21-يناير-2019

يسعى نتنياهو إلى تحقيق اختراق دبلوماسي في أفريقيا (Getty)

ظلت إسرائيل منذ سنوات بعيدة تحاول اختراق الجدار الأفريقي الممانع لوجودها، في محاولة أيضًا لإنهاء عزلتها الجغرافية والسياسية، وقد وجدت في بعض الدكتاتوريات الأفريقية حضنًا لها، وآخرها تشاد، التي يسعي رئيسها إدريس ديبي إلى فتح المجال الأفريقي أمام إسرائيل، مقابل الحصول على دعم عسكري وتوطيد أركان سلطته المهددة بالتصدع.

من غير الواضح إذا كان السودان اكتفى فقط بمنح طائرة نتنياهو الإذن بالتحليق فوق أراضيه، أم أنه تلقى دعوة تشادية لتطبيع العلاقة بين الخرطوم وتل أبيب

نهار الأحد، هبطت طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار العاصمة التشادية أنجمينا، في زيارة استغرقت بضع ساعات، تحت إجراءات أمنية مشددة، نتيجة الرفض الشعبي لها.

اقرأ/ي أيضًا: قبلة الدكتاتوريات.. لماذا توطد إسرائيل علاقاتها في أفريقيا؟

فتح المجال السوداني

استبق الرئيس التشادي تلك الزيارة بجولة أفريقية شملت أثيوبيا والسودان، حيث التقى فيها الرئيس السوداني عمر البشير بمطار الخرطوم، مما رشح حسب معلومات صحفية أن ديبي طلب من البشير فتح المجال الجوي السوداني أمام طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهذا يعني كما رأى مراقبون، أنه يقدم نفسه كسمسار للحفل الإسرائيلي الأفريقي في الظلام، والذي بدأ الضوء يغمره مؤخرًا.

بعد الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بذل نتنياهو العديد من الرسائل، واصفًا الزيارة إلى تشاد بأنها "اختراق تاريخي"، قائلًا إنها زيارة "إلى بلد مسلم كبير جدًا له حدود مع ليبيا والسودان تشكل حدثًا تاريخيًا". وهو ما بدا متصلًا مع طموحات نتنياهو المعروفة، حيث يحاول إيجاد موطئ قدم إسرائيلية في القارة الأفريقية، أحيانًا عن طريق الوسطاء، وأحيانًا عن طريق الضغوطات الغربية والعربية أيضًا.

في هذا السياق، فإنه من غير الواضح إذا كان السودان اكتفى فقط بمنح طائرة نتنياهو الإذن بالتحليق فوق أراضيه، أم أنه تلقى دعوة تشادية لتطبيع العلاقة بين الخرطوم وتل أبيب.

هاجس الحدود

بالعودة إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تشاد، فإن العديد من المصادر تحدثت عن أن الجيش التشادي ووكالة الاستخبارات الوطنية تزودتا بمعدات عسكرية إسرائيلية لمواجهة المتمردين في شمال البلاد وشرقها، حيث تتذرع تشاد بالتصدي للحركات المسلحة في الجنوب الليبي، وكذلك جماعة بوكو حرام في مالي، فيما ظل هاجس الحدود يؤرق ديبي منذ سنوات بسبب الحروب المشتعلة في أطراف بلاده.

في هذا السياق، كتب المغرد الليبي عبد السلام غانم تحت عنوان "نتنياهو على حدودنا"، متسائلًا إذ ما كان إدريس ديبي هو حصان طروادة الذي يمتطيه نتنياهو للدخول إلى ليبيا، أم أنّ نتنياهو موجود داخل ليبيا فعلًا ولا يحتاج إلى حصان طروادة تشادي لأن لديه حصان طروادة ليبي؟ في إشارة إلى الجنرال الليبي خليفة حفتر الحليف الأبرز للإمارات والنظام المصري.

جاءت الزيارات المتبادلة بين تشاد وإسرائيل بعد انقطاع العلاقات بينهما منذ 40 عامًا بسبب الموقف من القضية الفلسطينة، التي ما زالت مكانها في سجلات المظالم التاريخية، وجاءت أيضًا عقب زيارة أقدم عليها ديبي إلى تل أبيب قبل نحو شهر تقريبًا، واستنكرتها حركة الخلاص الوطني التشادي والعديد من القوى السياسية والمجتمعية.

ما وراء الجولات السرية

سبقت هذا التقارب التشادي الإسرائيلي جولات سرية، إذ حط وفد إسرائيلي في تشاد خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتقى مع مسؤولين بارزين في الحكومة التشادية، وكذلك مع ابن الرئيس التشادي زكريا ديبي الذي يتحفز لوراثة الحكم عن والده. وردًا على ذلك، أرسلت تشاد بالمقابل وفدًا برئاسة نجل الرئيس، على أمل توطيد العلاقة بين البلدين، واستئناف عملية شراء الأسلحة من إسرائيل، وفتح تشاد الغنية باليورانيوم أمام الشركات الاسرائيلية.

ويرى بعض المراقبون أن إسرائيل تسوق لقدراتها التقنية في أفريقيا، وتزعم أنها قادرة على حماية الدكتاتوريات الأفريقية، وتطوير وسائل تكنولوجية لمكافحة الإرهاب، عن طريق التنصت وحماية الحكومات، وكذلك توفير العتاد العسكري لمجابهة خصومهم، وهى دعاية وسياسية وجدت لها أسواقًا أفريقية رائجة، وهذا ليس بغريب على إسرائيل التي لطالما تورطت بحروب أهلية أفريقية، كما في دعم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لأكثر من 4 عقود.

حروب ديبي التي لا تنتهي

يعاني الرئيس التشادي إدريس ديبي من مشاكل داخلية عديدة وطعن مستمر في شرعيته الرئاسية، سيما وأنه استولى على الحكم بالانقلاب العسكري في العام 1990 بدعم من السودان، فلم يحظ بزعامة سلفه حسين هبري المحبوب شعبيًا، وقد واجه ديبي أكثر من عملية انقلاب عسكري، آخرها في العام 2008، التي طرقت أبواب القصر الرئاسي في أنجمينا، واتهم ديبي السودان بدعم تلك المحاولة، إلا أن البشير نفي تلك التهمة، وعادت العلاقات مجددًا بين الخرطوم وأنجمينا، وسط تهدئة الحدود التي تحرسها قوات مشتركة.

في العام  2005، قام ديبي بتعديل الدستور ليتمكن من الترشح للانتخابات للمرة الثالثة، وفاز بالفعل بالرئاسة في العام 2006 وسط انتخابات قاطعتها قوى المعارضة، وتيار شبابي ينظر إليه بوصفه حليفًا للغرب على حساب شعبه، وقد منح الشركات الفرنسية ما لا تستحقه من حقول النفط التشادي، بجانب استشراء الفساد حوله.

إسرائيل تبيع وهم الأمن

ينظر المحلل السياسي والخبير في الشأن الأفريقي عباس محمد صالح، إلى العلاقات بين إسرائيل وتشاد من زاوية المصلحة الاقتصادية والسياسية، حيث يقول لـ"ألترا صوت" إن إسرائيل تقدم نفسها كحضن آمن يحتاجه القادة الأفارقة الذي يعانون من أزمات داخلية وخارجية، معتبرًا أنها "تبيعهم وهم الأمن".

اقرأ/ي أيضًا: السعودية ومسلسل التطبيع.. متى سيرفرف العلم الإسرائيلي في الرياض؟

 ووصف صالح إدريس ديبي بأنه كيل للقوى الكبرى، من خلال إرسال جيشه لأكثر من جبهة في الوقت الذي تتنامى فيه التهديدات في مواجهة نظام حكمه، خاصة احتمال تمرد مسلح واسع النطاق ينطلق من ليبيا، فضلًا عن انبعاث تهديد "بوكو حرام". لافتًا إلى أن إسرائيل تركز في هذه المرحلة علي الدول ذات الغالبية المسلمة كتشاد لاعتبارات تتصل بالترويج "لنمط جديد من التطبيع لا يقوم فقط بالقبول بالكيان الصهيوني علي أساس حل الدولتين، ولكن إنكار قضية الشعب الفلسطيني بالأساس". فيما اعتبر صالح أن إسرائيل تريد تحطيم القيود الدبلوماسية التي تقف أمام مساعيها للحصول علي صفة دولة مراقب داخل الاتحاد الأفريقي، وهذه وضعية ستكون أكثر تأثيرًا وخدمة لمصالحها من التطبيع مع الدول كل على حِدة.

 تقدم إسرائيل نفسها كحضن آمن يحتاجه القادة الأفارقة الذي يعانون من أزمات داخلية وخارجية، حيث تبيعهم وهم الأمن والاستقرار

على ما يبدو أن ديبي يريد مواجهة الاحتقان الشعبي الداخلي من خلال تشديد قبضته الأمنية علي الأوضاع بحجة الإرهاب، بينما هذه الهجمة التطبيعية المضادة مصدرها انهيار النظام الرسمي العربي ولهاث أنظمة الثورات المضادة  وراء إسرائيل، بحثًا عن الأمن والبقاء في السلطة ومواجهة الجماهير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 تجارة الماس في إسرائيل.. أرقام مرعبة

العلاقات الهندية الإسرائيلية.. كيف انتهى فجأة تاريخ من "عدم الانحياز"؟