27-أكتوبر-2018

هل يحتاج دم بهذا الوضوح لمعجم طبقي كي نفهمه؟! - الشاعر العراقي مظفر النواب (الأناضول)

ألترا صوت - فريق التحرير

سكت طويلًا أو تحدث بخجل بشأن ملف اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، لكن نهاية السكوت جاءت كاشفة. هكذا يمكن فهم مآل موقف الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، الذي صرح أمس الجمعة 26 تشرين الأول/أكتوبر 2018 أثناء زيارته لسلوفاكيا أن وقف صفقات تصدير الأسلحة للرياض على خلفية قضية خاشقجي "ديماغوجية" وفق تعبير ماكرون. 

جاءت آخر التطورات العدلية في ملف خاشقجي حتى اللحظة بطلب النيابة التركية أمس الجمعة من السعودية أن تسلم المشتبهين الـ18 في القضية، لتقديم اعتماداتهم العدلية أمام القضاء التركي

جاء تعليق ماكرون، الذي يعلن ويبسط فهم طبيعة مواقفه وتعاطيه مع قضايا جنوب المتوسط وشرقه، على خلفية الموقف المعلن والتحركات التي قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في دائرة ملف تصفية خاشقجي. التي وجهت انتقادات حادة بدورها، إلى جانب مطالبات صريحة بالحقيقة أثناء مخابرة هاتفية جمعتها بالعاهل السعودي الملك سلمان قبل أيام من تصريح ماكرون. 

اقرأ/ي أيضًا: لماذا نحبّ خاشقجي؟

حاول ماكرون تمرير تصريحه بدبلوماسية، لم تسعفه كثيرًا في تجنب الاستهجان الأوروبي والدولي، وهذا عبر المزج بين عقلانية النظر في أمر تسليح الرياض على خلفية جرائم حربها في اليمن، لكن الرئيس الفرنسي لا يرى بتصفية الصحفي السعودي خاشقجي أمرًا يستأهل التوقف عنده، في تفريق غير مبرر بين دم ودم بين ضحايا وضحية لذات الجلاد، لصالح صفقات الذخيرة والرافال الفرنسية التي يعد ماكرون نفسه بنفض الغبار عنها وإعادة ترويجها دوليًا، ليس للسعودية وحدها، وإنما أيضًا لمن يدورون في فلكها في مصر وليبيا وغيرها. 

هذا في الوقت الذي لم تلقى قضية خاشقجي اهتمام المستشارة الألمانية وحدها، لا في القارة العجوز ولا في بقية أصقاع الأرض، فكانت  وزيرة الدبلوماسية النمساوية كارين كنايسل، صرحت في وقت سابق لتصريح الرئيس الفرنسي بساعات، أن على الاتحاد الأوروبي وقف مبيعات الأسلحة للرياض، مضيفًة أن هذه الخطوة ستساعد أيضًا في إنهاء الحرب المقيتة في اليمن. أي أنها تعاطت، على خلاف ماكرون، مع الجرائم وفق مسطرة حقوقية لا تفاضل بين دم وآخر. 

أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبعد مخابرتها الهاتفية مع العاهل السعودي، أعلنت تعليق كل صادرات السلاح الألماني إلى الرياض، إلى أن يتم تقديم تفسير لمقتل خاشقجي وكشف الحقائق المتعلقة بجوانب الملف الملتبسة. مؤكدًة تشديد بلادها على انتظار مفرزات التحقيقات وانتظارها تلقي الحقيقة الكاملة بشأن مسار مصير خاشقجي والجهات المتورطة فيما لاقاه وحجم هذا التورط. 

يشار إلى أن موقف المستشارة الألمانية، إنما يأتي تعبيرًا توافقيًا بين عديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي، والحكومة الألمانية ذاتها تجاه ملف تصفية خاشقجي.

يقوم ماكرون بتفريق غير مبرر بين دم ودم، بين ضحايا وضحية لذات الجلاد، لصالح صفقات الذخيرة والرافال الفرنسية التي يعد نفسه بنفض الغبار عنها وإعادة ترويجها دوليًا

أما كندا، الدولة الأمريكية الشمالية التي تعرضت لهجمات دعائية سعودية موسعة خلال الأسابيع الأخيرة من السعودية وأجهزتها المخابراتية في شبكات التواصل الاجتماعي عبر تقنيات الذباب الإلكتروني/البوتات التويترية على حلفية انتقادها للسجل الحقوقي القاتم للنظام السعودي، فقد أقدم رئيس وزرائها، جاستين ترودو على مخابرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشان ملف خاشقجي. مؤكدًا موقف بلاده المتوافق مع الموقف التركي في السعي وراء الحقيقة والالتزام بمحاسبة المتورطين بدم خاشقجي. علمًا أن الرئيس التركي قد أقدم على تقديم عدة إشارات بأن حقائق جديدة ستظهر للعلن في القريب العاجل، وفق ما نقلته وكالة الأناضول التركية شبه الرسمية.    

اقرأ/ي أيضًا: اغتيال خاشقجي وهوس السلطة بالقتل

في حين أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن بلاده وإدارتها الحالية، برئاسة دونالد ترامب، تنتظر النتائج الحاسمة والنهائية للتحقيق، وبأن جريمة قتل خاشقجي لن تمر بدون تحمل الأطراف المتورطة مسؤولية ما أقدمت عليه من أفعال. بينما سبق للبرلمان الأوروبي أن أصدر قرارًا انتقائيًا يفرض حظرًا على أعضائه بشأن بيع الأسلحة إلى السعودية، على خلفية ملف خاشقجي، مطالبًا بفرض عقوبات على الأفراد المتورطين كذلك.

يذكر أن آخر التطورات العدلية التي شهدها ملف خاشقجي حتى اللحظة جاءت بطلب النيابة التركية أمس الجمعة من السعودية أن تسلم المشتبهين الـ18 في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، لتقديم اعتماداتهم العدلية أمام القضاء التركي، حيثما وقع الجرم، على مجريات تهمة "القتل العمد بدافع وحشي، أو عبر التعذيب مع سابق الإصرار والترصد" وفق القانون الجنائي المعمول به في البلاد. 

إلى هنا، لم يغلق ملف خاشقجي بعد، على الرغم من وضوح عناوين المستفيدين والمتورطين ودوافعهم، لكن يبقى اللافت في هذا الصدد أن المجتمع الدولي على الرغم من تقصيره في عشرات الملفات الحقوقية، إلا أنه وصل، على ما يبدو، إلى حدود لا يطيق عندها استمرار الإجرام السعودي بطمأنينة إلى فاعلية الصفقات والرشاوى المقدمة على عتبات ساسة الدول الأطلسية. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا أثار "ملف خاشقجي" قلق إسرائيل على السعودية؟

خطاب أردوغان عن اغتيال خاشقجي.. حرب بالتلميح