30-أكتوبر-2016

متظاهرون ينددون بإسقاط تهمة القتل ضد حسني مبارك (محمد الشاهد/أ ف ب)

ما أسهل أن تصبح واحدًا من المليونيرات في مصر، الآن بين عشية وضحاها. يكفي أن تستأجر مكتبًا في أحد الأحياء متوسطة الرُقي، ويا حبذا لو كان بأحد شوارع وسط البلد، وتضع على واجهته لافتة كبيرة باللغتين الإنجليزية والعربية، وسكرتيرة جميلة تجيد إحدى اللغات الأجنبية.

ثم تنشر إعلانًا بإحدى الصحف عن بدء نشاط شركتك الجديدة، تزفُّ فيه البشرى لراغبي الاستثمار الجاد، في شركة للاستثمار العقاري أو الاستثمار المالي، أو أي نوع من أنواع الاستثمار، الذي يحظى بالرواج في مصر الآن.

في مصر، ينتقل اسم المستثمر من صفحات الاقتصاد والمجتمع إلى صفحات الحوادث في الصحف

تتدفق إليك الأموال، وينهال عليك المشاركون والمساهمون من كل حدب وصوب، ومن مختلف الفئات والطبقات، مهندسون وأطباء ورجال أعمال ومسؤولون وفنانون ورياضيون، تسعى إليك الفضائيات بكاميراتها والصحافة بأقلامها، وتصبح اسمًا مشهورًا في عالم المال والأعمال، يسبقه لقب "رجل الأعمال الشهير".

وبعد أن تصل إلى الرقم المطلوب من الملايين بمختلف العملات "خد بعضك وسافر".

اقرأ/ي أيضًا: قراءة في كلام شرم الشيخ

سينتقل اسمك من صفحات الاقتصاد والمجتمع إلى صفحات الحوادث في الصحف باعتبارك واحدًا من المطلوبين للعدالة، وبعد أيام من ترديد اسمك في قضية نصب في أجهزة الإعلام المختلفة، ستحصل على البراءة، بعد أن يقوم مجموعة من المحامين الشُطّار بتبرئة ساحتك وإثبات سلامة موقفك المالي والقانوني.

أما إذا صدر -بعد فترة لا بأس بها- حكم بإدانتك، فسوف تجد من يقوم بتسهيل هروبك إلى الخارج لتعيش الباقي من عمرك آمنًا وهانئًا.

لقد حدث ذلك مع الكثيرين غيرك. لقد تمكّن الهواري، والملاح، ويوسف عبد الرحمن، ومحمد رشيد، وراندا الشامي، ورامي لكح، وممدوح إسماعيل، وقبلهم جميعًا حسين سالم، وتوفيق عبد الحي، وهدى عبد المنعم، وأشرف السعد، وغيرهم تمكنوا جميعهم من الهروب إلى خارج مصر، ليعيشوا في عواصم أوروبية في رغد العيش وأمان الإقامة.

وهكذا يمكن أن تجمع الملايين، وتحقق طموحك في الدخول عضوًا في نادي المليونيرات.

ولكن إياك أن تلحق بك شبهة عدم تأييد النظام القائم، فسيتم القبض عليك قبل أن تنجح في جمع المليون الأول، وتُقدّم لمحكمة عاجلة بتهمة غسيل الأموال، أو تمويل الإرهاب، أو إثارة الطائفية وتهديد السلم الأهلي.

أما إذا أردت أن تمشي في الطريق إلى نهايته، فعليك "بتفتيح المخ" وإغداق الهدايا، والتبرعات، والعطايا على كل من يظهر في طريقك من المسؤولين، وأن تقوم بنشر التهاني في المناسبات القومية والخاصة لكل من تعرف أو لا تعرف منهم، وتسرف في تأييد كل قرار يتخذه النظام، وتؤكد على حكمة القيادة السياسية الرشيدة، وتثمّن توجيهات الرئيس، ولا مانع من كيل الشتائم والاتهامات المجانية وإلحاق كل السلبيات بأطراف المؤامرة الكونية، التي تضع مصر في أولوياتها.

اقرأ/ي أيضًا: "غير مسبوق" هو سيد الموقف في مصر

أما في السياسة الخارجية فلا بد من تأييد موقف مصر في الأزمة السورية، ورفضها لكل "المؤامرات الإرهابية التي تسعى إلى إسقاط بشار الأشد"، وأن تكون مستعدًا في أي وقت للإدلاء بتصريحات صحفية تندد بالتدخلات الخارجية في الشؤون الدولية المصرية، وأن تمتلك قدرًا كافيًا من الصبر وطول البال لتفهم السياسات اللولبية للدبلوماسية المصرية في المحافل الدولية والإقليمية، وقبل كل ذلك، عليك التأكد من أن التقارب في وجهات النظر لا يتطلب وقتًا طويلًا.

أيها المستثمر المصري.. احذر من شبهة عدم تأييد النظام، فسيتم القبض عليك قبل أن تنجح في جمع المليون الأول

إذا نجحت في ذلك، فسوف تصبح من ذوي الحظوة، ويمكن أن يصل بك الأمر لأن تكون -على الأقل- واحدًا ممن يقع عليهم اختيار فريق الرئيس لتكون عضوًا في مجلس النواب، أو وزيرًا بالحكومة الجديدة (دائما هناك حكومة جديدة)، أو على الأقل مستشارًا اقتصاديًا بإحدى الوزارات، تظهر في البرامج النسائية لتطلب من الشعب ربط الأحزمة من أجل عبور المرحلة القادمة.

إذا أردت النجاح والفلاح، فاقرأ كلامي من أوله، وإذا فعلت العكس فلا تلم إلا نفسك، لأنك ستقضي بقية عمرك "فقري" مثلي.

هامش:

"الأوتسايدر": قبل أيام قليلة، أصدرت هيئة الرقابة الإدارية في مصر بيانًا يعلن أنه في ضوء توجيهات الرئيس تم القبض على نصّاب انتحل صفة "مستشار رئيس الجمهورية"، واستطاع الحصول على 650 ألف جنيه مصري مقابل تزويد إحدى الشركات بالسكر المُدعّم باستخدام نفوذه المزعوم".

اقرأ/ي أيضًا:
السياسية الخارجية المصرية: الرقص مع الشيطان!

دولة غير شرعية