر بعض التفجيرات القوية. وستتبرأ منها جماعة الإخوان بعد جلستهم مع العسكري الذي حذرهم فيها من سلك العنف ليتم الإفراج في المستقبل القريب عن قياداتهم. الكثير من الجرائم السرية. وسيهاجر العديد من المعتقلين للخارج وسيعود كثير من المغتربين.

في الوقت الذي ستنتشر حوادث الاغتصاب في الشوارع بشكل مثير للدهشة يدفع الكثيرين لتوجيه أصابع الاتهام للسلطة التي تسعى لنشر البلبلة في البلاد لتنقلب على الثورة. الثورة الجديدة. فتنتشر الملاحم مرة أخرى ويستمر الوضع على ماهو عليه حتى تجري الانتخابات ويفوز حمدين صباحي. حمدين قام. حقًا بالحق قام. ليعلن في خطبة عصماء انتهاء حكم العسكر في البلاد. ويعود السلام النفسي لمجتمع كره العسكر. وقام بعدة ثورات في أقل من خمسة سنوات. لا مستحيل مع المصريين. لا مستحيل أبدًا.

تذكُرين. كنتِ مارة في الشارع ترتدين ملابس خفيفة وبسيطة. لكن نشوة ما جعلتك تمرين في ليل يناير بكل سعادة ودفء من أمام خمسة عشر شابًا تجمعوا أمام أحد نواصي الأحياء المتوسطة الرقي. كأى تجمع لهم عشية الأعياد. شعرت بالسعادة تتقافز في داخلك كجنين طال انتظاره. يتكئ في حماس بثقله ويدفعك للأمام حتى إن وجهك انحنى للأمام من فرط سرعة التقاط الحماس لروحين. تقطعين الأسفلت بصندل يحتضن قدميك برفق ويؤمن على نشوتها في مسامك. وتتخطي خطوتك العادية بنصفها. نظرتي إلينا وبإيماءة بسيطة حييتينا. لم يلحظ الأصدقاء. ولكنني لاحظت استثنائية ذلك في نفسك. كانت المرة الأولى التي تنظرين إلينا بكل هذا الانفلات. بل المرة الأولى التي تنظرين لشباب الحي من الأساس. تذكرين؟ ذلك لن يعود.

اقرأ/ي أيضًا: 

حطب معدة فيل

القصيدة الأخيرة لبيكتور خارا